"الجنرال" والحملة الاحمائيّة الزرقونيّة في انتظار استواء وسادة التكليف الغنّوشيّة
تقريبا ولمدّة تزيد عن الشهر، وبمعدّل ظهور اعلامي يومي وأحيانا لمرّتين أو ثلاث يوميّا عبر أغلب المحامل الاعلاميّة المكتوبة والمسموعة والمرئية وباسناد دعائي على مدار الساعة على شبكات التواصل الاجتماعيّة النهضاويّة، يطلّ علينا "الجنرال" عبد اللطيف المكّي ليقدّم للتونسيات والتونسيين دروسا علميّة/طبيّة ولوجستيّة/تقنيّة وسياسيّة/ استراتيجيّة في محاربة جائحة "كورونا" واصلاح المنظومة الصحيّة.
باختصار متّع الرجل "بحملة دعاية" وكأنّه لا يزال على رأس وزارة الصحّة في حكومة الفخفاخ يحسب الأصفار في عدد الاصابات والحال أنّ البلاد تشيّع يوميا العشرات من أبنائها شيبا وشبابا ومراهقين ورضّعا، حملة دعائيّة مركّزة وقصف اعلامي مكثّف لم يحظ به الدكتور الفرنسي "ديدييه راوول" صاحب الاكتشاف الثوري لدواء "هيدروكسي كلوروكين". مع العلم أنّ الدكتور/ الجنرال لم يمارس يوما مهنة الطبّ ولا عرف له تخصّصا واضحا خاصة في "علم الوبائيات"، ولا رصيد له يذكر في المجال الصحّي سوى كونه مرّ بوزارة الصحّة في مناسبتين بين سنتي 2011 و2014 خلال حكم الترويكا يضاف اليها 4 أشهر مع حكومة الفخفاخ، ولم يترك مروره في التجربتين ولو مكسبا وحيدا يحسب له أو إصلاحا يتيما نذكره به بخلاف مشروع كليّة الصحّة بمدنين الذي مازال يصرّ على برمجته. بعد شهر من حملة العلاقات العامة" المركزة والممنهجة يمنحه كاهن الأسبار الزرقوني فجأة جائزة التربّع على عرش "ثقة التونسيّين" ويحلّه المرتبة الأولى بـنسبة رضا بلغت 39% متقدما بذلك على جميع السياسيّين دون استثناء بمن فيهم رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد. لا بدّ من التوضيح مرّة أخرى لرفع اللبس المتعمّد والمغالطات التي تروّج لها الصفحات النهضاويّة، ومن التنبيه إلى أنّ تصدّر "نسب الثقة أو الرضا" لا يعني تصدّر نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسيّة، والتي يفيد آخر سبر آراء لشركة "إمرود كونسلتينغ" لشهر ماي 2021 احتلال المكّي في مضمارها المرتبة السابعة في نوايا التصويت للرئاسيّة بنسبة 2%، في حين منحت نفس نوايا التصويت سعيّد المرتبة الأولى بنسبة 45% في حين بلغت نسبة الرضا عن أدائه 41% على خلاف ما جاء في نبوءة كاهن "سيغما" الزرقوني الذي منحه فقط 30%، بفارق 10 نقاط كاملة في اختلاف غير مسبوق بين الشركتين. رغم تضارب الأرقام والنسب وتفاوتها الفاقع بين معبدي "امرود" و"سيغما" في نسب الثقة والرضا، وتعمدّ البعض المغالطة بالخلط بين "نسب الرضا" و"نسب نوايا التصويت للرئاسيّة" للايهام بتقدّم المكّي على سعيّد تهيئة لاستواء طبخة معبد مونبليزير، يبقى لأرقام شركات سبر الآراء أحكامها ومصالحها وحساباتها وكذلك هوامش اخطائها.
الأمر المحيّر فعلا والذي يطرح أكثر من تساؤل؛ لماذا اختفت أو غيّبت الوزيرة السابقة للصحّة سنية بالشيخ من "نسب الثقة" مع أنّها وللمفارقة حضيت بنفس "الدعاية المركزة" والحضور الاعلامي المكثّف على كل المحامل مكتوبة ومسموعة ومرئيّة بنفس المساحة والكثافة التي حضى بها زميلها عبد اللطيف المكّي!!! الأمر لا يخرج عن احتمالين إما أنّ "الثقة" عند التونسيّين تحولت إلى قيمة ذكوريّة بامتياز؟ وإمّا أنّ المكّي منتدب على عجل لمهام سياسيّة طارئة قد تسفر عنها كواليس المطابخ السياسيّة في انتظار استواء الطبخة الغنّوشيّة واستكمال نتف ريش الوسادة الحكوميّة في الايّام والأسابيع القادمة! المكّي كان جزء من فريق حكومي متكامل ومتضامن، أثبتت كلّ الأحداث والمعطيات اللاحقة أنّه مثّل استناء عن كلّ حكومات ما بعد الثورة رغم أنّ مطابخ حزب المكّي وحلفائه لم تمنحها الفرصة لمواصلة نجاحاتها. كان من المنطقي جدا أن يحسب النصر والنجاح في مقاومة "الموجة الاولى" لجائحة كورونا والتعاطي المسؤول مع الازمة لكامل الفريق الحكومي أو أن يكثّف في شخص رئيسه الياس الفخفاخ كما جرت العادة. فنجده مثلا متقدما في "نسب الرضا" ما دمنا في سياق المثل القائل "في الليلة الظلماء يفتقد البدر" ولا أنيس للثكالى واليتامى من قتلى كورونا في عتمة جرائم تقصير حكومة المشيشي سوى نجاعة حكومة الفخفاخ، لا أن ينسب الفضل لأحد أعضائها دون الجميع..
بل لعلّ الأمر الأكثر طرافة أن يمنح شرف الثقة والنجاح للوزير ويسحب من رئيسه في حالة حكومة الفخفاخ، في حين يأبى المنطق الفيراجي النهضاوي الزرقوني المقلوب إلا أن يحمّل اليوم الفشل الكارثي في ادارة الازمة لوزير الصحّة الحالي (المقال في التحوير الأخير والقاعد مزيّة منّو) فوزي مهدي فقط لأنّه "محسوب على الرئيس سعيّد" ويبرأ قائد الفريق الحكومي المشيشي لأنّه الدجاجة التي تبيض للنهضة وأتباعها ومستقّاتها "ريش" المناصب والتعيينات وبيض الحكم (بفصّين) دون أن يتحملوا عفن "روث/زقّ" الحكومة وقرارتها الكريهة القاتلة..
تبقى كلمة لا بدّ أن تقال في تقلّبات "الكاهن" الزرقوني الحاكم بأسباره، عرّاف النوايا وساحر الصناديق، ثابت على عهده على دين أحد أبطال المقامات "أبا قلمون" على كلّ شكل ولون يكون، يعمل لحظّه كلّ آلة، لا يقعدنّ عن الكسب ومراكمة الأرباح لا محالة.
بقلم: خليفة شوشان