وثائقي

محاكمات النقابيين/ سوسة 056 : لا يمكن حل مشاكل البلاد على حساب العمال

نستمر في مراجعة مرافعات المحامين دفاعا عن النقابيين ونقدمها بكل فخر الى الاجيال الجديدة من النقابيين ومن المحامين حتى يروا مافعل اسلافهم واي تشريف شرف كل منهم مهنته.

٭ الاستاذ نجيب الفقي:
ساد هاته المحاكمة وخاصة في جلساتها الاولى جو من التوتر حتى في العلاقة بين المحكمة ولسان الدفاع ولكن هذا الجو ترك المكان للتفاهم والتعاون وذلك ايمانا من الطرفين بان مهمتهما في هاته القضية وغيرها هو البحث عن الحقيقة.
ومن الملاحظ ان المحاكمات التي وقعت اثر احداث 26 جانفي لم يقع فيها احترام حقوق الدفاع من ذلك ان طلب التأخير في بعض القضايا قد رفض وليس من الغرابة في شيء ان تبدأ هاته المحاكمة في مثل هذا الجو المتحمس وذلك راجع لاهميتها من حيث عدد المتهمين والموضوع الذي يرجى فصله فهاته القضية المورط فيها هذا العدد الكبير من الاطارات والطلبة والعمال (101) موضوعها سياسي بحت اذ انها ترمي اساسا الى اسناد مسؤولية الحوادث الدامية التي جدت يوم 26 جانفي التي اطلق فيها الرصاص على الابرياء الى احد اطراف الميثاق الاجتماعي الداعي الى السلم الاجتماعية، فمن وراء هؤلاء المتهمين  تحاكمون من هيكلا كاملا وهو الاتحاد العام التونسي للشغل.
ان بذور هاته القضية لا ترجع الى اوائل سنة 1977 بل ترجع الى اوائل السبعينات اذ انه  بعد محاكمة احمد بن صالح كانت تونس تتخبط في مشاكل اقتصادية واجتماعية عويصة مما ادى الى اتخاذ عدة اجراءات لاصلاح الاصلاح ومن بين هاته الاجراءات نذكر قانون افريل 72 الذي يضمن لرؤوس الاموال عدة تسهيلات ويجعل من تونس جنة جبائية ويؤمّن  ايضا يدا عاملة باثمان بخسة  فحل المشاكل الاقتصادية للبلاد كان على حساب اليد العاملة ولكن العامل التونسي ارتقى الى مستوى يجعله لا يرضى بسوء المعاملة والاهانة فهو صاحب أنفة والدليل نضاله بجانب الحزب ايام الحرب التحريرية وذلك عن طريق منظمته العتيدة التي لم توقف النضال بعد الاستقلال، وواصلت عملها النقابي ديدنها الرفع من مستوى العامل التونسي وحفظ كرامته فكانت الاحتجاجات وكان الاضراب وذلك دائما في حدود القانون اذ ان العملة بقدر ما يحرصون على ضمان حق الاضراب المشروع دستورا بقدر ما يحرصون ايضا على حرية الشغل.
امام هاته المطالبات المتعددة والنابعة عن كل اصناف العملة وردت مبادرة من الحزب والحكومة ترمي الى التفاهم والتعاقد وبما ان الاتحاد ليس من طبيعته العداء والهرج قبل اقتراح الحكومة المتمثل في السياسة التعاقدية وامضى ما يسمى بالميثاق الاجتماعي وهو عقد شرف التزمت به الاطراف الاجتماعية .
فهل اتت هاته السياسة اكلها وهل احترم كل الاطراف الاجتماعيين تعهداتهم؟
 يمكن ان نجيب عن هذا السؤال بالرجوع الى المشاكل التي جدت منذ اواخر 1977:
ـ الاسعار سجلت ارتفاعا ضخما
ـ عدم توفير مواطن شغل كافية وملائمة لمطامح الشباب في مختلف القطاعات مما انجر عنه ازمة حادة لدى الشباب تجعلهم غير مطمئنين على المستقبل.
ـ مؤسسات تصديرية تكونت بمقتضى قوانين تشجع على التمويل وتلقي بمئات من الشبان في سوق البطالة
(وذكر المحامي امثلة على ذلك) امام هذه المشاكل كانت طلبات الاتحاد  واضحة وجلية:
ـ ضرورة تعديل سياسة التسعير بالتحكم في الاسعار ومراجعة حرية السوق
ـ انتهاج سياسة سكنية شعبية بمساهمة صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي
