وثائقي

الاتحاد أعرق التنظيمات النقابية العربية وتلازم بين النضال الاجتماعي والفعل السياسي

الشعب نيوز/ بديع السعدي الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل بين عروس.

تعد الحركة النقابية التونسية من أعرق التنظيمات الاجتماعية في الوطن العربي، كيف لا وقد عرف التونسيون النضال النقابي منذ بدايات القرن الماضي، وعلى مدى كل مراحل النضال النقابي كان هناك تلازم بين الفعل السياسي والنضال الاجتماعي وهو أمر فرضه واقع الاستعمار الذي كانت ترزح تحته البلاد.

منذ منتصف عشرينات القرن الماضي زرع الزعيم محمد علي الحامي البذرة الأولى للعمل النقابي التونسي الحر والمستقل، فبعد أن كان العمال التونسيين منخرطين في الاتحادية الفرنسية للعمال منذ أن تأسست سنة 1919 وجدوا أنفسهم مطالبين بالالتفاف حول القيادة النقابية الوطنية التي يتزعمها محمد علي الحامي الذي تمكن من عقد المؤتمر التأسيسي لجامعة عموم العملة التونسية يوم الأحد 18 جانفي 1925 عقب نجاحه في تتويج مبادراته في المجال الاجتماعي التي تهدف إلى تأسيس تعاونيات ببعث " جمعية التعاون الاقتصادي " يوم 29 جوان 1924، كذلك بعد أن قام عملة الرصيف بالعاصمة يوم 13 أوت 1924 باعتصام كبير بتحريض منه ومن رفاقه النقابيين الوطنيين الذين تحمّسوا لأفكاره، وكان أبرزهم المناضل الفذ بلقاسم القناوي الذي قام بمحاولات جدية لإحياء جامعة عموم العملة التونسية سنة 1937 بعد أن تلاشت أمام الهجمة الاستعمارية، وأمام مناورات الاتحادية الفرنسية للعمال الخبيثة، وقد كان ذلك يوم 27 أفريل من سنة 1937 حيث تم انتخاب هيئة وقتية تكونت من بلقاسم القناوي ( كاتب عام )، وعلي القروي ( كاتب عام مساعد )، ومحمد مقطوف ( أمين مال ) و أعضاء آخرون...

كلّ هذه التجارب التي كانت تهدف إلى بناء صرح منظمة نقابية وطنية عتيدة تساهم في الحركة التحريرية الوطنية من جهة، وتعمل على تحسين الظروف المادية والمعنوية للطبقة الشغيلة التونسية من جهة ثانية.

بعد كل التجارب، والنضالات النقابية التي احاطت بطاقات جبارة لمناضلين أفذاذ تمكن الزعيم فرحات حشاد من عقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل متوجا مسيرة الحركة النقابية التونسية خير تتويج بفضل قدرته الفائقة على هيكلة العمال نقابيا بكافة الجهات بدءا بالمناطق التي تتواجد فيها اليد العاملة التونسية بكثافة.

-- #الزعيم الشهيد والتأسيس

ترى كيف أبدأ ؟ ومن أين أتناول الخط النقابي الوطني للزعيم الشهيد ؟ زعيمنا أشهر من القمر ومن نار على علم. إنّه شهيد الوطن فرحات حشاد. ايمانا منّي بأن يكون حاضرنا مرتبطا ارتباطا وثيقا بماضينا، مؤثرا إيجابا في مستقبلنا، ولأن الحياة أمجاد وهزائم، فإن حياة حشاد كانت طويلة وعريضة وكانت عملا مقاوما وبناء وطنيا بلا عبث وبلا هزل، وكانت مثيرة فاعلة في تاريخ تونس، وتاريخ العرب، والحركة النقابية العالمية ، وإن كانت كل التجارب النضالية على مر التاريخ يتخللها صعود ونزول، وفشل ونجاح، فإن حشاد لم يحصل وإن فشل في أمر عزم عليه، ولا في مهمّة قام بإنجازها وهو ما دفع المستعمر البغيض إلى تصفيته بعد أن تأكدت فعاليته واخلاصه للشعب وللوطن.

