المحامي الهيلة يرفض المرافعة أمام أمن الدولة في قضية قيادة الاتحاد سنة 1978
وقف المحامون دوما الى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل وقادته ونقابييه. فقد دافع أولئك عن هؤلاء، دفاعهم عن القضايا العادلة وانتصارهم للحق. في كل القضايا الكبرى وخاصة تلك التي تعرض فيها النقابيون الى مظالم السلط الحاكمة، كان المحامون في المقدمة، في سنة 1947 دفاعا عن الحبيب عاشور اثر اضراب 5 أوت ،1947 وفي 1965 دفاعا عن الحبيب عاشور في قضية عرفت باسم باخرة قرقنة، في 1978 دفاعا عن كامل قيادة الاتحاد اثر اضراب 26 جانفي وكذلك أيضا في 1985 اثر تعمد السلطة إزاحة القيادة الشرعية.
نستحضر في سلسلة من الحلقات صولات عدد كبير من المحامين دافعوا عن قيادة الاتحاد أثناء محاكمتها خريف 1978 بتهم المسؤولية عن الاحداث التي ترتبت عن اضراب 26 جانفي 1978.
نأتي في هذه الحلفة الى فارس من فرسان المحاماة التونسية الاستاذ عبدالرحمان الهيلة. هو مؤسس جمعية المحامين الشبان، من فطاحل المحاماة التونسية، أدبا وقاونا، ذو صوت جهوري فريد من نوعه وذو شعبية كبيرة لا سيما في الاوساط الرياضية.
قال الأستاذ عبد الرحمان الهيلة في مرافعته دفاعا عن قيادة الاتحاد في 1978:
ليست هذه المرّة الأولى التي تسند إلي فيها الكلمة للمرافعة أمام محكمة أمن الدولة فقد تولّيت الدفاع أمامها في مناسبتين سابقتين هامتين وأظنّ أنّي أديت واجبي في المرتين السابقتين ووقفت على هذا المنبر، منبر العمل على ابراز الحق الذي أتولّى الدفاع عنه واعلاءه وكانت تأديتي للواجب كاملة غير منقوصة لأنّه تمّ تمكيني ممّا يعينني على تأديته.
وأنا كما لقنت قواعد مهنة المحاماة أعرف أنّه من قواعدها الأساسية انّ المحامي لا يمكنه ان ينتصب لأداء الواجب ـ رقابة ضمير من ناحية ورقابة القانون من ناحية أخرى ـ الاّ إذا كان متهيئا من حيث القدرة المادية، ومتمكّنا من حيث الزمن لتهيئة وسائل دفاعه.
ولم أتهرّب أبدًا من أداء الواجب كلّما عيّنت موكلا أو مسخرًا، ولتسمح لي المحكمة أن أذكرها انّ الاطمئنان الذي كنت أشعر به في المرّات السابقة لم يتوفّر لي في هذه القضية لسبب واحد يتمثّل في كوني لم أستطع أن أمسك بين يدي الأوراق التي تشكل الاتهام.
وقد سمعت أثناء الاستنطاق وأثناء تلاوة الشهادات ومرافعة ممثل النيابة العمومية وتأكد لي بأنّ ثلاثة أرباع الملف لا أملكها.
سيدي الرئيس، من القواعد التي ينبغي مراعاتها انّ القضاء عندما يستمع إلى الدفاع يراعي هل قام المحامي بواجبه على الوجه الأكمل وهل أعدّ عدّة الدفاع القانوني وهو أهم شيء ينبغي عليه القيام به.
وحضرنا سيدي الرئيس أمام محكمتكم الموقرة وطالبنا بأن يقع تأخير هذه القضية فاستجابت المحكمة للتأخير لكن لمدّة ثبت ماديا أنّها لا تكفي لنسخ المحاضر فضلا عن دراستها وأقمنا الدليل على ذلك ووقع ما وقع وانسحبنا واذا بالمحكمة ولها الحق قانونا تنتدبنا دون ان تعتبر الجزء الأول من الفقرة الأخيرة من الفصل 141 (م ـ ا ـ ج) الذي ورد فيه قول المشرع: «والاستعانة بمحام وجوبية أمام المحكمة الجنائية فإذا لم يعيّن المتهم محاميا يعيّن الرئيس من تلقاء نفسه أحد المحامين عنه».
وهنا أتساءل هل قام المتهم بذلك وهل أفسح له المجال لكي يقوم به؟
ومن تاريخ تعييني وأنا حاضر معكم في كل الجلسات التي عقدتها المحكمة من الساعة التاسعة صباحا الى الثانية بعد الظهر، حتى اذا رفعت الجلسة ينتقل ملف القضية الى بيت المحكمة دون أن نتمكّن من الاطلاع عليه ولا حتى من نسخ ورقة منه.
