ثقافي

فاطمة بن فضيلة في حديث الداكرة : القصيدة عندي حياة فلا نبض لي خارج أسوارها، هي قوتي الخارقة و قدرتي على التحمّل

الشعب نيوز/ متابعات. ننشر فيما يلي نص حديث صحفي أجراه الصديق محمد الهادي الوسلاتي مع الراحلة العزيزة فاطمة بن فضيلة التي وافاها الاجل المحتوم الجمعة 23 سبتمبر 2022 بعد صراع طويل مع المرض الخبيث.

 قدم محمد الهادي الوسلاتي للحديث بقوله:

[ فاطمة بن فضيلة، الجالسة على اللغة و الفارعة على أصحاب الجلالة. المهرة الأصيلة الجذع و الجذور. الخمر و النساء، القصيدة المهاجرة في شوارع العالم. هي سرّ النار و الرّاوية للماء أيّام القتاد. فاطمة شجرة الصبّار و غابة الحزن تغنّي للأمل. هي عروة ابن الورد يسقي قلوب الشعراء، هي بداية النص و نهاية الرواية هي فاطمة ظهر القطار و مدد الحصى. فاطمة هي بكاء العشق الصامت و المروج العامرة. كان لجريدة الشعب هذا الحوار مع لبؤة الاتحاد العام التونسي للشغل الشاعرة فاطمة بن فضيلة.]

وجاء في الحديث الدي نشر في الشعب الورقية قبل نحو سنتين ما يلي:

1-من أين نبدأ؟
-نبدأ من حيث تريد و من حيث يرغب القرّاء
2- القصيدة عندك حياة أم الحياة عندك قصيدة؟
الحياة ليست قصيدة، هي مغامرة كبرى نعيش تفاصيلها بأشكال مختلفة و ألوان مختلفة و نرسم لنهايتها أهدافا متباينة، هي مساحة لاثبات مدى تخلّصنا من أنانيّتنا و مدى الجهد و التعب و التضحية التي نبذلها كي يكون الآخر، الحياة هي أن تكون ابتسامة طفل كان جائعا مقابلا لجهد بذلناه، هي اليد التي تمتدّ لعاملة مصنع تعثرت قدمها أو لعامل نظافة أنهكه العطش تحت جدار مشتعل، الحياة بفوضاها و ضوضائها و معاركها و حروبها و مجازرها هي تلك التفاصيل الصغيرة التي تجسّد انسانيّتنا.  
القصيدة عندي حياة، نعم، أكتب كما أتنفّس و يلتصق الشعر بي كالتصاق الجلد بالجسد. نعم القصيدة عندي حياة فلا نبض لي خارج أسوارها. القصيدة هي قوتي الخارقة و قدرتي على التحمّل و على القتال أكتب كي يكون العالم أجمل و أبهى و أكثر انسانيّة، القصيدة هي محاولاتي المتكرّرة لتجميل العالم و تخفيف وطأته على البسطاء و الفقراء و المعذبين،
3- الواضح أنّ القصيدة أسلوب حياة.
بل هي حياة بكلّ تفاصيلها، كان أبي رحمه الله مغرما بعزف الناي "القصبة" و قول الشعر الشعبي و الغناء البدوي و كان عاملا يوميا بقطاع البناء "بنّاي" كنت أرى الشّعر في كلّ حركاته: حين يعزف، حين يغنّي و حين يسحب خيط "الخزمة" ليحدد المقاسات و يعدّل النتوءات و الاعوجاج، حتى حين سقط من احدى البنايات العالية في قتاله اليوميّ ضدّ الفقر فقد كان ذلك أيضا شعرا.

في لحظة ما، تتحوّل القصيدة الى نمط حياة نراها في تعاملنا مع الآخر، في دفاعنا عنه، في عملنا اليوميّ، في حركات أناملنا و في ارتعاش رموشنا. أنا أمارس حياتي اليوميّة: أدرّس و آكل و أشرب و أحضر الأمسيات و التظاهرات و المظاهرات و أقوم بأعمال البيت كأنّني بين سطور قصيدة حب عملاقة.

4- أصبت بمرض خبيث و أنت الآن في الطريق الى الشفاء التام، هل القصيدة دواء؟
سنة 2017 و تحديدا في شهر مارس اكتشف الأطبّاء أنّني مصابة بمرض السرطان و أنّه تحوّل من الثدي الى الكبد و العظم، لا أستطيع أن أصف وقع الخبر عليّ حينها و في لحظة ما توقّف كلّ شيء و بدا الموت نفقا عميقا مظلما.