آمن الزعيم حشاد بالعمل الجماهيري، أي بالنضال إلى جانب الجماهير الشعبية والانصهار في صلبها ومعايشة همومها وقضاياها والتفاعل معها، وكان يتحلى بقدر كبير من المرونة والصبر، والرغبة الجامحة في التعلم من الجماهير قبل تعليمها، لذلك نال حشاد ثقة الجماهير، وخاصة العمال والبطالين، واستطاع أن ينمي وعيهم الوطني على أساس تجاربهم، ومن خلال نضالهم الاجتماعي...

بداية من سنة 1944 شرع فرحات حشاد في بعث نقابات تونسية مستقلة، وقد كان من المثقفين والنقابيين البارزين الذين يتقنون العمل الجماهيري، وكانت انطلاقته في التأسيس من مدينة قفصة أين يوجد عمال المناجم، ثم مدينة صفاقس أين بعث " اتحاد النقابات المستقلة للعمال بالجنوب " في نوفمبر 1944 وتلاه بعد ذلك تأسيس اتحاد مماثل في الشمال في ماي 1945 ليكونا كلا الاتحادين النواة الرئيسية لانعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 20 جانفي 1946 بالمدرسة الخلدونية بعد جمع الاتحادات الجهوية مع الجامعة العامة للموظفين التونسيين، وانتخب فرحات حشاد كاتبا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل.

تمكن فرحات حشاد بعد تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل من تعبئة الطبقة الشغيلة التونسية، وتنظيمها حتى تلتف حول الحركة الوطنية التحريرية وتنخرط فيها. كما انخرط الاتحاد في الاتحاد الدولي للنقابات الحرة سنة 1951 ليتخذه حشاد منبرا في المحافل الدولية للدفاع عن حق تونس في الاستقلال ، وليحشد الدعم الدولي الواسع للقضية الوطنية التونسية.

بالإضافة إلى تأكيده على ضرورة العمل على تحسين ظروف عيش العمال وبقية الفئات الشعبية وإعانتهم على تحقيق مطالبهم المهنية الملحة والدفاع على حقهم في تنظيم صفوفهم نقابيا، عمل حشاد على ربط الحركة النقابية بالقضية الوطنية ربطا وثيقا، ليكرس في وعي الشغيلة رئيسية المسألة الوطنية ، ويثبت لديهم أن كل المسائل الاجتماعية ،والثقافية، وغيرهما جميعها عمقها وطني وأن أي نضال اجتماعي مجرد من الوعي بضرورة كنس المستعمر هو نضال عقيم لا يفضي إلى نتائج ملموسة. وتأكيدا على خط حشاد الوطني لا بأس من ذكر أهم ما كتب في هذا الشأن.

" إذن فإننا نقاوم الاستعمار لأنّه عدونا الألد ولأنّه عدو كل حركة تقدمية وكل عمل يرمي إلى احياء الشعور وكرامة البشر فهو عدو الانسانية لا ينمو إلاّ في ظلّ الجهالة والفقر والخوف واذلال النفس والوهم وما إلى ذلك من المآسي التي يسوء البشرية أن تنسب إليها بحال من الأحوال.

فكيف يروق لنا العيش معشر الاخوان ما دمنا لم نتغلّب على الاستعمار ؟ وكيف نركن إلى الراحة ما دمنا نرزح تحت سيطرة الاستعمار ؟ " .. من مقال " لماذا نقاوم الاستعمار ؟" خطه حشاد في 16 ماي 1947.

