الاتحاد العام التونسي للشغل آخر الحصون أمام السلطة
الشعب نيوز / فوزي النوري محلل سياسي . تمّ توزيع الأدوار بين السلطة و الأجهزة و تكفّلت السلطة بتحريض المزاج العام على المجتمع السياسي برمّته عبر التشويه و الأخلاقيات و عبر أبواق الدعاية المأجورة ليتمّ اختزال المشهد في طرفي نزاع لم يتنازعا أبدا :
السلطة الحالية و حركة النهضة هذا الاختزال هوّ فخّ ساذج و بسيط لخداع المزاج العام مرّة أخرى بحيث إذا عارضت مسار 25 جويلية سيتمّ تصنيفك في خانة قوى عشريّة الخراب و الحال أنّ من عارض بالفعل حكم النهضة هوّ من يعارض اليوم السّلطة الحالية .
توازيا مع ذلك تكفّلت الأجهزة بفرض سياسة "الأمر المقضي" كيفما كانت و عادت لممارساتها و ميكانيزمات عملها القديمة كيف لا وهي المعنيّة بنفس الدرجة و القدر باغتيال الحياة السياسيّة و استعادة نفوذها على شعب المقهورين .
لم يبق أمام السلطة و الأجهزة من عدوّ محتمل أو قوّة تربك حساباتها إلاّ الاتحاد العام التونسي للشغل لذلك تتجّه السلطة و أجهزتها في الأيّام الأخيرة لحسم هذه المعركة بكلّ الوسائل بعد أن فشلت محاولات التحييد و الاختراقات تحاول السلطة اليوم تعميق الأزمة الداخلية في قلعة حشّاد و يبدو أنّ السلطة مستعدّة للذهاب إلى ما هوّ أبعد و أخطر.
قيادة الاتحاد تجنّبت هذا الصراع في بداية المسار لعدّة أسباب أوّلها إعطاء فرصة للسلطة الحالية للتخلّص من الاسلام السياسي باعتباره الخطر الأكبر و النقيض الموضوعي للدولة الوطنية و للجمهورية الاجتماعية لكن اتّضح فيما بعد أنّ السلطة لا تتّجه نحو محاسبة الحركة بقدرما تستعمل هذا المطلب مطيّة لقتل المشهد السياسي برمّته و استعادة قبضة الأجهزة على المشهد بكلّ تفريعاته.
السبب الثاني أنّ الاتحاد تاريخيا لم يتورّط في الصراعات السياسوية المباشرة رغم كونه حاضنة المعارضة و القوى الثورية طيلة عقود بما يسمح له بتحريك الشارع متى أراد و لكنّه لم يفعل ذلك إلاّ في محطّات بعينها ليلعب دوره الوطنيّ في حالة تهديد كيان الدولة أو للحفاظ على السلم الاجتماعي من خلال تبنّي المطلبية الشعبية و تأطيرها حتّى لا تخرج الأمور عن السيطرة.
اليوم تقدم هذه السلطة على خطوة لم يجرؤ عليها من سبقها في سدّة الحكم من توجّه واضح لضرب قلعة حشّاد بكلّ الوسائل و بالتالي لم يبق للاتحاد خيارات أخرى سوى مواجهة السلطة و خوض معركة يتحدّد فيها مصير أمّة بأسرها .
الاتحاد العام التونسي للشغل أقدم مخابر السياسة على هذه الأرض و الطرف الأقدر على التجميع داخل الأسوار و خارجها و ارتباطاته المعلنة و السرية بكلّ الأطراف السياسية و "آلته التنظيمية" المتماسكة رغم كلّ ما قيل و ما سيقال في مواجهة سلطة تسندها الأجهزة و ما تبقّى من المزاج العام المساند لمؤسسة الرئاسة.
في اعتقادي هذه معركة محسومة لصالح الاتحاد مهما كانت تكتيكات السلطة فإذا تعاملت السلطة فعلا بقوّة الأجهزة ستصطفّ كلّ المعارضين و المتعارضين لإسناد الاتحاد لأنّهم يعلمون حيّدا ماذا يعني تركيع الاتحاد و إذا تفاوضت السلطة مع الاتحاد فإنّ "سوسيولوجيا النقابات " بنيت على المفاوضات بحيث لا تستطيع هذه السلطة المتكلّسة الجامدة مقارعة الاتحاد على أرض المفاوضات و لن تنطلي مناوراته و بالمقابل فإنّه و أمام تغوّل السلطة و أمام تلهّف كلّ القوى السياسية للتغيير بحيث لو اتّجه الاتحاد لعزل السلطة سياسيّا بتجميع كلّ القوى السياسية حوله و حول مطلبيّة واحدة و انطلق في تحريك الشارع سيفرض على السلطة المآلات السياسية و يعيد تغيير خرائط النفوذ داخل الدّولة.
في كلّ الأحوال سيخوض الاتحاد هذه المعركة المصيرية التي ستنهي تفرّد الأجهزة بالسلطة و قد تسمح هذه المعركة للاتحاد بتصدير أزمته الداخلية للأجهزة و السلطة و قد تعيد لقلعة حشّاد تماسكها لأنّ معارك المركزية النقابية تحكمها وحدة المصير ،في النهاية كنت أودّ أن يخوض الاتحاد المعركة بشكل استباقي في هذا الوضع الاستثنائي بعد ترذيل العملية السياسية من قبل قوى عشرية الخراب و اغتيال السلطة الحالية لروح العمل السياسي بخطابات التخوين و التشويه .