الانقلابات تقاس بنتائجها، بورقيبة وعبد الناصر وصدام وبومدين والقذافي وقابوس مثالا؟
لن انتظر حسم النقاش القانوني الدستوري الدائر حول " الانقلاب " من عدمه في توصيف الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد يوم الاحتفال بالجمهورية في عيدها الرابع والستين. فالمسألة ليست علما صحيحا ولا حسابا خوارزميا، يختلف تقديرها من زاوية المنقلب اذا صح أنه كذلك الى زاوية المنقلب عليه اذا صح انه كذلك أيضا.
جويلية / يوليو/ تموز
" انقلاب " أم لا، يبقى في النهاية مسألة انطباعية، يختلف تقديرها من زاوية الى أخرى والاهم من كل التنظيرات والتخمينات أن "الانقلاب" يقاس في أخر المطاف بالنتائج التي ترتبت عنه في جميع الآماد القصير منها والمتوسط والبعيد.
فما رأيكم ونحن في جويلية/ يوليو/ تموز في نتائج ما فعله الضباط الاحرار في مصر في مثل هذا الشهر من سنة 1952 او في نتائج ما فعله شباب حزب البعث العراقي في مثل هذا الشهر أيضا؟ وفي سوريا، وفي السودان، وفي الجزائر وفي ليبيا وفي سلطنة عمان؟ هل يصمد كثيرا منطق توصيف انقلاب عندما نستحضر ما انجزه لبلدانهم وللمنطقة العربية كل من جمال عبد الناصر وصدام حسين وهواري بومدين ومعمر القذافي والسلطان قابوس؟ لا أظن خاصة وقد بقيت انجازاتهم تدل عليهم وها هي شعوبهم تبكيهم اليوم أكثر من أي وقت مضى.
بين المعسكرين
في تونس أيضا نعرف "الانقلاب" ولكن خلافا للعديد من الشعوب، نحن ننقلب مدنيا أي حزبيا، نقابيا، دستوريا، حكوميا، جمعياتيا، قانونيا لكننا ننظر "للانقلاب " من خلال النتائج التي تترتب عنه.
خذوا لكم مثل الزعيم الحبيب بورقيبة، فقد انشق الانشقاق المبارك – كما يقول هو نفسه – عن قيادة الحزب القديم ورسم مسارا جديدا للحركة الوطنية افضى الى ما تعرفون جميعا.
الزعيم فرحات حشاد استدار الى اليسار سنة ونصف بعد تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل ليخلصه من الطابع المحافظ الذي اصطبغ به في البداية بالانخراط في الجامعة النقابية العالمية ذات المنحى الشيوعي ولكنه ما فتئ ان "انقلب" يمينا ان شئتم سنة 1951 عندما انخرط في الكونفدرالية العالمية للنقابات الحرة ( سيزل) . والفرق بين المنظمتين كبير وشاسع في علاقتهما بمطلب تونس في الاستقلال وانهاء الاستعمار. وعلى المتحدثين عن "انقلاب " ان يقيموا نتائج انخراط الاتحاد في السيزل مقابل انخراطه في المنظمة الأخرى.
بين الملكية والجمهورية
نعود للزعيم بورقيبة فنجده في سنة 1957 يتراجع عن وعد الحزب للباي بإقامة ملكية دستورية ويعلن الجمهورية وعلى المتحدثين عن " انقلاب " ان يقارنوا بين ان نكون جمهورية أو ان نكون ملكية ولو كانت دستورية. ونجده سنة 1969 يفرض وقفة تأمل يتم بموجبها الاستغناء عن النظام التعاضدى وعلى المتشددين في توصيف العملية ان يقارنوا بين ما كانت عليه تونس خلال عشرية الستينات وما أصبحت عليه خلال عشرية السبعينات.
هذا اتجاه " للانقلاب " لكن هناك اتجاه آخر مثل الذي حصل في أحداث 26 جانفي 1978 التي شهدت في نهاية المطاف سلسلة من " الانقلابات" الواحد ضد الاخر، في الظاهر ردع لموجة التحرر والاستقلالية التي رفع لواءها الاتحاد العام التونسي للشغل ولكنها في الكواليس " انقلاب " الهدف منه ابعاد الحبيب عاشور عن سباق خلافة الرئيس بورقيبة على رأس الدولة و" انقلاب " آخر الهدف منه تحميل انعكاسات الاحداث للهادي نويرة واضعاف حظوظه في السباق الى الخلافة و" انقلاب " آخر هدفه اضعاف الدولة أمام الحزب.
الموقف الحاسم
ورغم الهزة التي احدثتها عملية قفصة في جانفي 1980، فان سلسلة أخرى من الانقلابات عاودت الحصول في النصف الأول من الثمانينات رغم حصول تغيير طفيف في قائمة الفاعلين على ركح الاحداث.
العنصر الفارق في كل هذه الانقلابات انها تكسرت على صخرة إرادة الشعب الذي لم يكن ينظر اليها بعين الرضا ولا يأمل منها شيئا يذكر وفوق الكل انه لم ينخرط فيها باي شكل من الاشكال لان نتائجها لم تكن تعنيه.
انقلاب قبل الانقلاب
في الاتجاه المعاكس، ماذا فعل زين العابدين بن علي في 7 نوفمبر 1987؟ صحيح أنه دبر " انقلابا " طبيا أبعد به الرئيس بورقيبة عن الحكم وهو الذي كان سنتها في الـ 86 من عمره مصابا بالخرف والوهن والعجز ورهينة لدى بعض من مستشاريه كانوا يتلاعبون بتسمية الوزراء وكبار المسؤولين، يعينون أحدهم صباحا ويقيلونه عشية. أكثر من ذلك، ألم تكن من نتائج "انقلاب" 7 نوفمبر أنه أنقذ البلاد من انقلاب دموي كان مبرمجا ليوم 8 نوفمبر؟
وعن زين العابدين بن علي نفسه ، ألا يردد كثيرون الى الان أنه كان يوم 14 جانفي 2011 ضحية " انقلاب " بينما يتحدث الأغلبية الساحقة من الشعب التونسي عن ثورة؟ ولان العبرة بالنتائج، فان " الانقلاب " الذي حصل ضد بن علي لاقى هوى عند الشعب فاستبطأنه وقبل به لانه – أي "الانقلاب "حقق له أهدافه ورغائبه على الأقل في حرية التعبير والتنظيم والتحزب والضمير.
ليست هذه الخواطر من باب التشجيع على أي “انقلاب" ولا هي من باب تبرير أي "انقلاب " وانما هي من باب التنبيه الى ضرورة التنسيب أولا ومن باب ضرورة قياس الامر بموازين الربح والخسارة ثانيا وأخيرا، وصاحب القياس الصحيح هو الشعب العظيم.
حمدي البرجي