إلى جانب قيادته النقابية اندفع حشاد في قيادة الحركة الوطنية بأكملها اثر اعتقال القيادات السياسية للحزب الحر الدستوري الجديد في بداية الخمسينات من القرن الماضي، وقد كان حاسما وصلبا في جوهر المسألة الوطنية التونسية وهو مقاومة المستعمر، فقد أسدى تعليماته للمقاومة التونسية بدحر المستعمر من كل شبر من الأرض التونسية خاصة بعد تفصّي الحكومة الفرنسية من وعدها بمنح تونس استقلالها الداخلي في ديسمبر 1951. وفي سبيل دحر المستعمر قدم الاتحاد العام التونسي للشغل قافلة من الشهداء أبرزهم الزعيم المؤسس فرحات حشاد الذي اغتالته يد الغدر الفرنسية يوم 5 ديسمبر 1952 فضلا عن الاعتقالات والملاحقات التي طالت العديد من النقابيين والعمال وباقي الفئات الشعبية بعد مظاهرات عارمة قادتها النقابات التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل تنديدا بالمستعمر الغاشم وطلبا للاستقلال.

-- #فرحات حشاد حسم أمهات القضايا

1 - #مسألة الحياد النقابي

لا يعني شعار "استقلال الاتحاد " و" اتحاد مستقل والقواعد هي الكل " الذي هو شعار صحيح برز بقوة أثناء تحركات 26/ 01 / 1978، لا يعني الحياد بل يعني استقلالية الاتحاد عن سياسة الحزب الحاكم آنذاك التي ترجمت حينها في استقالة الحبيب عاشور أمين عام الاتحاد من الديوان السياسي للحزب الحاكم وعبّرت عن رفض أن يكون الاتحاد مجرّد ملحق للحزب الحاكم وعن رفض القواعد العمالية لسياسته التي استهدفت المنظمة الشغيلة وتصدّت للمطالب المشروعة لجماهير الشعب الغفيرة.

وقد حسم الزعيم الشهيد حشاد مسألة الحياد بكلّ وضوح منذ أربعينات القرن الماضي حيث يقول حشاد في مقال له بتاريخ 16 ماي 1947 " الحركة النقابية والقضية الوطنية :

" إنّ منظّمتنا كسائر المنظّمات النقابية لا تخوض في المسائل السياسية الحزبية احتراما لحرية الفكر وتجنّبا لأسباب الاختلافات التي تتبع المسائل الحزبية والتي من شأنها أن تعود بالتفرقة بين صفوف العملة ولكن هنالك مسائل وطنية عامة هي موضوع اتفاق الجميع يتحتم علينا أن تسير على ضوئها وأن تسعى لتدعيمها. وكلمتنا هذه تنطبق في الحقيقة على كلّ المنظّمات غير الحزبية سواء كانت ثقافية أو أدبية أو رياضية أو صناعية فكلّ هذه المنظّمات تتجنّب من السياسة ما يسمّى بالمسائل الحزبية والنزعات المذهبية وأما المبادئ العامة التي لا تردّد فيها لأي فرد من الشعب فمن الواجب أن نتمسّك بها ". ( فرحات حشاد )

2- #مسألة "الحلقة المفقودة "

توجد نزعة يمكن التعبير عنها بنزعة "الحلقة المفقودة" التي لا يعثر أصحابها عن حلقة الربط بين المطالب المباشرة والمسائل الوطنية الرئيسية فيصبح هناك نضال من أجل مطالب مباشرة معزول عن المسألة الوطنية التي تصبح مجرّد شعارات عامة تردّد بمعزل عن الواقع المعاش جماهيريا.

وهذه النقطة أيضا حسمها حشاد حيث أبرز بوضوح في نفس المقال الارتباط الوثيق بين كفاح الشغّالين لتحسين حالتهم ومسألة الإطاحة بالنظام الاستعماري :

" فكفاح الشغالين لتحسين حالتهم الأدبية والمادية إذا مرتبط أمتن ارتباط بمصالح البلاد العليا لأنّ ذلك التحسين يستوجب انقلابا اجتماعيا لا يمكن التحصيل عليه ما دامت البلاد ترزح تحت نير النظام الاستعماري " ( فرحات حشاد ).

فكفاح العمال من أجل تحسين حالتهم المادية والأدبية إذن مرتبط موضوعيا وعينا ذلك أم لم نعه بمصالح البلاد العليا. لأنّ هذا التحسين لا يمكن تحقيقه دون الإطاحة بنير النظام الاستعماري.

