وثائقي

أحلام بالحاج تتحدث من الماضي عن لوبيات وفاسدين  أضرّوا بالمستشفيات العمومية، وانتهكوا حق التوانسة في الصحة والحياة

الشعب نيوز/ صبري الزغيدي - هذا حديث صحفي مطول كنت أجريته لجريدة " الشعب " الورقية مع الاخت أحلام بالحاج التي غادرتنا الى الابد بعد دفنها اليوم الاحد 12 مارس 2023 بمقبرة قربة من ولاية نابل.

نشر الحديث يوم الخميس 9 جويلية 2020 وفيه تحدثت الدكتورة احلام بالحاج الكاتبة العامة لنقابة الأطباء الاستشفائيين الجامعيين عن حق المواطن في خدمة صحية انسانية وذات جودة وعن المستحقات المالية وتحسين  الظروف المهنية وتنقيح القانون الاساسي والاعتراف الفعلي بدور الاستشفائيين الجامعيين في التعليم العالي. كما دافعت فيه عن عمومية التعليم الطبي ضد محاولات خوصصته.

واتت في جانب آخر من الحديث على ظاهرة هروب كفاءاتنا الطبية الى القطاع الخاص والى الخارج، وحملت السلطة مسؤولياتها في الموضوع داعية اياها الى القبول بإصلاح المنظومة الصحية العمومية

فيما يلي النص الكامل للحديث كما نشرته "الشعب الورقية " يوم الخميس 7 جويلية 2020. 

أعلنت الاخت أحلام بلحاج الكاتبة العامة لنقابة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة الاستشفائيين الجامعيين أن الاطباء سيضطرون لمقاطعة التدريس بداية من سبتمبر المقبل ( المقصود سبتمبر 2020) في حال لم تتعاط الحكومة ووزارة الصحة ايجابيا مع مطالبهم المشروعة وأساسا اصلاح المنظومة الصحية العمومية.

وأبرزت في حوار لها مع "الشعب" ان القطاع سيخوض اضرابا عن العمل يوم 15 جويلية 2020 كصيحة فزع لما آلت اليه الاوضاع من رداءة وخطورة حرمت المواطنين من التمتع بخدمة صحية انسانية في المستشفيات العمومية، وقالت " نحن سنضرب عن العمل من أجل حق المواطن في خدمة صحية انسانية ذات جودة".

تتهمون سلطة الاشراف بالتنصل من تطبيق الاتفاقات، ومن بينها تهربها من الاصلاح شامل للمنظومة الصحية في ظل تدهور ظروف العمل وافلاس المستشفيات، ماهي رؤيتكم في ذلك؟

اصلاح المنظومة الصحية هو برنامج نناضل من أجله من قبل الثورة، باعتبار ان تدهور المستشفيات العمومية يعود الى سنين طويلة، وبعد الثورة قمنا مع الحكومات المتعاقبة بالاتفاق على الاصلاح من ذلك تنظيم الحوار المجتمعي حول الصحة العمومية والعديد من اللقاءات التي تعهد خلالها الوزراء المتعاقبون على الاصلاح الشامل.

ومع ظهور وباء الكوفيد 19 أجمع كل المتدخلين في القطاع على ضرورة الدخول في عملية الاصلاح الذي اضحى من ضروريات المجتمع التونسي وحاجياته الاساسية في الحياة، حيث كان كل الخوف في أن يعجز المستشفى العمومي عن توفير الظروف الملائمة لعملية الاهتمام بالمرضى.

والحكومة حينها قالت ان اولويات الاصلاح وتعهدت بالشروع في بعث لجان لعملية الاصلاح بالاعتماد على مخرجات الحوار المجتمعي، لكن بقي كل ذلك حبرا على ورق ولم نر اي شيء على مستوى الواقع، فتعمقت ديون المستشفيات واهتراء المنظومة الصحية، وهو الامر الذي يتطلب اجراءات فورية لانقاذ المستشفيات العمومية من حالة الافلاس التي تعانيها التي اصبحت عاجزة عن اداء عملها.

