وثائقي

المحاكمة 44: البشير خنتوش يدعو القضاة الى ان يضعوا في ميزان العدالة قطرات من دماء حشاد العظيم

هو من المحامين البارعين ومن بين الذين برزوا في هذه المحاكمة: الاستاذ البشير خنتوش، استغل حضور الرفيقين أوتو كرستن الامين العام للكنفدرالية العالمية للنقابات الحرة وارفينق براون ممثل النقابات الامريكية في أوروبا كملاحظين ليحولهما الى شاهدين. وحرص من جهة أخرى الى تعريب شهادتيهما عبر مترجم رسمي قدمها كوثيقة رسمية الى المحكمة.

الأستاذ البشير خنتوش

لقد عشت طيلة الأيّام الفارطة مع بقيّة زملائي أزمة نفسية تجبرنا على الاختيار بين الاستجابة لنداء ضمائرنا لأداء واجبنا المقدس وبين الاستجابة للواجب الذي يفرضه علينا القانون.
أقف اليوم نيابة عن منوبي الحبيب عاشور والطيب البكوش وعبد الرزاق أيوب وصالح برور بموجب قرار تسخير يفرض علينا الحضور بالجلسة والقيام بالدفاع في قضية كلّنا يشعر بخطورتها وأهميتها وانعكاسات نتائجها على المجتمع التونسي.
أتكلّم اليوم وأنا أشعر بخشوع وحيرة وقلق وأمل في آن واحد. أشعر بالخشوع حينما تترائ لي أرواح هؤلاء الشهداء الذين قتلوا يوم 26 جانفي.
وبالحيرة لأنّه كان بودي أن أساهم مساهمة كلية في تسليط الأضواء الكاشفة على حقائق الأمور، انصافا للمتهمين الواقفين اليوم أمامكم والمهدّدين بأقصى العقوبات.
كما كان بودّي أن أساهم بصفة كاملة في اعلاء كلمة الحق بالوصول إلى الجواب المقنع الثابت عن عدّة أسئلة تترائ لنا جميعا بعد كل ما سمعناه في هذه الجلسات:
من المسؤول يا ترى عن حوادث 26 جانفي؟
أهم هؤلاء المتهمون أم غيرهم.؟
من قام بتلك الاضرابات؟
هؤلاء المتهمون أم أناس آخرون؟ نقابيون أم عملة أم متسكعون؟ أم التلامذة المطرودون من المعاهد والذين يبلغ عددهم 197 ألف؟
ومن الذي اطلق الرصاص؟
ومن الذي بدأ باطلاقه؟ وماهي الأسلحة التي استعملت؟ وهل تمّ حجزها؟ وأين حجزت؟ وماهي مدى صلوحيتها؟
وعلى فرض أنّه تمّ حجزها فهل هي موجودة مع المحجوز الموجود على ذمّة المحكمة؟
هل كان في الامكان تفادي الاضراب العام، ومن المسؤول عن تدهور الحالة في 26 جانفي، وماذا قال رئيس الدولة في خطابه الذي ألقاه في سنة 1973 والذي تعرّض إليه ممثل النيابة العمومية اليوم هل وقع فعلا الهجوم يوم 26 جانفي على الاذاعة؟
وماذا قال السيد الباهي الأدغم عندما كان في الحكم في خصوص قضية الباخرة سنة 1966؟ وهل هناك حقيقة شيوعيون وماويون وبعثيون على رأس الاتحاد؟
كم كان بودنا أن نستمع الى التسجيلات الهاتفية التي ذكرها البحث وكم كان بودنا أن نطلع على الوثيقة الأخيرة التي قدمها المدعى العمومي والتي تعتمد وثيقة أخرى لست أدري ان هي موجودة بالملف. انني أشعر بالقلق للظروف التي تجري فيها هذه المحاكمة.
فأنا أعرف السيد الحبيب عاشور منذ ما يزيد عن 10 سنوات وأعرف الطيب البكوش الذي تربطني به علاقة صداقة يعود تاريخها إلى عشرين عاما وكم كان بودي أن أشرح للمحكمة وأبيّن أفكار ونفسية هؤلاء في مرافعتي.
انّي أصطدم اليوم بالفصل 141 من مجلة الاجراءات الجزائية وحتى لا نتهم بما اتهمنا به من أنّنا نسعى لتلقين منوبينا وحتى لا يُقال لنا ما قيل في جريدة العمل وحتى لا نوصف بالمخرجين والملقنين فإنّي أقول أنّه لا فائدة لأن نكون ملقنين لهؤلاء الماثلين أمامكم والذين يمتازون بثقافات عالية ومستويات بارزة فمنهم الأستاذ ومنهم المهندس ومنهم من انتصب للحكم في محكمة أمن الدولة هذه طيلة سنوات عديدة.
لقد طالبنا بتأخير القضية وديدننا في ذلك اعلاء كلمة الحق وقد ضرب المحامي التونسي في العالم الثالث أروع الأمثلة للدفاع في قضايا قومية وقضايا التحرّر والتحرير ولست بحاجة للتذكير بأنّ جل رجال الحكم في تونس ينتمون إلى أسرة المحاماة.
فرئيس الدولة كان محاميا والوزير الأول ووزير الخارجية ووزير العدل ووزير الفلاحة ووزير التعليم االعالي ووزير الصحة كلّهم محامون وليس من باب التبجج ان أذكر هذا ولا لسواد عيون المحامين عندما نقول أنّهم لعبوا دورًا هاما في هذه البلاد.
وإذ أذكر ذلك فإنّه ليقيني بأنّ الذكرى تنفع المؤمنين وحتى غير المؤمنين في بعض الأحيان.
وليس من باب التذكير أيضا عندما أقول بأنّه من بيننا اليوم في هذه القاعة من قام بأعمال جليلة في صلب الحركة القومية.
انّنا لا نجري وراء الشهرة كما قيل لنا ولا نجري وراء الشهرة السياسية لأنّّها لا تكتسب في رحاب المحكمة، وحتى رجال الحكومة لم يكتسبوها في رحاب المحكمة.
انّ حريّة الدفاع هي التي تحمي الحريات الأخرى وهي حق طبيعي للانسان وحتى لسائر الكائنات الحية الأخرى وان ما نطلبه منكم اليوم في هذه القضية هو أن تسود المساواة بين الادانة والبراءة.
ولقد طلب المنوبون سماع بعض الشهود في نطاق توضيح الحقائق ولم يستجب حاكم التحقيق ولا المحكمة لذلك.
انّني أجد نفسي اليوم قلقا كلسان دفاع يؤمن بحريته، مسخرا من المحكمة طبق القانون، وازاء منوبين يرفضون الدفاع وأمام صوت الواجب والضمير.
عندما لبسنا هذا الزي أقسمنا اليمين بأن نقوم بمهمتنا بأمانة وشرف وأن نحترم القانون والسلط العمومية.
ولكي نكون مرتاحين أمام ضمائرنا وأمام الشعب والتاريخ وأمام الله عزّ وجلّ أقول لكم سيدي الرئيس حضرات المستشارين: انظروا في القضية وحرية الدفاع فيها، ضعوا في ميزان العدالة بعض القطرات من دماء حشاد العظيم لكي تناموا ملء جفونكم.