هذه الحقيقة التي وعاها حشاد هل جعلته يستنكف أو يكف عن تنظيم نضال العمال والشغالين وكل فئات الشعب في كل النواحي من أجل تحسين أوضاعهم المادية والمعنوية ؟..على العكس فقد وقف حشاد على الدوام إلى جانب الشغالين في نضالهم بمختلف أوجهه لأن حشاد يعلم جيدا أن العمال والشغالين لن يعو حقيقة أسباب تردّي أوضاعهم إلاّ من خلال نضالهم اليومي لتحسين أوضاعهم فدأب على مخاطبتهم ليرتقي بوعيهم متناولا أوضاع البطالة وتشرد الأطفال وحرمانهم ووضع التعليم. وهو يعلم أنه لو فعل غير ذلك لوجد نفسه وحيدا يردد دون جدوى : يجب الإطاحة بالنظام الاستعماري

والحقيقة التي توصّل لها حشاد هي قانون أثبتته كل التجارب الثورية مفاده أن الجماهير تعي الحقائق من خلال نضالها العفوي لتحسين ظروفها المادية والمعنوية للتغلب على أوضاعها المتردية وليس من خارجها. وهنا يأتي دور العنصر الواعي ليعينها على اكتساب الوعي من خلال نضالها ومن خلال تجربتها وليس من خارجها وإلاّ كان مصير هذا العنصر الواعي الانعزال والعجز عن التأثير في الواقع وعن إفادة الجماهير وسيكون كما يقول المثل الشعبي عندنا كالطائر الذي يغني وجناحه يرد عليه.

وحين نشارك الجماهير نضالها لا يعني هذا أننا سنخدعها أو نوهمها بأن تحقيق مطالبها الجوهرية ممكن في ظلّ الوضع القائم فلا نعدها بالشغل ولا بتوفير الأمن أو البيئة السليمة مثلا ولكن نعدها أننا سنقوم بالواجب الذي يوصل ويحقق الغاية المرجوّة...

-- #الاتحاد العام التونسي للشغل والبناء الوطني

ممّا لا شك فيه أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان شريكا حقيقيّا في بناء الدولة الوطنية الحديثة بعد حصول تونس على استقلالها في 20 مارس 1956 بدءا بتمثيليته الرئيسية في المجلس القومي التأسيسي آنذاك إلى جانب مشاركته في أول حكومة بعد الاستقلال بتولي عدد من أعضاء مكتبه التنفيذي حقائب وزارية هامة نذكر منهم مصطفى الفيلالي وعبد الله فرحات...

لم تكن القضية الوطنية في حقبة الاستعمار كرابط مشترك بين الحزب والاتحاد لتحجب بدايات تبلور الجوانب الخلافية بينهما، وبروز التناقض بين الموقف الحزبي الذي يقضي بضرورة تبعية الاتحاد للحزب، والموقف النقابي الذي يقضي بتثبيت خصوصية الاتحاد وتكريس استقلاليته، وهذا التناقض سوف يؤدي إلى محطات بارزة في تاريخ تونس ما بعد الاستقلال تمثلت في صدامين كبيرين بين الحزب الحاكم والمنظمة الشغيلة الأول حدث في شتاء 1977 – 1978 أسفر عن اعتقال قيادات الاتحاد وعلى رأسهم الحبيب عاشور، ولم يطلق سراحهم إلاّ عام 1980 ، أمّا الصدام الثاني فقد حصل عقب ما عرف ب" انتفاضة الخبز " التي شاركت فيها قواعد الاتحاد بكثافة، وعمد الحزب الحاكم آنذاك إلى اعتقال عاشور مرّة أخرى بعد أن لفّقت له ما سمّيت بقضية "كوسوب" سنة1985.