هذا الواقع ابرز ان الحكومة متمسكة بنفس خياراتها التي تجاهلت اولوية دعم منظومة الصحة العمومية، ما جعلها عاجزة عن تقديم الخدمة ذات جودة للمواطنين الذين تبلغ نسبتهم 80 بالمائة يؤمون المستشفيات العمومية، ما خلق علاقات صدامية بين  المواطنين ومهنيي الصحة.

فلابد من اليات تعديل بين القطاع الخاص والقطاع العام، وقيمة خدمات الصحة العمومية لم تُعدّل منذ سنة 1996، الى جانب قانون المسؤولية الطبية الذي من شانه ان يخفف حدة العلاقة ويوضح حقوق الطبيب وواجباته مازال في رفوف البرلمان، هذا الامر الذي جعل المستشفى الجامعي الاستشفائي يفقد بريقه وقيمته العلمية.

تماشيا مع موقفكم هذا، ماذا تقصدون بالاعتراف الفعلي بدور الاستشفائيين الجامعيين في التعليم العالي ومطالبتكم بتنقيح النظام الاساسي؟

نحن الاستفشائين الجامعيين لدينا قوانين اساسية خاصة منذ 89، على غرار الصيادلة واطباء الاسنان،  وهي قوانين تنص على ثلاث مهام، العلاج والبحث والتدريس والتكوين وهي مهام فيها الجانب العلاجي وفيها الجانب التكويني في كلية الطب وفي المستشفى كذلك، لكن للاسف فعملية التكوين والتدريس نقوم بها دون اي أجر رغم الاعتراف الدولي بشهائدنا وبتكويننا واصدارنا لقرابة نصف المنشورات العلمية والوحيدون الذين يعملون ل36 ساعة واكثر اسبوعيا في ظروف مهنية صعبة، لذلك لا بد من تنقيح القانون الاساسي والاعتراف الفعلي بدور الاستشفائيين الجامعيين في التعليم العالي.

تحتجون على محاولات خوصصة التعليم الطبي وطب الاسنان والصيدلة، اين تبرز هذه المحاولات وكيف؟

هناك مشروع قانون تقدم الى الحكومة، وقد صدم الجميع بذلك، وهو تنقيح قانون 2008 في تدريس التعليم العالي الذي جاء في اطار شراكة تونسية المانية فرنسية وتأسيس جامعات خاصة بشراكة من الدولة ب49 بالمائة واعطاء شهائد علمية عن طريق تدريس موازي خاص، وهو ما يمس من قيمة الشهادة العلمية التي تقدمها كلياتنا ما من شانه بداية خصخصة التعليم الطبي، رغم ان التعليم الطبي التونسي معترف به كل المستوى العلمي وله بريقه العالمي.

وقد اصدرنا بيانا مشتركا مع جامعة الصحة وجامعة التعليم العالي أكدنا نا رفضنا لهذا المشروع الخطير الذي سيمس صحة المواطن وسيضحي بقيمة التكوين الطبي الذي سيدفع الى تعميق هجرة الاطباء وهروبهم من المنظومة الصحية العمومية ما يضر اشد الضرر مصير التعليم الطبي العمومي ومصير المستشفى الاستشفائي الجامعي.

هذا المشروع الخطير ترفضه كذلك باقي مكونات الاسرة الطبية من عمداء كليات الطب ومجلس عمادة الاطباء الى جانب نقابات الاتحاد طبعا. 

