آراء حرة

المرفق الإذاعي العمومي يصمد في عقول أبنائه وبناته وينهض ويزدهربهم.

صدرت مؤخرا إحصاءات مؤسسة سيغما Sigma  الخاصّة بالاستماع للإذاعات التونسية لشهر أوت 2022. إذاعة موزاييك أف أم تصدّرت كالعادة نسب الاستماع بـ 12,9% متبوعة في حدود 4 % بكل من جوهرة أف أم، فإذاعة الزيتونة للقرآن الكريم، فالإذاعة الوطنية، وتذيّلت هذا الترتيب الذي يشمل الإذاعات الـ 20 الأكثر استماعا، وهو ما يسمّى Top 20، كلّ من إذاعة Ulysse التي تبث من جربة والإذاعة الثقافية وإذاعة قفصة بنسبة 0.5 % لكل منها، وأخيرا إذاعة القرآن الكريم بـ0,4 %. ويعادل الواحد في المائة 1 % مائة ألف مستمع يوميا ( 100000) وفق ما تقول مؤسسة سيغما.
وبالتحاق إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم منذ نوفمبر 2021 بإذاعات المرفق العمومي، أصبحت حصة الإذاعة التونسية بمجمل قنواتها المركزية والجهوية الإحدى عشرة، وهي الإذاعة الوطنية وإذاعة تونس الدولية وإذاعة الشباب وإذاعة تونس الثقافية وإذاعة بانوراما وإذاعة الزيتونة وإذاعات صفاقس والمنستير والكاف وقفصة وتطاوين، الحصّة الأولى بما مجموعه  15.8 % من مجموع الاستماع علما أن، الإذاعة الدولية RTCI غير موجودة تماما في ترتيب العشرين إذاعة الأولى، وهذا أمر يبعث على نوع من الاستغراب.
ومن دون  إذاعة الزيتونة، وهو الحال الذي كان سائدا قبل عشرة أشهر، كان نصيب المرفق العمومي الإذاعي بأجمعه دون حصة موزاييك أف أم، قلّما يتجاوزها، وكانت إذاعة صفاقس من بين الإذاعات القليلة التي كانت تحظى بتصدر نسب الاستماع في دائرتها الجغرافية.
وبطبيعة الحال، هذا أمر لا يبعث على كثير من الارتياح، وكم كان بودنا لو وفّقت الهيئة التعديلية للسمعي البصري " الهايكا" التي   بات هي الأخرى مصيرها غامضا، بعد أن احتجب ذكرها في الدستور الجديد، في تجسيد مشروعها ببعث  هيكل " محايد " متخصص  في قيس  الاستماع لوسائل الإعلام التونسية السمعية والبصرية، فلربما تبيّنا بما هو أكثر دقة مكانة الإذاعة التونسية وغيرها من المشهد الإعلامي المسموع في بلادنا.
وأيّا كانت الظروف، فليس من المجازفة القول بأن ثمّة مشكلة حقيقية في المرفق الإذاعي العمومي السمعي، وهذا أمر غير خاص بتونس،  تتمثل في كونه يراوح مكانه وربما كان يتآكل من بعض أطرافه وما هو ظاهر أنه لا توجد مؤشرات تدل على أنه  في طريقه  ليحتل مكانته الطبيعية كرائد للإعلام الإذاعي في تونس، بحكم انتشاره الجغرافي وأسبقيته التاريخية وبحكم ما فيه من طاقات وكفاءات.  
ربما كانت مشكلة المرفق الإذاعي العمومي مشكلة تمويل أو مشكلة حوكمة أو مشكلة وضع قانوني أو مشكلة تصورات تحريرية، وربما كان كل ذلك في نفس الوقت. ولعل ما يزيد الوضع تعقيدا وغرابة  أن السلطة العمومية لا تبدو في وضع المنزعج من هذا الوضع أو السّاعي إلى إصلاحه أو هكذا تبدو الامور. وإذا كان الأمر كذلك فعلا، فهذا يعتبر خطأ جسيما وخطرا حقيقيا يحف بحق المواطن في إعلام حر نزيه تعددي، هدفه خدمة الصالح العام ، بمسؤولية وحرفية.
وأيّا تكنْ الأوضاع وأيّا تكنْ نسب الاستماع، فعلى أبناء الإذاعة التونسية في المركز والجهات أن لا يركنوا للخيبة والشك،  مثلما لاحظت ذلك في عدد من  التعليقات على السيغما الأخير، فهناك دائما ما يمكن القيام به بطريقة أو بأخرى، هنا أو هناك، الآن أو في وقت لاحق، في انتظار أن تكون الرؤى أكثر اتضاحا خاصة في وضع استراتيجية تحريرية قائمة على مقتضيات الصناعة الإعلامية الحديثة. 
إن الإيمان بالمصدح العمومي الذي حظيت بالانتساب إليه ذات يوم  يظل قناعة فردية في المقام الأول، بما يعنيه ذلك من قيام بالواجب والسّعي الدّائم إلى قدر من الاجتهاد، لأن القطاع العام أوّل ما ينهار فإنه ينهار في عقول أبنائه وبناته، وفي عقولهم كذلك يصمد وينهض ويزدهر.
زهير بن حمد، صحفي، كاتب وباحث
26 أوت 2022 (من صفحته الخاصة)