تمتع الاتحاد بفضل ارثه التاريخي النضالي بنوع من حرية الحركة والمبادرة في طرح المقترحات ذات العلاقة بالتوجهات الاقتصادية والاجتماعية، فكان على الدوام قوة خير وقوة اقتراح بوصلته الشعب التونسي بكل فئاته لذلك يردد أمينه العام الحالي في العديد من المناسبات نورالدين الطبوبي قولته : " الاتحاد هو ملك كل الشعب التونسي " تأكيدا على جماهيرية الاتحاد، وعلى اهتمامه بكل جوانب الحياة للشعب، وكل ذلك أتاح للمنظمة الشغيلة العتيدة القدرة على التعبير عن مصالح العمال والمعطلين وكل الفئات الشعبية، والتأثير في مجريات الحياة السياسية في مختلف مستوياتها بتونس في كل المراحل، كما ساهم الاتحاد العام التونسي للشغل في تنشئة وتجنيد العديد من الكوادر السياسية من خلال التكوين والتثقيف العمالي الذي خصّه الاتحاد الأهمية القصوى، وقد قال الأمين العام الحالي نورالدين الطبوبي في احدى خطاباته : " ما يتعلّمه النقابيون داخل مدرسة حشاد، الاتحاد العام التونسي للشغل لا يتسنى لهم أن يتعلموه في الجامعات والكليات "...

انتهج الاتحاد على الدوام نهج القيام بالدراسات و الاستئناس بآراء الخبراء في كل الميادين، فارتكزت مفاوضاته على البرهان والحجة والأرقام من جهة، وعلى ثبوت فشل وخطورة ما يحذر منه الحكومات من توجهات لا شعبية وخيارات لا وطنية من جهة ثانية. هكذا إذن كان وسيبقى الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة التي لا يمكن لأي كان من الطبقة السياسية التي تتداول على الحكم أن يتجاهله، أو يستغني عن دوره المعدل وعن حرصه على سلامة الوطن من الفتن، ومن كل ما يتهدد وحدة الشعب التونسي واستقرار البلاد.

أما على المستوى التربوي، والثقافي فقد تولت قيادات نقابية بارزة حقائب وزارتي التربية والثقافة فلعبت هذه القيادات دورا غائر الأهمية في ارساء تعليم عمومي، مجاني وحداثي يواكب العصر ويلبي حاجيات البناء الاقتصادي، فبات التعليم مصعدا اجتماعيا لدى أبناء الطبقات الفقيرة، والفئات المهمشة.

الاتحاد العام التونسي للشغل يعمل جنبا الى جنب مع العديد من الجمعيات النسوية والشبابية ومع المنظمات الحقوقية والهيئات المهنية وكل مكونات المجتمع المدني التي تتقاطع معه في رؤيته الثابتة وعمله الدؤوب لأجل دولة مدنية ديمقراطية اجتماعية.

وقف الاتحاد إلى جانب المنتفضين في مناطق الحوض المنجمي سنة 2008 فنظّم قوافل الدعم والمساندة لهم ، وشكل العديد من اللجان الجهوية في الغرض ، ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 17 ديسمبر 2010 من سيدي بوزيد لتنتشر بسرعة فائقة كانتشار النار في الهشيم في كافة الجهات التونسية، احتضن الاتحاد الجماهير المنتفضة التي تطالب بالحرية والشغل والكرامة الوطنية.

كانت المسيرات والتجمعات الشعبية تنطلق من دور الاتحاد الجهوية، والمحلية، كما أصدرت كل الهياكل المسيرة للاتحاد العام التونسي للشغل جهوية كانت أو قطاعية البيانات المتتالية والتي عبّرت جميعها على وقوفها إلى جانب الشعب، ونددت بالقمع الذي لاقته الجماهير، وشن الاتحاد سلسلة من الاضرابات الجهوية العامة توجت بإضراب عام أقره الاتحاد الجهوي بتونس يوم 14 جانفي 2011 لتخرج الجماهير من بطحاء محمد علي في مسيرة شعبية عارمة وصلت وزارة الداخلية فدقت المسمار الأخير في نعش النظام النوفمبري.

