نقص المدرسين والأساتذة معضلة كبرى تواجه فرنسا مع بدء العام الدراسي الجديد
أكد وزير التربية الفرنسي الجديد باب ندياي نهاية الأسبوع الماضي أن "الرهان الأول هو ضمان دخول مدرسي ناجح في فرنسا على الرغم من المشاكل التي يعاني منها قطاع التربية، وفي مقدمتها مشكلة نقص الأساتذة". وهذا حال عدة دول أوروبية أيضا، على غرار بريطانيا والسويد بعد عامين من أزمة صحية جراء فيروس كورونا أثرت على جميع القطاعات. من جهتها دعت نقابات عمال قطاع التربية إلى رفع أجور المعلمين وتحسين ظروف عملهم.
بعد التحاق مدرسي المرحلتين الابتدائية والثانوية بأماكن عملهم الأربعاء، ان دور ما يقارب 12 مليون تلميذ و طالب ثانوي بالعودة إلى مقاعد الدراسة بفرنسا يومي الخميس والجمعة . ويأتي ذلك بعد سنتين صعبتين بسبب جائحة كوفيد-19 وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية لغالبية الفرنسيين.
كما يميز بدء العام الدراسي 2022 -2023 نقص كبير في الأساتذة والمسيرين الإداريين. ما جعل وزير التربية الفرنسي الجديد باب تدياي يصرح في ندوة صحافية عقدها نهاية الأسبوع الماضي في باريس أن "الرهان الأساسي يكمن في ضمان دخول مدرسي ناجح على الرغم من السياق الذي يتميز بالتوتر وبالنقص الكبير للأساتذة".
ويشكو قطاع التربية من نقص كبير في عدد المدرسين، قدر بنحو 4000 مدرس. الأمر الذي أثار مخاوف نقابات التربية التي تخشى أن تبقى العديد من الأقسام من دون أساتذة. النقابات عللت هذا التراجع في عدد المدرسين بالرواتب الضعيفة التي يتقاضونها.
وقالت صوفي فنيتيته، الأمينة العامة للنقابة الوطنية للمدرسين في الدرجة الثانية: "في الثمانينيات، كان راتب المدرس المبتدئ أكثر من ضعف الحد الأدنى للأجور (حوالي 2,2). أما اليوم فقد انخفض إلى 1,1 فقط من الحد الأدنى للأجور على الرغم من أن المستوى التعليمي للمدرسين ارتفع وأصبحوا يملكون شهادات جامعية عالية". وأضافت: "المدرسون الفرنسيون لم يفقدوا فقط قدرتهم الشرائية المعتادة، بل يتقاضون أجورا منخفضة مقارنة بجيراننا الأوروبيين".
وأشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير لها أن "أجور المدرسين الفرنسيين المبتدئين أقل بحوالي 7 بالمائة مقارنة بأجور المدرسين الأوروبيين الآخرين". فعلى سبيل المثال، يتقاضى مدرسون فرنسيون جدد حوالي 29400 يورو سنويا في حين يصل الراتب السنوي لزملائهم الألمان إلى حوالي 62300 يورو، أي ضعف الراتب الفرنسي.
ولوضع حد لأزمة نقص المدرسين التي تواجه قطاع التربية، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية أوت الماضي رفع رواتبهم بحيث لا يتقاضى أي مدرس أقل من 2000 يورو صافي شهريا. وهو قرار "إيجابي" في عيون صوفي فنيتيته، الأمينة العامة للنقابة الوطنية للمدرسين في الدرجة الثانية، "لكنه غير كافي" في رأيها.
وتطالب هذه النقابية الحكومة بـ"رفع أجور جميع الأساتذة كونه ليس من العادل أن يتقاضى مدرس مبتدئئ نفس الراتب الذي يتقاضاه مدرس يملك خبرة تفوت عشرة أو خمس عشرة سنة".
وإلى ذلك، أظهرت دراسة أجريت في 2018 أن 30 بالمئة فقط من المدرسين الذين يعملون في دول منطقة اليورو يشعرون أنهم يحظون باحترام. هذه النسبة انحدرت إلى 5 بالمائة في فرنسا. ولم تكن جائحة كورونا غائبة عن أسباب تراجع جاذبية قطاع التربية بالرغم من أن هذا القطاع قام بكل ما كان ممكنا لضمان الدراسة عن بعد وتطبيق برتوكولات صحية صارمة ضد الجائحة، حسب النقابية صوفي فنيتيته.
ويبقى السؤال المطروح هو كيف يمكن جذب المتخرجين الجامعيين إلى قطاع التربية؟ في فرنسا مثلا، الوزارة تراهن على سياسة رفع الرواتب للمدرسين الذين يعملون في الأحياء الصعبة والمعروفة بفقرها ومشاكلها الاجتماعية. في بريطانيا، الحكومة قامت بتكييف الأجور وفق الأماكن التي يعمل فيها المدرسون وحسب المواد العلمية التي يدرسونها. فعلى سبيل المثال، مدرسو مادتي الرياضيات والفيزياء يتقاضون رواتب أكبر لأن هناك نقصا كبيرا لهذه الفئة من الأساتذة مقارنة بمدرسين آخرين. لكن هذه الخطة لا تلقى دعما من قبل النقابات الفرنسية .
وفي انتظار إحداث تغييرات هيكلية، قررت الحكومة الفرنسية الاستجابة بعجالة للمشاكل التي يعاني منها قطاع التربية، وذلك عبر تشغيل مدرسين غير متعاقدين قد يصل عددهم إلى 3000 مدرس بهدف إنجاح الدخول المدرسي لهذا العام.