في هذا الصدد يتحدث الجميع عن عزوف الاطباء عن العمل في المستشفيات العمومية،  ماهي الاسباب ؟ واين حوّلوا وجهتهم؟

يحولون وجهتهم الى القطاع الخاص والى الخارج، واكثر من 80 بالمائة من الاطباء الشبان الذين يتكونون لدينا في المستشفيات الجامعية الاستشفائية يتطلعون الى الهروب إما للقطاع الخاص أو الى الخارج الذي قدم لهم عديد الاغراءات والتسهيلات للعمل والذين يستقبلونهم بكل حفاوة في المانيا وفي فرنسا بأجور خيالية مقارنة بالاجور التي يحصلون عليها في تونس وامريكا واسبانيا خصوصا في خضم الحرب الموجودة الان مع فيروس كورونا، وهو الامر الذي تواجهه الحكومة بعدم مسؤولية واستخفاف وخسارة اطبائنا وقاماتنا العلمية من رؤساء اقسام ومؤطرين يهربون دون اي ردود فعل هروبا من ظروف عمل رديئة ومن أجور بخسة.

كيف كان عملكم خلال مواجهة وباء الكوفيد، وماهي اهم المصاعب التي واجهتكم وهل تمكنتم من التغلب عليها؟

أرى أن التجربة التونسية في هذا الصدد ايجابية بالنظر الى السياسة العامة المتوخاة اثبتت قيمة الكفاءات التونسية، الى جانب ما بذله الاطار الطبي وشبه الطبي في مقاومة الوباء الى جانب مساهمة المواطن في التوقي، ما جعل هناك تسجيل لنجاحات في المرحلة للوباء.

لكن هذه النجاحات أبرزت كذلك هنات كبيرة ومواطن ضعف مرتبطة بوضعية المستشفى العمومي، وكان المئات معرضين للموت لغياب اسرة الانعاش، كما ظهرت ايضا صعوبات في مستوى التسيير والتصرف حتى ان الطبيب تحول من طبيب الى مسير الى مموّل، وللاسف لم يكن هناك اعتراف بما قام به الاطار الطبي وشبه الطبي، وانا لا انسى ما قدمه الزملاء الممرضين والممرضات والعاملات من تضحيات في العمل وفي التنقل رغم اوضاعهم المادية الصعبة، وكنا امام تلك الظروف نتمنى ان تستفيق السلطات وتعي بالوضع المزري للصحة العمومية في تونس وتنطلق في عملية الاصلاح الشامل للمنظومة بتجهيزاته وبالعنصر البشري.

مطلب اصلاح المنظومة الصحية وتطوير الخارطة الصحية تطالب به نقابات القطاع كافة، هل لديكم مشروع للعمل المشترك فيما بينكم في الفترة المقبلة؟

نحن داخل الاتحاد كانت لنا عديد اللقاءات، مع الاخ الامين العام ومع الاخ الامين العام المسؤول عن الوظيفة العمومية، كما لنا لقاءات مع وزير الصحة بحضور جامعة الصحة ونقابة اطباء الصحة العمومية، في اطار بلورة رؤية موحدة، لانه للاسف لم يكن هناك في الماضي تبلور واضح للمطالب بين نقابات الصحة، ونحن حريصون على ضرورة الاعتراف بخصوصية قطاع الصحة ويجب اصدار قوانين خاصة تجد حلولا لوضعية مهنيي الصحة للمحافظة على صحة الناس، وهذا ما نتفق فيه ومنه حوكمة الصحة العمومية ورقمنة القطاع والقضاء على اللوبيات خاصة تلك التي تستغل ملف التجهيزات الثقيلة مستغلة قانون اصدرته وزيرة الصحة السابقة سميرة مرعي التي حررت اقتناء التجهيزات الثقيلة وهو الامر الذي خلق مشاكل مع صندوق التأمين على المرض وتضررت منه  المستشفيات العمومية عموما، وهي خيارات من طرف الدولة خدمت اللوبيات ولم تخدم الصحة العمومية، وهنا يتنزل دور الاتحاد ونقاباته في حماية منظومة الصحة العمومية ضد الفساد في اطار حماية الاعوان الذين يعتبرون ركيزة المنظومة الصحية، ونحن لن نقبل بانتهاك حق التونسيات والتونسيين في الصحة والحياة.

يجب ان نقوم بدورنا من اجل توعية الرأي العام بهدف الدفاع عن منظومة الصحة العمومية، كما قررنا ان  لا يمس الاضراب التدريس، فاضرابنا هو صيحة فزع على الوضع الصعب للمستشفى العمومي وعلى وجوب التزام الحكومة بتعهداتها والتزامها امام المواطن وحقه في خدمة صحية انسانية.