تولى الاتحاد العام التونسي للشعل تجميع كل القوى السياسية، والشخصيات الوطنية، والأكاديميين، من كل مجالات الحياة العامة في هيئة عليا في ظل عدم قدرة أي طرف على تجميع التونسيين حول ما سمي ب"تحقيق أهداف الثورة"، والاتحاد دون سواه هو من ضغط في اتجاه سن قانون العفو التشريعي العام، وهو من أطّر جميع المطالب العمالية التابعة له لتكون واقعية، ومنسجمة مع الوضع الاقتصادي للبلاد، حتى لا تنفلت الأمور وتغرق البلاد في فوضى عارمة، وهو ليس بالأمر الهين في فترة اتسمت بارتفاع سقف المطلبية، وبالاحتجاجات، والاعتصامات العشوائية أمام كل الوزارات والإدارات المركزية والجهوية والمحلية.

بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 واصل الاتحاد لعب دوره الاجتماعي بمنظور سياسي مستقل عن كل التنظيمات، وعن كل الأحزاب، وبرز ذلك الدور بعد الأزمة السياسية الخانقة التي حلّت بالبلاد عقب اغتيال النائب محمد البراهمي في ذكرى عيد الجمهورية، وهو الاغتيال الثاني بعد أن طالت يد الغدر المناضل اليساري الوطني الفذ شكري بلعيد يوم 06 فيفري 2012 .

درء لتفجّر الوضع، ولما قد تؤول إليه الأوضاع من تعفّن مجتمعي، وأمني، واقتصادي بادر الاتحاد بالشراكة مع منظمة الأعراف وهيئة المحامين والرابطة التونسية لحقوق الانسان بدعوة الأطراف المتنازعة إلى حوار وطني شكّل الاتحاد ركنه الأساس. وقد أسفر الحوار الوطني عن تنازل النهضة عن رئاسة الحكومة والاتفاق على الاعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية لتجري بين أكتوبر وديسمبر من سنة 2014 . وبذلك ثبّت الاتحاد عند كل التونسيين أهمية دوره السياسي، واستقلاليته، وحرصه على سلامة الوطن، وعلى وحدة الشعب التونسي، كما نال استحسان العالم لذلك الدور الوطني الذي أنقذ البلاد من مصير مجهول عواقبه كانت مظلمة لا محالة، وبذلك استحق الاتحاد وشركائه " جائزة نوبل " التي منحت لهم، وكانت مصدر فخر واشعاع لتونس لم يتم استثمارها سياسيا بالشكل المناسب لضيق أفق الحكومات المتعاقبة.

-- #الهجوم_الغادر على الإتحاد يوم 04 ديسمبر 2012

تعرّض النقابيين في ساحة المجد والنضال، ساحة محمد علي الحامي ومقرّ الاتحاد المركزي والقيادة النقابية يوم 04 ديسمبر 2012، يوم احياء الذكرى الستين لاستشهاد الزعيم فرحات حشاد لهجوم استعملت فيه الهراوات والغازات من ميليشيات ما يسمّى "رابطة حماية الثورة" الاجرامية التابعة لحركة سياسية حاكمة وحلفائها آنذاك أسفر عن اصابة العديد من النقابيين بينهم أعضاء من القيادة النقابية بجروح وكسور.

إننا لن ننسى هذه الذكرى التي تكشّفت فيها النوايا الخبيثة والتوجهات المعادية للعمال ولمنظمتهم العتيدة التي عبّد دربها المضيء على البلاد والوطن العربي والعالم بأسره، بدماء زعيمها، وآلام مناضليها لما لقوه من اعتقال، وتشريد، وعزل، وملاحقات خلال مسيرتهم النضالية دفاعا عن الوطن، وانتصارا لحقوقهم المشروعة المادية والأدبية.

إنّ استهداف الاتحاد ، المنظمة الوطنية الضاربة جذورها في نضال التحرر الوطني والرائدة على مستوى الوطن العربي والقوة النضالية القائدة على مستوى الحركة النقابية العالمية، اندرج في ذلك الوقت ضمن خطة عامة للسيطرة على المنطقة العربية تجلت أهدافها في أحداث مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن منذ 2011.