وأرى لزاما على أن أقول أنّني أستجبت لقرار المحكمة وأقمت الدليل على أنّ الدفاع في تونس يحترم واجبه، ولكنّني أجد نفسي في وضع يجعل من باب المتعذّر عليّ أن أتولّى معرفة أوراق وأبحاث لم أطلع عليها، ومن ناحية أخرى فإنّ منوبي الثلاثة قد ذكروا عند استنطاقهم أنّهم غير راضين عنّي لكي أرافع عنهم وهنا أصل إلى نقطة قانونية هامة:
هل يمكن أن أدافع رغما عن ارادة من أنتدبت للدفاع عنهم؟
(يقاطعه رئيس المحكمة).
الرئيس: ولكن المحكمة انتدبتك وأنت نفسك محاميهم الأصلي.
الأستاذ الهيلة: لقد كنت المحامي الأصلي بالاختيار ووقفت أمامكم وطالبت تمكيني من مهلة طبيعية فلم تمكنوني من ذلك،
والآن أقف عاجزًا نظرًا لكوني لم أتمكّن من الاطلاع على ملف القضية.
ثمّ جاء دور منوبي الذين انتزعوا ثقتهم منّي وقالوا أنّهم غير راضين عنّي.
الرئيس: أستاذ عبد الرحمان الهيلة، يسأل ألمتهم عن الرضا عندما يقرّر هو بنفسه اما اذا كان الأمر قانونيا فإنّه لا يبقى له رأي في الموضوع.
الأستاذ الهيلة: نصل هنا الى نقطة قانونية هامة وهي التي تخصّ التعيين فحسب الفصل 141 إذا امتنع المنوب فإنّنا لا يمكن ان نجبره على الرضى رغْمًا عن أنفه.
لهذا أؤكد أنّ رأسمال الدفاع هو الثقة التي تربطه بمنوبه حتى لو عدنا الى قواعد الوكالة المدنية فإنّ الفصل 1118 من مجلة الالتزامات والعقود يقول انّ التوكيل عن الخصام يعتبر خاصا فليس لوكيل الخصام الاّ ما خصّص له،
الرئيس (مقاطعا): من طرف من؟
الأستاذ الهيلة: من مهنتي وانتصابي للدفاع عن النفر الذي خصصت للمرافعة عنه واذا ما رفض هو فلا يمكنني أن أكون ملكيا أكثر من الملك.
الرئيس: المحكمة تعيد القول بأنّها هي التي أسندت لك الوكالة لهذا لم يبق مجال للرضى من عدمه.
الأستاذ الهيلة: اذن كيف أدافع؟ هل أدافع بالرغم عن ارادة البشر؟
تدخل العميد
يتدخل العميد فتحي زهير في هذه المناقشة التي تدور بين الرئيس والأستاذ الهيلة.
العميد: سيدي الرئيس أريد أن أرفع إلتباسًا يخصّ على ما أظنّ العمل العدلي والالتزام الموجود بين المتهم والمحامي فالتسخير عمل اداري عدلي لكن تبقى العلاقة التي تربط المحامي بموكله قائمة وهو ارتباط قانوني.
والدفاع في هذه القضية يجد نفسه أمام مفترق صعب يواجه قرارا صادرا عن المحكمة واستنكارًآ من طرف المتهم وهو في هذا المفترق يدرك جيّدا انّ الالتزام الذي يربطه بمنوبه لا يمكن لقرار عدلي أن ينسخه.
أردت بوصفي عميدًا انّ أوضّح هذه النقطة وقد اجتمعت طويلا مع الزملاء أول أمس للتشاور والتفاهم في هذه النقطة لأنّنا وجدنا أنفسنا أمام مواجهة صعبة فالمحكمة تسخر والنيابة تهاجم والبعض من الصحافة يتهم والجماهير تتساءل عن دور المحامي في القضية والمتهم ينظر الى لسان الدفاع ثمّ يعرض عنه ويرفض.
وأريد أن أبيّن هنا أنّه ليس من باب سوء النية أو الهروب من المسؤولية ولا من قبيل عرقلة أعمال المحكمة عندما نواجه المحكمة بهذا الموقف وأنّه لم يصدر منا ولن يصدر ما يتعارض مع القانون ويمسّ من محكمتكم.
الرئيس: (متوجّها الى الأستاذ الهيلة).
ماهي طلباتك يا أستاذ؟
الأستاذ الهيلة: لقد بيّنت انّ دفاعي عمّن سخرت للدفاع عنهم أصبح مستحيلاً وأعتقد أنّني سعيت بكل ما أملك لتأدية واجبي وأجدني متمسّكا في النهاية بما انتهى إليه منوبي من أنّهم أبرياء وأنّهم يلتمسون من المحكمة أن تصدع ببراءتهم.
المحامي عبد الرحمان الهيلة يرفض المرافعة أمام أمن الدولة بحكم التسخير ورفض المنوبين في قضية قيادة الاتحاد سنة 1978