كرة القدم، لعبة الفقراء التي سطا عليها الاغنياء
الشعب نيوز/ صبري الرابحي - كانت و لازالت كرة القدم لعبة إبتدعها الفقراء و إختاروا لها رسالة الأخوة و الصداقة و روح الفريق فتحولت في غفلة منهم إلى محدد رئيسي لمستقبل أممهم يتداخل فيه السياسي مع الثقافي و يحمل في طياته الكثير من الرسائل الإجتماعية.
اليوم، حيث ينطلق الحدث الأهم في المعمورة، وهو كأس العالم لكرة القدم، يتحلق ملايين البشر في الساحات و الميادين و المقاهي و المطاعم و الحانات حول شاشات تتفاوت أحجامها لكن لا تختلف الصور المنقولة عبرها لتنقل ملاحم في ظاهرها هي مجرد لعبة لكنها في الحقيقة تخفي صراعات و تجاذبات أكبر من الرياضة نفسها و تعكس فيما تعكس حاجة الإنسانية لما يجمعها و يعمدها بالسلام و التآخي.
خلال هذه الأيام، وبعد عودة لولا دا سيلفا إلى رئاسة البرازيل، عادت إلى أذهان الجماهير صورة رفيقه "سقراط" ذلك اللاعب العبقري لمنتخب البرازيل، الطبيب الذي كان يحمل رسالة شعبه و جعل من سحر اللعبة وسيلة للوصول إلى قلوب الملايين و التعبير عن ما يخالج صدورهم.
سقراط كان، لحد ما، يعكس صورة الشعب البرازيلي في ملامحه وفي طموحه، فتحول في غفلة من الإمبريالية العالمية التي أفسدت كل شيء إلى رمز من رموز الحرية و الإنعتاق، و تعبيراً عن أمل شعبه في العدالة الإجتماعية، وسحق التفاوت الطبقي، والثورة على حكم العسكر بواسطة الإنتخابات الديمقراطية التي إستجاب لها الشعب بعد دعوته لها و تهديده بمغادرة البلد، فكانت كرة القدم وشعبية سقراط وسيلة لتمهيد الطريق أمام حكم المدنيين وارساء الديمقراطية في البرازيل.
في الجانب الآخر من العالم، و تحديداً في إفريقيا، إستطاع جورج وياه أن يعتلي سدة الحكم في ليبيريا عبر بوابة كرة القدم و إختار لنفسه نفس رقم قميصه الرياضي خلال حملته الإنتخابية، ليحوّل نجاحه الكروي في قيادة منتخب بلاده إلى نجاح سياسي مهم، إستطاع أن يغير، ولو القليل، من حياة مواطنيه بعد سنوات من الحرب الأهلية و لعنة الأوبئة التي مازالت تنخر بلده مثل وباء الإيبولا.
زين الدين زيدان، أيضاً، كان لسنوات طويلة شخصية مؤثرة، وكان لعدة سنوات سفيراً للعرب والمغاربة في اللعبة العالمية، عنوة عن إنتمائه "الرسمي" لبلد بديل عن بلده الأصلي الجزائر، فلم يستطع أن لا يكون عربياً أو مغاربيا في نظر العرب و المغاربة و المشارقة رغم كل المحاولات لطمس ذلك، و لم يخف قميصه الأزرق لمنتخب الديكة ملامحه العربية، التي لا تمحى بالتجنيس و لا بالإقامة و لا حتى بتغيير الإسم بنطق إفرنجي بحت، وتحولت قصة نجاحه إلى قصة ملهمة للعرب و الأفارقة و الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين، و ساهم حضوره في الساحة في تحطيم سرديات اليمين المتطرف في فرنسا حول المهاجرين.
كل هؤلاء الرموز أدوا رسالة كرة القدم كما يجب، وعبروا عن إنتمائهم بطريقة التنوع العرقي والإثني، وأحست الإنسانية بتنوعها الطبيعي في كل الدورات التي أقيمت بالرغم من أنها لا تكاد تخلو من التجاذبات و التوترات على خلفية المواقف السياسية.
في الجانب الآخر، يتوجب أن تعود كرة القدم إلى روادها الحقيقيين من فقراء و مهمشين، الذين صاروا غير قادرين على ممارسة اللعبة بسبب تحولها إلى ممارسة بورجوازية تستوجب إمكانيات مادية ضخمة، خاصة بعد أن إنتظمت عديد الفرق في شكل "شركات" و أصبح رأس المال يحجب الموهبة و الشغف، و صار الفريق مجرد "سوق" و صار الحق في مشاهدة المباريات أيضاً حقاً نخبويا يستوجب دفع المال لمجرد الولوج.
هذه التحولات العميقة التي أسقطها الإقتصاد الرأسمالي على لعبة الفقراء جعلها تحيد عن رسائلها الأصلية، وأصبحت تكريسا مقيتا لسلطة رأس المال على أحلام الشعوب، فصار من غير الممكن أن تنتصر الإرادة و الموهبة و روح الفريق على معسكرات التدريب العلمية، و الإنضباط التكتيكي لكبرى مدارس التدريب، التي تستثمر فيها الحكومات و رجال الأعمال أموالهم بكل ما للرأسمالية من وحشية على كل ما تختاره الشعوب.
في المقابل، أصبح، ضرورياً اليوم، أن تعود كرة القدم إلى أصحابها الحقيقيين و أن تتحقق العدالة في ممارسة اللعبة و المشاهدة و أن تحس الأمم و الشعوب بالمساواة أمام قانون اللعبة و أن لا تتحول إلى لعبة موازية تلعب داخل مكاتب الحكومات و الهيئات و تحولها للسيطرة على الدول و الشعوب و أن تحمل كرة القدم رسائلها الحقيقية و تعود إلى مهدها الأول بعيداً عن سطوة المال الذي أفسد كل شيء.