آخر ساعة

ناجي العلي راسم "حنظلة" اغتيل مثل اليوم منذ 32 سنة في جريمة لايزال لغزها بلاحل

تونس - رشا التونسي. يغتالون دائما الرموز، كما إغتالوا البراهمي و شكري بالعيد إغتالوا في مثل هذا اليوم ناجي العلي، جريمة عمرها 32 عاما لا يزال لغزها بلا حل، ناجي الذي اكتشفه غسان كنفاني بعد ان شاهد رسوماته على جدران مخيم عين الحلوة، فنشر له أولى لوحاته في مجلة "الحرية" وكأن الحرية قدر ، وكانت تلك اللوحة المشهورة خيمة تلوح يد تعلو قمتها.
رافقت جميع رسومات ناجي شخصية "حنظلة " طفل العاشرة الذي يدير ظهره للعالم الذي يرفض، ورغم كل الصعاب يبقى شاهدا صادقاً على الأحداث غير مكترث.يقول ناجي" حنظلة هو الإيقونة التي تمثل الإنهزام والضعف في الأنظمة العربية، ولد في العاشرة وسيظل في العاشرة حتى يعود إلى فلسطين ليبدأ يكبر هناك، قوانين الطبيعة لا تنطبق عليه فهو إستثناء، كما أن فقدان الوطن إستثناء" أما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي:” كتفته بعد حرب أكتوبر(تشرين الأول) 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع.

متى يرى العالم وجه "حنظلة"؟
وعندما سُئل ناجي عن موعد رؤية وجه “حنظلة” أجاب: “عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته"
قدم ناجي شخصيات أخرى رافقت “حنظلة” من بينها شخصية المرأة الفلسطينية والتي تمثلها “فاطمة” وهي شخصية قوية وغاضبة لا تهادن، مواقفها واضحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بعكس شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، المتردد والمستكين، وهو في النهاية رجل طيب ومسالم.
مقابل هاتين الشخصيتين تقف شخصيات أخرى، فهناك شخصية السمين صاحب المؤخرة العارية والذي لا أقدام له مقلدا به بعض القيادات الفلسطينية والعربية والخونة والمطبعين، وأيضا شخصية الجندي الإسرائيلي، طويل الأنف، الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال، وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية.
نقده الشديد والمباشر وعدم مهادنته لأي شخصية أو نظام كانت السبب وراء إطلاق النار عليه في لندن تموز/ يوليو 1987. وكان تلقى عددا من التهديدات بالقتل بسبب رسومه الكاريكاتيرية، التي سخر فيها من السياسات والسياسيين في الشرق الأوسط.

فرضيات الجهة التي نفذت الاغتيال
بعد غيبوبة لأكثر من شهر، توفي ناجي العلي في 29 اوت1987، بعد أن تلقى رصاصة في رقبته من الخلف في وضح النهار بينما كان يترجل من سيارته إلى مكتب صحيفة “القبس”..
ويكتنف الغموض اغتيال ناجي العلي فبعد اغتياله راجت عدة فرضيات حول الجهة التي نفذت عملية الاغتيال من بينها “الموساد” الإسرائيلي، وأطراف فلسطينية، أو نظام عربي أزعجته انتقادات ناجي اللاذعة
وكانت لدى الشرطة البريطانية قناعة أن “الموساد” متورط بالجريمة، والذي رفض بدوره، وبشكل رسمي التعاون مع التحقيقات البريطانية، مما أثار غضب رئيسة وزراء بريطانيا حينذاك مارغريت ثاتشر التي قامت بإغلاق مكتب “الموساد” في لندن.
وبحسب شهادات لعدد من الكتاب والصحفيين الفلسطينيين والعرب فقد واجهت جريمة اغتيال ناجى حملة تضليل واسعة منذ اليوم الأول، وحاولت وسائل الإعلام البريطانية إلصاق التهمة بإيران التى كانت تخوض مع العراق حرب الثمان سنوات، وما لبثت وسائل الإعلام نفسها أن ألصقت التهمة بالعراق نفسه، رغم أن ناجي لم ينحاز إلى أي طرف فى تلك الحرب، كما تم التلميح إلى شاعرين وروائي فلسطيني، مما زاد فى التمويه وإرباك الرأى العام وحرف الأنظار عن القاتل الحقيقى ومدبر عملية الاغتيال.
وتميل الفرضيات إلى أن “الموساد ” هو من دبر الاغتيال وذلك لانتماء ناجي إلى “حركة القوميين العرب” التي قامت “إسرائيل” باغتيال بعض قيادتها من بينهم غسان كنفاني،.

الكلمة والرسم والريشة أقوى من الرصاص
كان اغتيال ناجي العلي بكاتم الصوت الذي طالما أدانه برسوماته رسالة بأن للكلمة و الخط المرسوم والريشة وقع وتأثير أقوى من طلقات الرصاص.
جريمة قتل بلا عقاب، لفنان استثنائي وأيقونة فلسطينية وعربية قادته الصدفة لأن يصبح رسام كاريكاتير، كان لديه توجه في بداية شبابه نحو المسرح، كان يريد أن يصرخ بالكلمة التي تنقل مشاعره وأحاسيسه، لكن الظروف دفعته للعمل في المجال الصحفي واكتشف أن الكاريكاتير هو الأداة المناسبة للتوصيل، وربما الموت أيضا بكاتم الصوت..
سنبقى نتذكر عبارته الغاضبة “كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء طار صوابي، أنا أعرف خطا أحمرا واحدا: إنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع على اتفاقية استسلام وتنازل عن فلسطين”.
يرقد الرجل الذي نجح في صياغة الوعي والذاكرة الفلسطينية والأب الروحي لرسامي الكاريكاتير في العالم العربي، بسلام في مقبرة “بروك وود” الإسلامية في لندن، وقبره يحمل الرقم 230190؛ وهو القبر الوحيد الذي يرتفع فوقه العلم الفلسطيني.-
رشا التونسي
 ( من صفحتها وبترخيص منها. العناوين الفرعية من وضع التحرير)