بايدن يخاطر بتعميق الأزمة مع السعودية
الشعب نيوز / كعب .لم يمضِ وقت طويل حتى أدرك الرئيس الأميركي جو بايدن أن نسخته كمرشح لا تصلح للتعامل مع تعقيدات العلاقات الدولية والمصالح الخارجية التي تتناقض في كثير من الأحيان مع المبادئ الأخلاقية التي يتبناها. مع ذلك، لم يستفد بما يكفي من بدايته المتعثرة في إدارة علاقة معقدة تسودها الكثير من الشكوك مع السعودية. لقد توعد مؤخرا بمعاقبة المملكة بسبب دفعها منظمة أوبك بلس إلى خفض الإنتاج النفطي.
يبدو غضب الديمقراطيين مفهوما لأن عودة أسعار النفط إلى الارتفاع قد تهدد فرصهم بالفوز في انتخابات التجديد النصفي المقبلة.
كما أن خطوة "أوبك بلس" تمنح روسيا دفعة إضافية في صراعها مع الغرب. يشعر بايدن على وجه الخصوص أنه تعرض لطعنة في الظهر بعد أقل من 3 أشهر على زيارة السعودية ومصافحة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان. كل ذلك يبرر الغضب في واشنطن. لكن رد الفعل الآن يخاطر بتعميق الأزمة مع السعودية على نحو أكبر. يضغط المشرعون على بايدن للنظر في مجموعة من الإجراءات بما في ذلك وقف مبيعات الأسلحة للرياض وإصدار تشريع يسمح بمقاضاة أوبك بلس بموجب قوانين مكافحة الاحتكار. من المؤكد أن مثل هذه الإجراءات لن تساعد واشنطن بأي حال من الأحوال على إعادة الرياض كحليف مطيع.
قبل الخوض في نقاش مع المشرعين والمستشارين حول سبل معاقبة السعودية، سيكون من الأجدى على بايدن أن ينظر في:
- النتائج العكسية التي جناها بسبب نهجه قصير النظر في مقاربة العلاقة مع حليف مهم في الشرق الأوسط.
- أن يُقيّم الارتدادات السلبية المحتملة على أمن قطاع النفط السعودي ومستقبل الشراكة مع منطقة الخليج ككل.
- أن يدرس بعناية التأثيرات الجانبية المحتملة على المصالح الأميركية في الخليج والمنطقة عموما.
قبل كل شيء، ينبغي الاعتراف بأن الانجراف السعودي بعيدا عن الولايات المتحدة يسبب الكثير من المشاكل لواشنطن. لكن دعونا نُفكر في نهج ازدراء السعودية في البداية. لقد جعل السياسة النفطية السعودية على الأقل أكثر تعارضاً مع المصالح الأميركية وشجّع الرياض على تعميق العلاقات مع شركاء آخرين كروسيا والصين. رغم أن السعوديين برروا خفض الإنتاج بدوافع اقتصادية بحتة، وهم مُحقّون في ذلك جزئيا، إلا أنهم باتوا يولون أهمية لشراكتهم النفطية مع روسيا على حساب مصالحهم مع أميركا. ربما يميل السعوديون ضمنا إلى التعاطف مع بوتين، إلا أن لديهم الكثير من الأسباب الموضوعية التي تدفعهم إلى حماية صناعة النفط من الانهيار مهما كان الثمن.
ما هي الحوافز الأميركية التي تجعل السعودية تتنازل عن مصالحها النفطية لأجل شراكة لا تمنحها كل ما تحتاجه منها؟ لم تعد معادلة الأمن والنفط تعمل لأن الالتزام الأميركي بأمن الخليج يتراجع كما لم تعد الولايات المتحدة المستهلك الرئيسي لنفط الخليج.
لا تتوقف التداعيات المحتملة لمعاقبة السعودية على شكلها وتأثيرها فحسب، بل أيضا على الرهانات التي يضعها السعوديون. قدم السناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال تشريعات من شأنها أن توقف على الفور جميع مبيعات الأسلحة الأميركية للسعودية لمدة عام واحد ووقف مبيعات قطع الغيار والإصلاح وخدمات الدعم اللوجستي.
بقدر ما أن مثل هذا التشريع يضر بأمن المملكة التي لن تستطيع بسهولة تنويع إمدادات الأسلحة لجيشها بعيدا عن الولايات المتحدة، بقدر ما أنه سيجعل الوضع أسوأ بالنسبة لواشنطن. سيغامر بايدن بارتفاع جنوني لأسعار النفط إذا ما خاطر بتعريض أمن قطاع النفط السعودي للخطر.
كما ستزداد المخاطر على المصالح الأميركية في الخليج والمنطقة. ستشعر إيران بأنها باتت قادرة على لعب دور الشرطي في الخليج وستصبح المنطقة أكثر عرضة للفوضى من أي وقت مضى. ببساطة، سيصبح الشرق الأوسط أكثر عداء للولايات المتحدة.