ــ الضغط الناجع عن الاسعار
ـ تمكين العملة الفلاحيين من كافة الضمانات الاجتماعية.
 وجوابا عن هاته الطلبات يصرح الوزير الاول في بيان الحكومة الذي القاه مساء الجمعة 30/12/77 في ختام مداولات مجلس الامة لميزانية 1978 انه «بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل يكمن  الخلاف في الاختيارات الاساسية»..
فاذا كانت اختيارات الاتحاد العام التونسي للشغل ما ذكرت آنفا فماهي اختيارات الحكومة المخالفة؟
واكثر من ذلك يصرح الوزير الاول وورددت معه اجهزة الاعلام الحكومية والحزبية ان من اسباب الخلاف «مطامح شخصية».
والسؤال الذي يطرح نفسه والذي لا يجيب عنه البيان هو ماهي هذه المطامح ومن هم اصحابها؟ هاته المطامح لخصها قرار دائرة الاتهام فيما يلي:
ـ حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح والتحريض على التجمهر المسلح بالطريق العام ومسك مستودع من الاسلحة والذخيرة وتحيير الراحة العامة.
هاته الاحالة ينطبق عليها  المثل الفرنسي الذي يقول «من يريد التخلص من كلبه  يرميه بالكلب»
ان اعداء الاتحاد لم يرضوا بما وصل اليه هذا الاخير فجاءت هذه المحاكمة للتخلص من قادته ومن بعض النقابيين المخلصين للاتحاد اذ ان هاته التهم ليس في الملف ما يدعمها فيجب ان تكون المحاكم على منتهى اليقظة حتى لا تدخل في المعمعة السياسية لان حل هاته القضية هو خارج المحاكم فلن يكون الفاصل في هاته القضية غير القانون فالمحكمة تطرح عليها افعال ولها قانون تطبقه اذا كانت الافعال تدخل تحت طائلة القانون..
وفي خصوص تهمة التآمر على امن الدولة ورد في الكتاب الازرق ان هذا التآمر جاء في مرحلتين، مرحلة التهيئة النفسية بمقالات صدرت بجريدة الشعب في وصفها لتصاعد الاسعار وتدخل بعض النواب في الهيئة الادارية ومرحلة تنفيذ التآمر الذي تحقق بتمرين الفرق وقرار الاضراب العام المسبوق بالاضرابات الدورية التي شنت اثر محاولة اغتيال الحبيب عاشور.
بالنسبة للمرحلة الاولى: جريدة الشعب ساهمت فقط في وصف موضوعي لواقع  العامل وغلاء المعيشة فهل ان تعريف واقع الشعب للشعب هو تحريض على قلب النظام وهل ان الاعلام الذي يعرف بواقع الشعب لا واقع السلطة يتهم بتهيئة نفسية للمؤامرة.
اما المرحلة الثانية: احتجاج على محاولة اغتيال السيد الحبيب عاشور.
ان العملة عند قيامهم بالاضرابات الاحتجاجية لم يرفعوا شعار الاطاحة بالنظام بل رفعوا شعار التنديد بالارهاب اذ ان الارهاب اصبح في السنوات الاخيرة من طرف الميليشيا واقعا لا مبرر له وما اضراب 26 جانفي  الا احتجاج ضد هتك حرمة الاتحاد.
 وبخصوص تهمة مسك مستودع من الاسلحة وتحيير الراحة العامة اتساءل عن هذه الاسلحة وعن المستودع المشار اليه ولن اعود الى الحديث عن المحجوز اذ يكفيني مؤونة ما جاء في مرافعات الزملاء في شأن المحجوز لكن هناك شيء ثابت حصل وهو ان هؤلاء المتهمين تولوا فقط الدفاع عن دار الاتحاد  عندما لم يقم اعوان الامن بذلك.
ونفى المحامي عن موكليه التهم المنسوبة اليهم نظرا لعدم انطباق فصول الاحالة وعدم توفر الادلة والحجج الدامغة.
وختم مرافعته بنداء للمحكمة لانصاف المتهمين والحكم عليهم بالبراءة وعدم سماع الدعوى.

ملاحظة هامة : لم نتمكن من العثور على صور للاساتذة المحامين المذكورين في هذه الحلقات. نرجو ممن له علاقة بأي منهم ان يساعدنا في الموضوع.