آراء حرة

جولة في ثنايا الربع الخالي

بقلم سامي بن سلامة 

ثلاثة مواعيد سياسية على غاية الأهمية ستكون محط أنظار المراقبين في تونس الأشهر القليلة المقبلة. وهي مواعيد/امتحانات قد تؤثر على المستقبل السياسي لعديد الفاعلين فيها:

- الإمتحان الأول: 

يتعلق بتركيبة اللجنة المكلفة بتأليف مقترحات الإصلاحات.

سيفرز إعلان التركيبة كما هو متوقع جدلا كبيرا على المستوى السياسي بين أنصار الرئيس ومعارضيه.

سيشكل الأمر إمتحانا كبيرا للرئيس قيس سعيد خاصة إن لم يتوفق في اختيار الأشخاص المناسبين والذين يحضون بالإجماع والمقبولية.

الإمتحان الثاني:

سيمثل الاستفتاء العام المعلن ليوم 25 جويلية بعد قرابة الأربعة أشهر من اليوم حدثا فارقا في تاريخ تونس.

إذ سيكون موعد الإستفتاء امتحانا عسيرا للعديدين.

وأولهم الرئيس قيس سعيد الذي سيواجه ثاني امتحان صعب وهو إمتحان مزدوج. فمن ناحية ستكون نسبة المشاركة مؤشرا قويا على مدى اقتناع التونسيين بجدوى الإصلاحات المقترحة ومدى ثقتهم في قيس سعيد. كما أن قوة استجابة المشاركين لدعوته للتصويت ب"نعم" ستكون مؤشرا حاسما لتقدير نجاح إصلاحاته من عدمه. وقد يكون فوز "اللا" إعلان نهاية لعهدته الرئاسية أو أنه على الأقل قد يضع حدا نهائيا لفترة الاستثناء ولتفرده بالسلطة. وقد يضطر بعده إلى إعلان تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها قبل تشريعية 17 ديسمبر أو بالتزامن معها.

ثاني من سيخضع للامتحان الحزب الدستوري الحر وزعيمته عبير موسي. وهو أول امتحان أمام الناخبين بعد انتخابات 2019 حيث تفادي الحزب ورفض المشاركة في أي من الانتخابات البلدية الجزئية التي تم تنظيمها في السنوات الماضية.

سيكون الامتحان عسيرا في حالة الدعوة للمقاطعة أو المشاركة وطلب التصويت ب"لا"، حيث سيكتشف المراقبون والمواطنون الحجم الحقيقي للشعبية التي يتمتع بها الحزب وزعيمته على المستوى الوطني بعيدا عن نتائج عمليات سبر الٱراء. ومن شأن نجاحه في الامتحان فتح الطريق أمامه للوصول للسلطة بأغلبية كبيرة. ومن شأن الفشل في ذلك وعدم قدرته على دفع الناخبين للمقاطعة أو للتصويت السلبي أن يكشف حجمه الواقعي وأن يضعف حظوظ الحزب كثيرا في انتخابات ٱخر السنة.

ثالث الخاضعين للامتحان حركة النهضة وزعيمها العجوز. حيث من المرجح أن تمنع من المشاركة في انتخابات 2022 أو أن يحل الحزب إن ثبتت التهم الموجه له قضائيا، لكن لا مناص من وجودها في الاستفتاء بطريقة أو بأخرى. حيث من شأن مقاطعتها له وحث الناخبين على المقاطعة أن يبين حجمها الحقيقي ومدى إمكانية تأثيرها على الأحداث.

- الإمتحان الثالث: ستكون انتخابات 17 ديسمبر التشريعية امتحانا كبيرا لكافة الفاعلين المذكورين. ومن المنتظر بعد الانتخابات المذكورة تغير الخارطة الانتخابية جذريا بعد تطبيق الإصلاحات السياسية. وبحسب نجاح أو فشل قيس سعيد على المستوى الاقتصادي ستتحدد مواقع بقية الفاعلين السياسيين.

مواعيد خطيرة ورهانات كبيرة تنتظر تونس بعد أشهر قليلة قد تغير وجهها وتجعلها تفقد الأمل نهائيا أو تسترجعه لتنطلق نحو مرحلة جديدة لإعادة البناء والتشييد.

على أن المعركة الحقيقة ستكون بين قيس سعيد وعبير موسي. فزعيمة الدستوري الحر اختارت استراتيجية المواجهة الشاملة مع رئيس الجمهورية وأعلنت الزحف إلى قصر قرطاج في 15 ماي المقبل في تحد مباشر له. فاجأ الأمر الكثيرين بعد أن لاحظو اعتمادها سياسة المهادنة أشهر كثيرة بعد صعودها للبرلمان.

تختلف التقييمات حول الخطوات التصعيدية لزعيمة الدستوري الحر وحول أسبابها وأهدافها. وينظر الكثيرون بكثير من الريبة لفتحها معركة جانبية يعتبرونها غير ضرورية مع رئيس الجمهورية في وقت نجح فيه الأخير في تحييد حركة النهضة وإخراجها نهائيا من السلطة وإضعاف زعيمها وفي وقت تشير أغلب المؤشرات إلى إعداده لمحاكمة قادتها. ويخشى المراقبون أن يؤدي الأمر إلى إضعاف الرئيس وانتعاش الحركة الإخوانية التي قد تجد في هذا التصادم المباشر مصلحة أكيدة يخدم مخططاتها في العودة والنفخ في ناره لكي تشتد الأزمة ويسقط أو يضعف الرئيس الذي ساهمت في صعوده إلى السلطة واعتبرته عصفورها النادر فأدار لها ظهره ولم يتردد في تحطيمها.

لا يمكن فهم المشهد السياسي في تونس ولا تحليله بمعزل عن البعدين الإقليمي والدولي. فقد أعلن في الولايات المتحدة عن تخفيض الدعم العسكري للجيش التونسي إلى النصف في السنة المقبلة وقد تتالت البيانات الأمريكية المنزعجة من إقصاء الإخوان من حكم تونس ويسعى السفراء والديبلوماسيون الأمريكيون والبريطانيون للقاء المعارضين للرئيس التونسي من أحزاب ومنظمات وإعلاميين وممثلين عن المجتمع المدني لتغذية معارضتهم للرئيس. وينتظر أن يتكثف الضغط عليه في الأسابيع المقبلة لحمله للتراجع عن قراراته ولإعادة الإخوان مجددة في اللعبة السياسية وهو ما رفضه إلى حد الٱن. تبدو لافتة الاتصالات التي جرت بين الرئيس التونسي وحلفاءه الإقليميين في الجزائر ومصر الذين ينظرون بكثير من الريبة للتحركات والمناورات على الأرض التونسية في حين يغيب اللاعب الليبي عن المعادلة بعد أن غرق في تناقضاته الداخلية.

تعيش تونس وضعا خطيرا قد تتعرض فيه في أية لحظة لعمليات إرهابية غادرة بعد تتالي النجاحات الأمنية في منع عمليات إرهابية خطيرة كانت تستهدف مسؤولين سياسيين وعسكريين. في الأثناء لم تع بقية الطبقة السياسية الرهانات الحقيقية بعد، إذ لم يعد هنالك من حياة سياسية حقيقية وأصبحت تونس ربعا خاليا جديدا ولا ينتظر أن يعاد إحياءها من جديد قبل الفصل في المعارك الجانبية والحرائق الملتهبة هنا وهناك والتي قد يؤدي انتشارها وتوسعها إلى إنهاء الاستثناء التونسي وإلى الأبد.