صفحات بيضاء وأمنيات من وحي ثلجية عين دراهم
الشعب نيوز/ عبدالحميد الهلالي* - عين دراهم ليست جنة ولا هي جحيم مثلما يقول البعض الذين تكثر احاديثهم عنها عندما تتهاطل الثلوج او عند اندلاع الحرائق ببعض المناطق.
عين دراهم منطقة غابية، والجبل في جل بلدان العالم هو مرادف للفقر اذا ما سلّمنا برجاحة رأي المؤرخ الفرنسي Fernand Braudel في هذه المسألة.
لقد كانت المساكن التقليدية الجبلية اكثر تلاؤما مع الظروف الطبيعية ( الكيم والمعمرة المغطاة بالديس ) ثم تطور شكل بعض المباني في عهد الاستعمار الفرنسي ( استعمال الحجارة والقرميد الاحمر ). اما اليوم فان العديد من المساكن اصبحت غير ملائمة لمقاومة كثرة الامطار وتهاطل الثلوج ( بناء الجدران بالجر وغياب القرميد ...)
واظن انه من واجب المهندسين المعماريين (الفلاسفة والنوابغ منهم ) التونسيين ابتكار امثلة بناء منازل بأقل تكلفة واكثر تلاؤم مع قساوة العوامل الطبيعية - وهذا ممكن -
صحيح ان الامطار والثلوج والرياح الشتوية والزمهرير( وهي تفرض على الكلاب أن تسكت عن النباح المباح) متعة للشباب وللكهول لكنها تمثل عناء للكبار خاصة عندما ينقطع التيار الكهربائي. كنا في ما مضى نستعمل الشمع والقازة، وكانت عندنا " قازة " كبيرة مصنوعة من النحاس وبلورة طويلة " تركّب ستة ستين كيف" ورثناها عن الفرنسي، المالك القديم للمنزل.
معاناة أيضا عندما تتجمد المياه نظرا لقرب قنوات مياه الشرب من سطح الأرض، ويقل حطب التدفئة ويقل او ينعدم تزوّد البلدة بالحاجات الضرورية بسبب غلق الطرقات مثل قوارير الغاز والقاز أي البترول الأزرق.
كما ان شدة البرد مجلبة لعديد الامراض التي تصيب خاصة الاسنان والمفاصل وتسبب الروماتيزم.
تمثل الملابس مشكلة للعديد ين من أبناء عين دراهم في سعيهم للتوقي من البرد. فعلى عكس بعض المناطق الاخرى التى يرتدي اغلب سكانها القشابية، كانت طريقتنا في التوقي من البرد لمّا كنا صغارا هي ارتداء ما يسمى capuchons للابدان و bottes en caoutchouc pataugas للاقدام.
ثم ظهرت المعاطف التي اهدتها دولة المانيا الاتحادية في اواخر الستينات .
اما الان فقد توفرت الملابس والاحذية الشتوية في المحلات التجارية وعن طريقة باعة الروبافيكا ( ولولاهم لمات نصف السكان )
على صعيد آخر، كانت المؤسسات التعليمية في السابق - وعلى قلتها - توجد داخل اقسامها وقاعاتها مدفئات ومدخنات وحمالات معاطف cheminées ou des poêles et des porte -manteaux Des
ولست ادري ان تمّ في الوقت الحالي تركيز وسائل تدفئة داخل فصول بعض المدارس ام لا ؟ وهل مازال هناك تسخين مركزي بمعهد عين دراهم ام لا ؟
وقبل ان اختم، اريد ان اسأل الى اين وصل مشروع تزويد بلدة عين دراهم بالغاز الطبيعي انطلاقا من القطر الجزائري
بالمختصر المفيد :
عين دراهم وكل المناطق الغابية الاخرى لن تتحسن امورها، ولو قليلا، الا بعد ايجاد مصالحة حقيقية بين المواطنين والغابة التي يعيشون داخلها او بجوارها
نسأل الله أن يديم علينا وفرة الثلوج والامطار لما فيه خير الجهة وكل جهات البلاد.
*عبد الحميد الهلالي، أستاذ التاريخ في الجامعة التونسية، نقابي من التعليم العالي.