قبل الحادثة بفترة قليلة أكد رئيس حركة النهضة في تصريح له في " تشاتام هاوس" قائلا: " أن حركتهم ( أي حركة الإخوان المسلمين)" ستخرج في نهاية الأمر منتصرة في أنحاء العالم العربي عقبة فترة انتقالية صعبة".

لقد كان أعداء الاتحاد والطبقة العاملة وعموم الشعب يعملون على السيطرة على كل المجالات: القضاء والاعلام والأمن بعد تمكنهم في انتخابات 23 أكتوبر2011 من المؤسسات التشريعية والتنفيذية. لقد كانوا في عجلة من أمرهم خاصة بعد أن طال أمد استهداف سورية ومحاولة الإطاحة بنظامها وجيشها الوطنيين وتنصيب نظام موال لهم مني بالفشل الذريع وهم اليوم يتجرعون مر هزيمتهم النكراء.

نعم لقد ارتطمت أهدافهم المتماهية مع المشاريع الخارجية التي لا تهتم لمصلحة تونس بصخرة صمود قلعة حشاد ، وبشعب تونس التي يكن لها الاحترام ويعتبرها درعا للوطن وللمواطن ، وبخاصة حرائر تونس الماجدات في مسيرة نضالية جماهيرية كانت ولا تزال جارفة لا تلين يحتضنها الاتحاد العام التونسي للشغل.

قلنا ونقول ونكرّر القول بالصوت العالي لما يسمّى ب"روابط حماية الثورة" المنحلّة أينما تواروا وأينما نفذوا وللذين يقودونهم ويوجهونهم: إن الاتحاد منظمة عتيدة وعريقة تحظى بشرعية تاريخية تستمدها من صلب مواجهتها البطولية للاستعمار الفرنسي البغيض وبقيت تستمد تلك الشرعية من نضالاتها المسترسلة والمستمرة ودفاعها المستميت عن الطبقات الكادحة وعن عموم الشعب والوطن وعن قضايا الأمة العربية أيضا، لقد احتضن الاتحاد قضايانا القومية وفي مقدمتها قضيتنا المركزية فلسطين وواجه بكل قوة غزو العراق والهجوم الصهيوني على لبنان وغزة ووقف إلى جانب الفلسطينيين في انتفاضتهم الأولى والثانية لذلك هو يستهدف اليوم..

ولن يستطيع كائن من كان أن يزاحم الاتحاد في مكانته التي حازها في قلوب الجماهير والتي سبق فيها كل الأحزاب الموجودة على الساحة التونسية اليوم بما في ذلك الحزب الحاكم منذ خريف 2011.

اقرؤوا التاريخ إن شئتم لتدركوا كل المعاني التي حملها الاتحاد في مسيرته النضالية ومحمد على الحامي وفرحات حشاد هما رمزا كل هذه المعاني مجتمعة ولأنهما زعيمان وطنيان واجتماعيان فقد استهدف الأول بالنفي واستهدف الثاني بالاغتيال من نفس العدو الفرنسي المستعمر. فلماذا تستهدفون أنتم حشاد في ذكرى استشهاده ؟

نقول لكلّ متعنت يريد بمنظمتنا العتيدة شرّا: الاتحاد ليس إدارة يمكن أن تفكروا في السيطرة عليه بتسمية مدير على رأسه، الاتحاد مستقل وقيادته شرعية ومنتخبة تمثل مئات آلاف المنخرطين وغير قابل لتقزيم دوره بجعله مجرد منظمة اجتماعية مهنية بحتة لا علاقة لها كما يتخيل لكم بالشأن الوطني والقومي..

فلا تتطاولوا على الاتحاد لأنه عصي عليكم وعلى كل المؤامرات السابقة، لم يقدر عليه المستعمر الفرنسي وعجزت مؤامرتا 1978 و1985 عن التمكن منه بفضل قواعده والتفاف كل القوى المناضلة حوله ومن يصرّ ويريد أن يعيد الكرة نبشّره بأن الفشل والعار سيكونان مصيره.