بدأت رحلة العلاج الكيميائي يوم 24 فيفري 2017 و بدأت أغوص في ذاك النفق المظلم لكنني انتفضت، دماء حشاد في روحي  و زوجي و عائلتي و صديقاتي المقرّبات يسندون ضعفي... و القصيدة في دمي... كنت عاجزة عن الكتابة في البداية لكنّ ترجمة الشعر كانت ممكنة، أذكر كيف كنت أجرّ جسدي المنهك و أضعه قسرا أمام الحاسوب و أترجم... أترجم... أتشبّث بالقصيدة و أترجم، و أصبح لديّ كلّ صباح هدف: أن أجد القوّة كي أترجم و أن أنهي الكتاب و أنا في فترة العلاج... و أنهيته...

هل القصيدة دواء؟ نعم القصيدة كانت حافزا قويا كي أتشبّث بالحياة و أقاوم و قد ساعدتني فعلا على تجاوز الفترات الحرجة. أذكر أنّني شاركت في ملتقيين شعريين (نابل و بوسالم) و أنا تحت العلاج الكيميائي و اعتليت منصّة الشعر و أنا أسوّي الباروكة فوق رأسي كي لا تنزلق.

صديقتي الكبيرة المبدعة ليلى طوبال قالت لي حين هاتفتها و أنا تحت الصدمة الأولى "اجعلي لك هدفا و عيشي لأجله" و كانت الكتابة هدفي و كان ترشّحي للاتحاد الجهوي للشغل بن عروس هدفا آخر كنت رسمته قبل المرض و لم يجبرني المرض على التراجع عنه. مازلت تحت العلاج و مازلت أحيا بفضل الله و بفضلها (القصيدة بنت الكلب).
  5- القصيدة مبنيّة على النّقد و التجاوز، أين تذهب بك القصيدة؟
تذهب بي الى الأقصى، إلى حيث لا أدري، لم أخطط لها يوما بل كانت دائما تخطط لي. كتبت قصيدة التفعيلة منذ بداياتي و في هذا السياق أصدرت "لماذا يخيفك عريي" سنة 2003 و "من ثقب الروح أفيض سنة 2006. كنت و مازلت مسكونة بالإيقاع و الموسيقى، خزّنت ذاكرتي موسيقى الأعراس في ربوع "مكثر" و رقص الرعاة في ليالي الحصاد في حقول "الحمادة" و ايقاع حوافر الخيل تتهادى على قرع الطبول في "الصفاية الواسعة".

لم يكن الافلات من الموسيقى ممكنا، لكنّ قصيدة النثر بإيقاعها المخاتل و موسيقاها الشفافة نجحت في استدراج قلمي فجاءت "أرض الفطام" معبرا بين نصّين، ممرّا سريّا بين لحنين منفلتين في ليل الكتابة. و أنا أمشي في أدغال الشعر طوال هذه السنوات تعلّمت المحو و اقتطاع ما كنت أعتقده جزء مني لا يمكن المساس به، تعلّمت أنّ ما نهمّ بقوله في الشعر أهمّ بكثير ممّا نقوله.
6- كتبت القصيدة الموزونة و التفعيلة و النثريّة و العامية و عرفت باتقانك لكلّ أنواع الشعر، أين القصيدة باللّغة الفرنسية بما أنّك أستاذة آداب فرنسيّة؟
اللّغة الفرنسيّة أستعملها فقط ف لغرضين: التدريس و الترجمة، لم أفكّر في الكتابة باللّغة الفرنسيّة و لا أجد دافعا لذلك. حين تفيض بي اللغة العربية أكتب على ضفافها و ضفافها لهجتنا العامية الرائعة و التي لا تقلّ رقة و عمقا عن الفصحى. 
7- شعراء في كلمة:
سلوى الرابحي: سلوى شاعرة مهمّة تتميّز بنص مختلف و عميق
رحيم الجماعي: رحيم شاعر كبير و هذا البلد يضيّع كباره
جمال الجلاصي: الكتابة لدى جمال حياة كاملة بلا رتوش
8- سؤال لم أسأله...
اجابة سأحتفظ بها..
.]