آراء حرة

اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فالتزموا:  هل يمكن المشاركة في الانتخابات أم ينبغي مقاطعتها؟

كتب الاستاذ محمد الكيلاني، رجل السياسة المعروف، على صفحته الخاصة، تدوينة لافتة حول الانتخابات التشريعية الجارية حاليا، رأينا نشرها لما تضمنته من أفكارواقتراحات.
" اتابع يوميا ما تقدمه وسائل الإعلام من معلومات حول كل ما يتعلق بالانتخابات، سواء الصادر عن الهيئة أو عن الرئيس والحكومة أو ما عبّر عنه المواطنات والمواطنون من تطلعات ومشاغل في الدوائر الانتخابية أو ما تقدم به المرشحون والقليل من المرشحات من مشاغل والتزامات.

وما استوقفني هو أن عددا من التونسيات والتونسيين يتعرّضون لعملية تلاعب كبرى دون أن يكونوا مدركين أنهم ليسوا مجموعات من الواهمين الحالمين بخلاص ينزل عليهم من السماء. فهم يحدثون المرحات والمرشحين، بقطع النظر عن نجاحهم أو فشلهم، وكأنهم أصحاب سلطة إنفاذ من شأنها أن تكون قادرة على تلبية مطالبهم وتطلعاتهم وتعالج جلّ مشاغلهم، والحال أن السيد الرئيس، بدستوره بالتعديلات التي أدخلها على القانون الانتخابي:
1 ـ أفقد مجلس النواب كل سلطة على حمل السلطة التنفيذية على الالتزام بالمصالح العليا للشعب والوطن ولم يترك بين يديه حتى مسؤولية الرقابة.
2 ـ وقسم سلطة مجلس نواب الشعب بين مجلسين: مجلس النواب (الذي سيجري انتخابه في17 ديسمبر)  ومجلس الجهات والأقاليم (الذي لم يضبطه قانون بعد)، بحيث أن لائحة لوم لا يمكنها أن تشهد النور إلا بأغلبية الثلثين في المجلسين، وهي عملية مستحيلة التحقق، بينما ليست لهما سلطة رقابة على رئيس الدولة، كما أنهما لا يمثلان معا سلطة تعديل له.
3 ـ أن سحب الوكالة بعشر الناخبين في الدائرة الإنتخابية يخضع النائب لإرادة من يملك قوّة الفعل، أي السلطة التنفيذية، وبالتحديد رئيس الدولة الذي يمركز كل السلطات بين يديه.
وزيادة على ذلك فإن المرشحات والمرشحين يتقدمون ببرامجهم للناخبين ويعدون بالالتزام بها والعمل على تنفيذها والحال أنهم، حتى عند فوزهم، لن يحملوها للمجلس ولا للحكومة، وذلك:
1 ـ لأن الرئيس، حسب دستور قيس سعيد، هو الذي يعيّن رئيس الحكومة والوزراء باقتراح من الرئيس الذي عينه، وعليه فستكون الحكومة ملزمة بتوجيهات الرئيس.
2 ـ ولأن برامج الناخبات والناخبين محلية وتتعلق في معظمها بمشاغل بلدية، وعلى هذا الأساس لا يمكن لهذه البرامج المحلية أن تتحوّل إلى برنامج وطني يؤسس لأغلبية حكومية أو برامج وطنية لكتل حزبية أو جبهوية، وهي نقلة ـ من المحلي إلى الوطني ـ يرفضها مشروع البناء القاعدي لقيس سعيد ودستوره وقانونه الانتخابي. وهو ما يميز الصيغة الشعبوية القيسية عن غيرها، باعتبارها تحرر "الزعيم" أو "القائد الملهم" من كل التزام تجاه الناخبات والناخبين وتجاه الشعب.
أمّا الصيغ الفلكلورية للعديد من الحملات التي تحيلنا إلى مستوى وعي أصحابها السياسي والوطني فلا نرى ضرورة التوقف عندها لكن الذي أظهرته الحملة هو الأخطر والمتمثل في انتعاش العلاقات المحلية، بأعيانها وعلاقاتها العائلية والعشائرية التي أزاحت الموقف السياسي والبرنامج الانتخابي، حتى لدى العديد من النشطاء السياسيين الذين تناسوا مشروع البناء القاعدي والأمر 117 واستفتاء 25 جويلية حول دستور قيس سعيد والتنقيحات التي أدخلها الرئيس على القانون الانتخابي والمرسوم 54 وما تبع صدوره من تعدّ على الحريات العامة والفردية، وإيقاف 57 قاض عن العمل بتهمة الفساد.

كما تناسوا إقدام الرئيس على حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعيين آخرا عوضا عنه، وحلّ الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتعويضها بهيئة معيّنة.
وهي ظروف تفرض لا فقط عدم المشاركة في هذه الانتخابات، حملة وتصويتا، بل مقاطعتها، وهو أضعف الإيمان في الدفاع عن الجمهورية وعن الديمقراطية وعن الحريات العامة والفردية.  
إن الساسة الذين يتصرفون على طريقة جحا، لمّا اعتبروا أن ما يتعرّض له "المتآمرون" أو جماعة "العشرية السوداء" يتحمّلون مسؤولية أفعالهم، بمعنى التي تصيب غيرهم لا تؤذيهم وبالتالي ليسوا معنيين بما يحدث.

فالخطر داهم ويدقّ على جميع الأبواب، ومربك بطرق مختلفة، سواء باستبطان الخوف أو بالتجاهل والتناسي أو بالانخراط في سياقه، وهو بصدد التوسّع ليشمل المحتجين من أجل مطالبهم المشروعة، والأطراف السياسية التي تروم التعبير عن مواقفها، والإعلاميين ونشطاء الجدار الأزرق.  
إن النضال وحده هو الذي يوقف هذه العاصفة الدوارة ويرد المغامرين الذين يسعون إلى وضع أيديهم على السلطة على أعقابهم. فهم لن يتراجعوا إلا بالعمل باستمرار على كشف مواقفهم وأعمال السلطة وممارسة حلفائها والطامعين فيها، وذلك بالقلم والخطاب والصورة.

إنه نشاط دؤوب تقوم به الأحزاب والجبهات والشخصيات الديمقراطية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ذات الشأن، ينمي الوعي السياسي للجماهير ويحررها من كوابيس الأوهام ويساعد الطاقات الجديدة على البروز وتحمل مسؤولياتها. 
إن الخطر الداهم لا يتنحى من تلقاء نفسه، بل بالنضال، دفاعا عن الديمقراطية وعن الجمهورية ومكاسبها وعن العدل الاجتماعي."