آراء حرة

التونسيون وثورتهم المؤجلة الى متى؟

بقلم: صبري الرابحي

في السابق، كانت تونس بنفسجية جدا وكانت بروبڨندا النظام تسطو على محاولاتنا الطفولية لفهم الظواهر. كان كل شيء يسير في إتجاه واحد وهو حفظ النظام والمحافظة عليه وإحتفاظه بالحكم، حتى أن كل محاولات التشهير بممارساته كانت تقع بين شرّين، الأول هو القمع البوليسي لمجرد المحاولة والثاني هو التخوين متى تم إختيار منافذ الرأي العام الدولي. 
لقد كان النظام بارعا في تصنيف أعدائه بين مناوئي الداخل المحتجزين في فضاء عام ضيق ومناوئي الخارج المتحررين من قبضة النظام غير بعيد عن ناظره و أقرب أحيانا إلى يديه و سليم بڨة هو خير مثال عن ذلك. 
كان نظام بن علي يمارس رقابته على الإعلام والرأي والمنشورات، لقد كان مقتنعا بأن الفكر هو سلاح مدني صامت قادر على هز عرش الحكم بقوة الحجة، لذلك إستطاع أن يحيط نفسه بكوكبة من الأكاديميين الذين إرتضوا لأنفسهم تلك الأدوارالتي وصلت إلى حد شرعنة النظام و إسعافه بالإمتداد في الزمن تحت مسميات عدة. ليخرجوا علينا الآن بطهورية لم تعد تنطلي علينا بعد أن إفتض النظام أمانتهم فإما أن يكفوا عنا كذبهم أو أن نكف عنهم ذاكرتنا التي تلطخت بإجرامهم..غير بعيد عن جراح وطن لم تندمل.
هذا الوطن الذي توقفت ساعته عند ثالوثه المقدس ذات شتاء، شغل، حرية، كرامة وطنية و مع شعاراته هذه التي أرادها أن تكون مركزا لأي عملية إصلاح مفترضة لم يغادر تلك المرحلة و لم يكن إنتقاله إلا إنتقالا ديمقراطيا كما أريد له أن يسمى في نشرات الأخبار.
لا يتذكر التونسيون أن الحائل بينهم و بين حقوقهم الإقتصادية و الإجتماعية هو دستور 59 لذلك لم يكن مطلب المجلس الوطني التأسيسي سوى مطلبا سياسيا نخبويا أجمعت عليه النخب التي أرادت أن تحكم أكثر من أن تصلح النظام السياسي الذي لا يزال متعثرا إلى حد الساعة. هذا المجلس و إن إعتبره الأكاديميون سلطة تأسيسية أصلية للشرعية الدستورية تحول بنهم الأحزاب السياسية إلى قاعدة بسط النفوذ على الحكم و على وسائل الدولة لذلك إستتبعه واقعيا نفس الأطراف السياسية الحاكمة و التي تصدرها حزب حركة النهضة و التي تواصلت هيمنتها على الساحة كل هذه السنوات.
حزب النهضة ناور كثيراً و تصيد فرصة الإحتكاك ببعض الأحزاب التقدمية التي لم تخف حنينها إلى جبهة 18 أكتوبر الشهيرة لتسرق النهضة جبة الحداثة و تنتهي هذه الأحزاب إلى شظايا متناثرة و هو مصير حزب المؤتمر من أجل الجمهورية و التكتل ونداء تونس لاحقا. 
من هذا المنطلق أخفت النهضة علاقتها بالحكم بأن وضعت في الواجهة السياسية حلفاءها لتتقاسم معهم غنيمة الحكم ولا تخلص إلى خسائرهم بل تستثمرها سياسيا و تبحث لها عن بدائل أخرى. 
الغريب أن نفس الشباب الذين لهثوا لإسقاط بن علي و زعزعة قبضته البوليسية على البلد لأكثر من عقدين هم نفسهم من هبوا لبسط هيمنة النهضة و شركائها على مفاصل الدولة و التمكين فيها وفي المقابل إختاروا العنف الإجتماعي بين الإجرام و الإرهاب و حتى الهجرة غير الشرعية. 
هؤلاء، نجح الوضع العام في إقناعهم بغياب أي دور مفترض لهم لتغيير الواقع حتى تأكد لديهم أنهم لم يعودوا يصلحون لإعادة ترتيب المشهد. فذلك النظام الذي تهاوى أثناء الثورة ولم يسقط أعاد الوجوه القديمة وإستقدم الوجوه المختفية وراء أقنعة سياسية يعلم الجميع أنها كانت ديكورية في زمن بن علي وأعاد تدويرها 
وفرضها في المشهد حتى إستمعنا ذات يوم إلى نقاشات حول أحقية حزبي النهضة و النداء المتحالفين في أعقاب حكم المجلس التأسيسي بإرث عبد العزيز الثعالبي ذلك الزعيم الدستوري الرائد في الحركة الوطنية حتى صارت تونس لا تصلح إلا لحكم الدساترة المتدثرين بالحداثة تارة و بالإسلام السياسي طورا و كأنما لم تنجب تونس غيرهم.
كل هذه التجارب و ما تبعها حتى زلزال 25 جويلية الذي أحدث به قيس سعيد شرخا جديدا في علاقة التونسيين بثورتهم جعلتهم يتساءلون في كل مرة متى تتحرر مطالبهم من هذا التأجيل المتعمد الذي جعلهم لا يحسون بأنهم قد إنجزوا "ثورة" أصلا