وثائقي

محاكمات النقابيين/ سوسة 057 : النقابيون هم المخاطبون الاكفاء للتوصل الى الحلول العادلة للازمة الاجتماعية

فيما يلي مرافعة احد أبرز المحامين في ذلك الزمن الاستاذ الطيب العمري الذي جمع بين الكفاءة والتواضع ودماثة الاخلاق. كان في ذلك الزمن من معارضي الرئيس الحبيب بورقيبة ويشهر الامر علنا. قريب جدا من الحزب الشيوعي التونسي الذي كان محظورا في ذلك الوقت.

٭ الاستاذ الطيب العمري
ان اشهر رجال القانون الذين كتبوا في موضوع المحاماة يرددون قولة مشهورة متداولة تقول: «ان الدفاع شرح اي شرح الاسباب العميقة والظروف الاساسية التي ادت الى الافعال التي من اجلها تقع مقاضاة المحالين على المحكمة وانطلاقا من هذه القاعدة نقول ان البلاد عاشت  حدثا يمثل اعظم ماساة واكثرها خطورة وهو دون شك حدث او احداث 26 جانفي الماضي التي تركت في النفوس اكبر الاسى وكلنا عشنا وقائع هذا اليوم ونعلم الاسباب وندركها جميعا وكي ندرك جميع الجوانب الاساسية لهذا الحدث يجب ان نغوص في اعماق الاشياء.

أسباب وجيهة للقلق والاحتجاج

ان ما عشناه يمثل ازمة عامة وعميقة كانت تعبيرا على قلق اجتماعي عميق لا يمكن معالجته ووجود الحلول له بواسطة العقوبات القضائية ولقد كان هذا القلق او التململ او الغضب نتيجة الحوادث والمظاهر التالية:
1) ارتفاعات متتالية في الاسعار اثقلت كاهل صغار القوم وضعفاء الحال.
2) الاجور الضعيفة في كثير من القطاعات الهامة التي حطت من القدرة الشرائية.
3) عداء بعض الاوساط المعروفة للمنظمة النقابية واكتسى هذا العداء في بعض الاحيان طابع الصرامة والاستفزاز حتى اننا كنا نطالع تصريحات في منتهى الخطورة صدرت عن بعض المسؤولين في منظمة قومية يطالبون فيها بنصب المشانق للمناضلين النقابيين.
4) اثقال كاهل ضعفاء الحال والاجراء بالاداءات وهنا لي ان اقول احقاقا للحق ان جريدة الشعب جريدة الاتحاد وجريدة هؤلاء المتهمين كانت دائما تنبه المسؤولين الى هذه الاخطار وكانت تفيد الرأي العام باخبار لاحداث لو وقع تفادي حصولها ولو وقع حوار بناء وصريح في شأنها لما حدثت هذه الازمة لكن بكل اسف نلاحظ ان المواطنين الواعين اجتماعيا زج بهم في السجن.
5) وزيادة على كل هذا موجة الاعتداءات المتكررة على محلات الاتحاد ونواديه،

موقف ديمقراطي نزيه

وازاء خطورة هذا الوضع كان من الطبيعي بالنسبة للنقابيين ان يتخذوا بعض الاحتياطات التي جاءت بمثابة رد فعل سلمي وديموقراطي ومنها:
1) فضح الاعتداءات وهو موقف وطني ديمقراطي نزيه 
2) تبليغ شكاوي للسلطة العمومية وذلك بلفت نظر الرأي العام واهتمامه بواسطة الخطب والاجتماع ومن الثابت ان مثل هاته الاحتياطات هي في جوهرها من النشاطات النقابية لكن هذه الشكاوي بقيت حبرا على ورق.
فماذا كانت هذه النتيجة؟ كانت سيئة ومؤسفة جدا حيث انه وقع ايقاف كافة النقابيين وزج بهم في السجن في حين انهم المخاطبون الاكفاء للتوصل الى الحلول العادلة للازمة الاجتماعية فهل يستحقون هذا المصير؟  طبعا لا، لا سيما وهم من اكثر الناس و طنية واشدهم محبة لشعب هذا البلد واكثرهم استعداد للذود عنه وليس من شك في اننا سنجدهم في مقدمة المواطنين للدفاع عن الوطن كلما تعرض الى خطر ما.

فصول الاحالة قاسية جدا
ان هؤلاء الاشخاص الماثلين امامكم متهمون بارتكاب الجرائم المنصوص عليها بالفصول 72 و74 و75 و79 و118 و119 من القانون الجنائي.
ـ الفصل 72 يتحدث عن الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة فهل هناك منشور واحد يدل على ذلك او خطاب واحد يدل على ذلك او مقالة فالأركان غير متوفرة تماما.
الفصل 74 يتحدث عن جمع الاسلحة والامداد بها؟ فلقد اتضح لنا وان هذا السلاح لا وجود له ولا تكون هذه المحجوزات سلاحا وان الانسان ليخجل عندما يقول ان هذه المحجوزات سلاح ومن العبث ان تعتبر من قبيل الاسلحة (صرافة مفككة واعمدة لرفع الاعلام وقضيب لحاجيات ركح المسرح او قوارير جافال) 
من ناحية اخرى، اشير الى ان المتهمين لم يتمتعوا بجميع الضمانات ووسائل الدفاع القانونية الكافية فلقد اثار جميعهم عند الاستنطاق كثيرا من  المشاكل من ذلك انهم ذكروا ظروف التحقيق وكيف انتزعت اعترافاتهم كرها وهذه المسألة الخاصة بالتعذيب خطيرة جدا.
كما ذكر المتهمون اسماء اشخاص من بين الجموع التي هاجمتهم في عقر  دار الاتحاد واكدت احدى المتهمات (منيرة جمال الدين) ان النقابيين تعرضوا الى هجوم قاده شخص معروف ومعه الـ 100 نفر تقريبا مسلحين بالعصي ـ فلماذا لم تامر المحكمة باحضاره؟ ولماذا لم تأذن بفتح بحث في شأن التعذيب كما انها لم تستجب لطلبات شهادات والي سوسة ولطلب الدفاع المتمثل في طلب سماع شهادة السادة محمد الناصر والحبيب عاشور وخير الدين الصالحي.

من احسن ابناء الجهة واكثرهم محبة للوطن
في الختام اقول ان هؤلاء  المتهمين من احسن ابناء الجهة واكثرهم محبة للوطن وقد سرنا كثيرا ان نجدهم على مستوى راق من الثقافة الاجتماعية والسياسية ولذلك اتمنى ان تصدر المحكمة في شانهم حكما من شأنه ألاّ يزرع في نفوسهم الكراهية والبغضاء ومن شأنه ان لا يمس من كرامتهم واملي ان لا تتأثّر المحكمة بما قيل في الداخل او في الخارج وفي اعتقادي ان المحكمة يمكنها ان تصلح الاخطاء الفادحة وان تساهم في المحافظة على سمعة وحرمة مؤسساتنا القضائية حتى لا يسجل  علينا التاريخ وان محكمة حكمت في سنة 1978 على نقابيي سوسة  ـ مثلما وقع سنة 1925 لمحمد علي الحامي مؤسس النقابات التونسية ـ بمقتضى الفصل 72 ومن القانون الجنائي فمن منا لا يعتقد ان محمد علي كان مظلوما وان تسليط هذا الفصل لعقابه كان نتيجة نضاله النقابي واخلاصه لوطنه؟
ارجو ان لا تتكرر مثل هذه الاخطاء لا سيما وان الاستفزازات الموجهة ضد هؤلاء كانت مكشوفة صارخة.