بعد الاضراب الذي قررتموه يوم 15 جويلية 2020، ماهي الخطوات الاحتجاجية المقبلة خصوصا اذا لم تتعاط السلطات ايجابيا مع مطالبكم المطروحة؟

نحن عقدنا سلسلة من الاجتماعات العامة ولقاء جهات، ونحن مضطرون للاضراب ونريد تجنب التصعيد بحكم نبل مهنتنا، من ناحية اخرى، لنا عدد من المستحقات المالية لم نحصل عليها منذ سنة 2014،  وفي خلال اجتماعاتنا قررنا التصعيد وعدم التنازل عن مستحقاتنا وفي حال لم نحصل عليها فلن ننظم الامتحانات المقبلة وفي سبتمبر المقبل اذا لم يتم الاعتراف بالجانب التعليمي والبحثي والجامعي في مهنتنا فلن نعود الى التدريس اذا لم تعترف بذلك الدولة، وهو ما يجعل الاطباء ضحية امام الاغراءات للهجرة الى الخارج والقطاع الخاص بسبب رداءة ظروفه المادية والمهنية.

نحن نأمل ان تتحلى الحكومة بالرصانة والمسؤولية والاهتمام بقطاعنا حتى لا نجد انفسنا مضطرين لمقاطعة التدريس في كليات الطب.

صور الحوار: كريم السعدي

وفاة الدكتورة احلام بلحاج الكاتبة العامة لنقابة الاطباء الاستشفائيين الجامعيين

 الشعب نيوز/ تحيين - فجعت العائلة الموسعة للاتحاد العام التونسي للشغل اليوم السبت 11 مارس 2023 بوفاة المغفورلها الدكتورة أحلام بلحاج، الكاتبة العامة للنقابة العامة للاطباء الاستشفائيين الجامعيين عن سن لم تزد عن 59 سنة أثر مرض عانت منه منذ مدة ولكنه لم يقعد عن نشاطها المهني ولا عن نضالها النقابي والحقوقي.  شهادة أحلام بلحاج - جلسة الاستماع العلنية 10 مارس 2017 - YouTube

ولدت المرحومة أحلام بالحاج سنة 1964 في قربة، من ولاية نابل، وهي طبيبة نفسيّة للأطفال وأستاذة مساعدة في الطب، شغلت مسؤولية الكتابة العامة للنقابة العامة للأطباء الاستشفائيين الجامعيين إلى حين وفاتها، كما تولت رئاسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات لدورتين.(20+) Facebook

وعرفت الفقيدة بنشاطها التقدمي من أجل الديمقراطية وحقوق المرأة والحريات والمساواة وحقوق زملائها الاطباء باعتبارها الكاتبة العامة لنقابتهم حتى وفاتها.  

رحم الله المناضلة أحلام بالحاج وأصدق التعازي إلى ابنها المحامي يوسف الزغلامي وابنتها الطالبة مريم الزغلامي وخالص التعزية لكافة عائلتها وللأستاذ جلال الزغلامي ولرفيقاتها ورفاقها في كل الحقول النضالية.

يشيع جثمانها الطاهر غدا الاحد 12 مارس بمسقط رأسها بقربة انطلاقا من منزلها الكائن هناك بعد صلاة العصر.

إنا لله وإنا إليه راجعون

وقد نعاها المكتب التنفيذي الوطني في بلاغ خاص مثلما نعاها زملاؤها الكتاب العامون المساعدون في نقابة الاطباء الاستشفائيين الجامعيين. كما نعتها مختلف هياكل الاتحاد والعديدات والعديدون من رفاقها ورفيقاتها وكتبوا بشأنها مرثيات مؤثرة.

صور أخرى للراحلة العزيزة الدكتورة أحلام بلحاج تجدونها في :

https://www.facebook.com/UgttPressGroup