ثقافي

وداعا شايمون وداعا شمعون وداعا منذر الجبابلي

عندما عاد حفة / الكنعاني المغدور بعد سنوات الكفاح المسلح الذي خاضه من الأردن الى ظفار الى عدن الى بيروت الى ليون الى الجزائر 

تقرر إبعاده الى مدينة نائية في أقصى الشمال الغربي 

غادر حفة البلد و هو ابن 22 عاما ليعود و هو في عمر 32 عاما 

كانت محطة الإبعاد القسري أين سيزاول مهنة التدريس بعد محطة التأطير و التكوين الثقافي و العسكري في جبهة الشرق العربي 

هي مدينة تاجروين 

عندما حط الرحال في تاجروين لم يكن يعرف أحدا من البلد الذي غادره فتيا

كانت تاجروين أولى بداياته في وطنه تونس هناك بدأ الكنعاني المغدور /حفة بناء محيطه الإنساني الإنسانوي فبعد سنوات الحرب و القصف و الحصار أراد أن يسترد إنسانيته التونسية التي كان قد نساها و طوى ملامحها فبعد مرحلة الثانوي و الجامعي في السنة الأولى و الثانية إختصاص مادة العربية و علاقته بأستاذيه توفيق بكار و محمود طرشونة و مؤتمر قربة رحل حفة مكرها باحثا عن القضايا التي آمن بها 

في تاجروين عندما حط رحاله بدأ بالتعرف و إعادة إكتشاف أبناء جهته أولا الشمال الغربي "فهو ابن ريف سليانة " و بين الكاف و سليانة علاقة ارتباط دموي و ثقافي و نفسي كبير و من ثم إكتشاف أبناء وطنه تونس الشاسع.

حينها بدأ حفة بناء عالمه فكان أبناء الكاف و تاجروين خصوصا هم أول حاضنة للمتمرد البربري العربي كما كان يعرف نفسه أنا بربري الأصول عربي الحب و الثورة ثانيا 

في تاجروين وجد حفة /الكنعاني المغدور ضالته الفنية و الموسيقية و التراثية رفيق دربه منذر الجبابلي و هو الذي أطلق عليه شمعون .

قصة شمعون هو مقاتل إيرلندي نزل مقاتلا عند الفلسطنيين في الأغوار بالأردن و اسمه شايمون و لأن الفلسطينيين و الكنعانيين لهم أسطورة شمعون و دليلة ليلصقوا به إسم شمعون .

كان حفة إن إلتقى بشمعون الإيرلندي في بيروت الذي غنى بصوته الريفي الإيرلندي أغنيات من تراث إيرلندا في تأبين الرفاق الفلسطنيين و الأمميين الذين يسقطون ضحايا و شهداء في المعارك ضد العدو الصهيوني 

و لأن صوت منذر الجبابلي كان قريبا لحاسة و لذائقة حفة /الكنعاني المغدور من ذكريات رفيقه الإيرلندي شايمون صار متشبثا بمنذر الجبابلي في إقامته الجبرية و الإلزامية بتاجروين و مطلقا عليه كنية شمعون.

من هناك مع منذر بدأ حفة يكتشف معدن أبناء تاجروين اليساريين أساسا الماركسيين منهم و التروتسكيين خصوصا 

في إحدى جلساته مع منذر الجبابلي و رفاق من تاجروين قالها حفة منتشيا من صوت العظيم منذر الجبابلي شمعون 

"بيروت علمتني كيف أقاتل و عدن علمتني كيف أفكر ماركسيا أما تاجروين فقد علمتني كيف أحب و كيف أكون إنسانا "

منذر الجبابلي رحيله موجع فهو بصوته يحمل تراث يسار تونسي متمرد تعلم الماركسية من قسوة الريف و الطبيعة قبل قسوة الدولة و النظام و قبل قسوة الإخوان و نفاق المتزلفين 

منذر الجبابلي هو وحده مكانة في قلب حفة و أبناء تاجروين و الكاف مجتمعة في ضفة أخرى من القلب.

ولعل من المفارقات أن حفة /الكنعاني لم يحب الجلسات اذا لم يتواجد فيها رفاق له من تاجروين و أرياف الكاف و مدنها 

كأن به يقول جلسة لا منذر فيها و لا أبناء تاجروين فيها لن أجلس فيها 

سأسمي أبناء الكاف و تاجروين الذين أعرفهم و أعتذر ممن قد أنساهم

فتحي العباسي /شكري العبروقي /محمد العبروقي/لمين الشارني/ عبد الحليم المسعودي/جلال الزغلامي/ توفيق بن بريك /نجيب الزغلامي /أشرف / سمير الجبابلي /منذر الجبابلي / سمير الحنبلي / و كل من درسهم و عاشرهم و نادمهم و اقتسم معهم نشوة الكأس و الخمر و الحب .

منذر الجبابلي هو واحد من كثر من أبناء شمال غربي تونسي قاوم الروماني و القرطاجي و الوندالي و البيزنطي و العربي و التركي و الفرنسي و التونسي الرسمي دولة و نظاما 

مقاتلا من أجل كرامة شعب و بلد إنطلاقا من أرض أجداده الى الوطن جامعا شامخا 

وطن تونسي اجتماعي ديمقراطي شعبي سيادي 

منذر يترجل لكن صوته التراثي و الغنائي يظل يتردد في الآذان و في المسامع و في الذائقة الصوتية الثورية التراثية التي تخبرنا بالملاحم و الانتصارات و أن تونس الفنية و الجمالية باقية رغم سعي أعداء الحياة و الفن و الوطن قبرها و دحرها و أن تونس الأخرى ستظل 

لست ميتافيزيقيا لكنني أؤمن أن الحياة تكرم عشاقها رحل منذر الجبابلي لكن ضوء إمتداد له يلوح في الأفق فحفيدة الفنانة صليحة التي أحبها منذر الجبابلي مرشحة اليوم لليسار في سماء باريس 

ما يدل أن الأحبة حين يرحلون عنا يتركون لنا رحيقا من العطر الجميل ليبعث فينا الأمل كأن بهم يقولون "لا تخافوا يا أحبة لن نترككم يتامى " 

منذر الجبابلي صوت تراث البلاد و صوت ريفها و صوت جداتنا و أجدادنا أبناء الوطن "تونس" 

لن أبكي منذر الجبابلي بكاء الضعفاء بل سأبكي منذر فرحا أنه إرتقى للسماء ليؤنس رفاق اليسار و أبناء البلد في جنتهم بصوته و ليريح ضمائرهم فهم ظلوا على أرق بما يعيشه البلد 

و الآن منذر سيريحهم ولو قليلا أن البلاد لن تتخلى عن فنها و تراثها مهما كلفها ذلك من محن 

وداعا منذر شمعون 

وداعا أيها الجبابلي 

وداعا يا ابن البلد 

المورسكي المغدور (باريس 18 /05 / 2022