آخر ساعة

" الفوندو" موسيقى تعبر عن معاناة عمال مناجم الفحم في الجزائر،مستوحاة من البيئة الثقافية والروحية الصحراوية.

عشنا طيلة موسمين رمضانيين في تونس على وقائع مسلسل تلفزيوني لافت حمل عنوان " الفوندو" وكنا نفهم أن الامر يتعلق بعمل متقن بدقة في مجال الذهب. لكن حصل ان صادفنا "الفوندو" باعتباره موسيقى مستوحىاة من البيئة الثقافية والروحية الصحراوية والتي تعبر عن معاناة العمال في مناجم الفحم القديمة بالقنادسة (بشار في الجزائر الشقيقة)، رمز موسيقى منطقة الساورة. 
نشأت هذه الموسيقى الروحية الملهمة التي تصدر طاقة إيجابية تبعث على الاسترخاء والراحة، في بشار على يد مؤلفها الشهير والعازف المبدع والموهوب على آلة العود المدعو "علا"، و اسمه الحقيقي عبد العزيز عبد الله، الذي يعتبر جزء من التراث الثقافي الجزائري المحلي والوطني.
وقد ألهم هذا الفن عدة أجيال من عشاق الموسيقى من كلا الجنسين بمنطقة الجنوب الغربي للبلاد الجزائرية، كما ساهم في التعريف بها، داخلها وخارجها، كلحن موسيقي فريد من نوعه، وطريقة جديدة لعزف العود، هذه الآلة الرئيسية في الفن الموسيقي في المشرق والمغرب العربي، والتي تعتبر أيضا إحدى أبرز الآلات الموسيقية في جنوب الجزائر.
جذور موسيقى "الفوندو"
وتعبر موسيقى "الفوندو" عن إلهام العازف علا، الذي يترجم حالة نفسية ما من ألم أو فرحة يشعر بها في تلك اللحظة، مثلما عبر عنها ذات يوم بقوله "كل ما يؤلمني يخرج".
يذكر أن إسم "الفوندو" غير وارد في أي لغة من لغات العالم وفي الأصل كانت المصطلحات التي يستخدمها عمال مناجم الفحم في القنادسة لتحديد عمق حفرة الفحم في المنجم، لأن نقاط الحفر كانت مرقمة والقاع يمثل إثنان "فون دو" (Fond 2)، أين كان يعمل والد علا، وأطلق هذا الاسم تكريما من العازف لوالده.

كانت هذه التسمية معروفة في منطقة بشار، قبل أن تطلق على فن علا وطنيا ودوليا، كما أنها لم تكن مصادفة بل تعبر عن الأرض، وعن كافة الثروات التي تزخر بها بما فيها الفحم الحجري. ويقول أحد المختصين أن "الفوندو عبارة عن موسيقى جاءت إلينا من أعماق الأرض، تحمل معها طعم الفحم الممزوج بعرق ودم آبائنا وأجدادنا".
جائزة للموسيقى الروحية
و أردف في هذا السياق قائلا: "وتتميز النوتات الموسيقية للفوندو بكونها جافة وحادة، تعبر عن صرخة ألم قوية، تعود بنا إلى حقبة الإستغلال غير الشرعي لأسلافنا إبان الحقبة الإستعمارية المريرة"، معتبرا أن موسيقى "الريقي" تمثل صدا للراستا، وأن الفوندو هو رمز لأجيال كثيرة من سكان منطقة الجنوب الغربي".
''هذه الموسيقى التي اصبحت اليوم عالمية، تعبر بشكل مثالي عن ثراء التراث الموسيقى والثقافي لمنطقة جنوب الجزائر، فضلا عن ارتباط الفنان علا ببيئته الصحراوية ووطنه الأم الجزائر، رغم كونه يعيش منذ عشرات السنين في باريس (فرنسا)".  
بهذا الصدد، أبرز عديد الفنانين بمنطقة الساورة أهمية ترسيم وتنظيم جائزة وطنية "علا" للموسيقى الروحية، وذلك بغية ترقية هذا الفن واكتشفاه مواهب شابة جديدة. 
وفي ذات الشأن يرى الملحن عمار عمرون، الذي يشغل أيضا منصب ممثل محلي لنقابة الفنانين المنضوية تحت لواء الإتحاد العام للعمال الجزائريين "أن إطلاق هذه الجائزة فضلا عن كونها اعترافا وتكريما لرائد الفوندو علا، ستكون بمثابة قيمة مضافة إلى الثقافة والفنانين في الجزائر".