يفترض أن ولي العهد السعودي أخذ في الحسبان كل هذه العواقب، لكنه يراهن على أن بايدن لن يذهب بعيدا في معاقبة السعودية وأن بإمكانها استيعاب خيارات انتقامية محدودة. في الواقع، تبدو إدارة بايدن في وضعه لا تحسد عليه. لم يسبق أن تعامل أسلافه مع مثل هذه المُعضلة منذ أزمة حظر النفطي العربي عام 1973.
لم يسبق لهم أيضاً أن تعاطوا مع شخصية قيادة سعودية عنيدة وجريئة كالأمير محمد. لكن مشكلة بايدن تحديداً أنه لا يزال يُقارب الشراكة مع السعودية من منظور لم يواكب التغييرات التي طرأت على قاعدة الأمن مقابل النفط. من سوء حظ بايدن أنه لا يحصد فحسب نتائج سياسته قصيرة النظر مع الرياض، بل يدفع أيضاً تكلفة عقدين من ازدراء الإدارات الأميركية السابقة للشراكة مع السعودية. غزا جورج دبليو بوش العراق دون النظر إلى عواقب تحوّل هذا البلد إلى قاعدة للتمدد الإيراني في المنطقة. ولم يلقِ باراك أوباما أهمية لعواقب تقليص الالتزام في الشرق الأوسط ولتجاهل مخاطر إبرام صفقة نووية مع إيران دون الأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمنية والإقليمية للخليج.
قد يكون ترامب الأكثر احتضانا لولي العهد السعودي، لكن سياسته الفوضوية في الشرق الأوسط أجّجت الفتن بين الحلفاء وشجعت إيران على تصعيد حرب الوكالة مع السعودية. لا يمكن تحميل بايدن وحده مسؤولية كل هذه الفوضى في العلاقة مع الرياض، لكنه قراراته تؤزم الموقف على نحو أكبر.
خلال العقدين الماضيين، أدمن الرؤساء الأميركيون على شراكة غير متكافئة مع السعودية ولم يعتادوا على تقديم ما يتوجّب عليهم مقابل الحصول على ما يريدونه. في ظرف مضطرب عالميا وتسود فيه الكثير من الشكوك حول مستقبل الدور الأميركي في الشرق الأوسط، فإن آخر ما تحتاجه الولايات المتحدة الانخراط عن غير قصد إلى جانب روسيا والصين وإيران في تقليل قائمة أصدقائها وزيادة أعدائها.
سيكون من الحكمة الشروع في تقييم ذاتي ومعمق لأسباب تدهور الشراكة مع السعودية بدلا من الاعتقاد أن معاقبتها ستصلح الوضع. تكمن المشكلة الجوهرية في أن كلا من السعوديين والأميركيين يفقدون الثقة ببعضهم البعض ولا يفهمون بعضهم جيدا. لا شك أن إعادة ترميم الثقة ليست بالأمر السهل، لكن إذا تعامل الطرفان بواقعية وسادت مصالح الدولتين على النظرة العدائية المسبقة، يمكن حينها تشكيل أرضية للعمل المشترك من أجل تصويب المسار. مثل هذه الأزمات ليست بالضرورة سيئة خصوصا إذا ما استفاد الطرفان منها لجعل الشراكة أكثر مرونة وقدرة على التكيّف مع التحولات المحيطة بها. لكن ما يحصل هو العكس. الفعل ورد الفعل يزيد من تأزيم الموقف ولا يساعد في خلق أجواء مناسبة لحوار معمق على مستوى القادة.
- وعد بايدن بأمن السعودية
هاجس السعودية الأكبر هو الأمن. لقد سعى الرئيس بايدن خلال زيارته للشرق الأوسط قبل 3 أشهر إلى إظهار أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بشراكتها الأمنية مع دول المنطقة، لكن الأقوال لم تقارن بالأفعال. لسوء الحظ، أدت قرارات بايدن المتسرعة بوقف الدعم الأميركي لحملة التحالف العربي في اليمن وإزالة جماعة الحوثي عن قائمة الإرهاب، فضلا عن البطء الشديد في المصادقة على عمليات بيع الأسلحة للسعودية والضغط عليها في مسألة النفط، كل ذلك أدى إلى تعميق الشعور السعودي بأن الولايات المتحدة لم تعد راغبة بمواصلة التزامها الأمني تجاه الخليج.
تزداد المخاوف أيضا من أن يؤدي نجاح أو فشل المفاوضات النووية على حد سواء إلى مزيد من التأثير الإيراني في عملية إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية. في الواقع، لا تزال الحوافز قائمة لدى الطرفين لمواصلة هذه الشراكة، ويمكن البناء عليها للاعتقاد بأن العلاقات لن تصل بأي حال إلى مرحلة الانهيار الكامل. لكن من غير الواقعي أيضا الاعتقاد بأن هذه الشراكة يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه خلال العقود الثمانية الماضية.