آراء حرة

بعد تسلل الذكاء الاصطناعي، هل مستقبل الصحفي  وصحافة الجودة في خطر؟

الشعب نيوز/ حوار إمّ إيّاد: يستعد عالم الصحافة والإعلام حاليًا لتحولات كبرى واضطرابات عميقة في مهنها وانتاجاتها من خلال التطورات الحديثة للذكاء الاصطناعي (AI) ونتائجه المثيرة للإعجاب، فضلا عما تبشر به التجارب الأخيرة من مزيد من التطورات مع ظهور الشات جي بي تي وميدجورني. لفهم آثار الذكاء الاصطناعي على المهنة وفهم التداعيات المحتملة لهذا العصر الجديد على مهنة الصحافة واستكشاف كيف يمكن للصحفيين التكيف مع هذا العصر الجديد المتوقع، أجرينا الحوار التالي مع  الدكتور سفيان العبيدي أستاذ الإعلام الجديد بعهد الصحافة وعلوم الإخبار والباحث المختص في التحولات التكنولوجية للصحافة والإعلام. نناقش معه آفاق وتحديات الذكاء الاصطناعي على الصناعة الصحفية والإعلامية، وعلى وجه الخصوص المحادثة مع روبوت ChatGPT على الرغم من أن التكنولوجيا تعد بالعديد من المزايا للقطاع، إلا أن بعض الآفاق الأكثر قتامة يشير أيضًا إلى ضرورة تكييف الصحفيين مع هذه التقنيات الجديدة للنجاح ووجود موقع لهم في مهنها وصنعتها.

ككل القطاعات تسلل الذكاء الاصطناعي إلى الصناعة الصحفية والإعلامية، كيف تقرا هذه الطفرة في ما يخص الفعل الصحفي؟

أولا لا بد من الإقرار أنه لا يمكن للصناعة الصحفية والإعلامية أن تستطيع البقاء دون تستغل كل فرص التقنيات الرقمية المتاحة وإلا فإنها ستشهد تراجعًا في نفوذها وتأثيرها لا يمكن إنكاره، ذلك أن سوق الجماهير الجديدة هي داخل هذه الفضاءات الرقمية. لذلك استطاعت صحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست البقاء بل وتعزيز حضورها إذ تستخدم بالفعل خوارزميات متقدمة للتحديد المسبق للعناوين وتوصية القراء بالمقالات بكفاءة أو إنتاج محتوى صحفي بدون تدخل إضافية أو تعديلي من التحرير. بدأت الصحافة الفرنسية أيضا منذ بضع سنوات تحوّلًا رقميًا عميقًا عن طريق إنشاء واستخدام منصات ويب مبتكرة تسمح لها بجذب واحتفاظ القراء وقياس مستوى رضاهم. وعلى هذا الأساس، لا يزال هناك مجال يتم استغلاله إلى حد كبير، وهو استخدام البيانات في التحقيق والكتابة الآلية. سيتم تحقيق هذا التغيير في المفاهيم من خلال التعاون الوثيق والنشط بين صناع الرقميات وصناع الحروف والكلمات. ووفقا لذلك سيتشكل مستقبل الصناعة الثقافة الصحفية. ولكن لا بد من التأكيد كذلك أن خدمات الذكاء الاصطناعي سيعزز العودة إلى جذور الصحافة ذات الجودة من خلال التحري الدقيق وراء بيانات الذكاء الاصطناعي فضلا على تعزيز الحاجة إلى صحافة الميدان وهي صحافة بشرية إنسانية بامتياز وهي صميم صحافة الجودة القائمة على التحري والسؤال وملكة التحليل والتأويل الأكثر تعقيدا من مجرد عمليات حسابية خواريزمية.

أطلقت قناة الجزيرة منذ أيام تجربة الصحفي الروبوت، كيف ترى مستقبل الصحفي الإنسان أمام هذا الهوس بدمج الذكاء الاصطناعي في العمل الصحفي؟

نحن لا نزال في بداية الذكاء الاصطناعي ولكنه واقع وباقٍ وسيتوسع، وبالتالي لا مناص من التدرب والتدريب، سيتعين علينا الاعتماد على هذا الابتكار في الممارسة المهنية. على الصحفي التأقلم وقضاء بعض الوقت كل يوم لتعلم استخدام هذه الأدوات في عمله، حينها سيكون أكثر من غيره محمي من الاستغناء عنه، هذه حقيقة إنكارها سيضع عاجلا أم آجلا أصحاب المهنة في مأزق كبير. التغييرات الجذرية مستقبلًا ستمس كل بيئة العمل والإنتاج ويبدوا التوقع بأن تتحول فئات كاملة من الممارسات الصحفية ويتم تحويلها إلى عمليات آلية شيئا مفروغا منه، لذلك يجب على الصحفيين أن يتعلموا ويتدربوا على الذكاء الاصطناعي وأن يسيطروا على هذه الأدوات الجديدة قدر الإمكان أكثر مما تسيطر هي عليهم.

كيف يمكن للصحفي الاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي هو مساعد جيد جدا للصحفي الذي يعرف كيفية استخدامه ليكون أكثر إنتاجية ودقة، من خلال تحويل الممارسات الروتينية والمتكررة في الصحافة مثل تقارير المباريات أو الطقس، ولكن يجب تجنب الخطأ في الاعتماد بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي حيث يجب دائمًا العودة إلى أساسيات المهنة في التحري والتأكد المعلومات بعد البحث الأولي الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي، فضلا عن الالتزام بأخلاقيات المهنة. كما يجب أن نشير أن القدرات الخارقة لتحليل البيانات للذكاء الاصطناعي لن يمنحه يوما الملكات البشرية في التحليل والنظر أبعد من الأرقام وفهم السياقات المعقدة النفسية أو السوسيولوجية أو الثقافية لموضوع ما أو لضيف ما. كما سيكون في المستقبل تقديرا أكبر لصحافة الميدان في هذا العالم الذي يجتاحه الافتراضي من كل جانب سيكون الصحفي الميداني، الذي يطرح الأسئلة، والذي يحقق ويتحقق ويُحرج ويواجه، أكثر أهمية من أي وقت مضى. في هذا السياق، سيتم تقدير المعلومات الميدانية والحالية وسيؤكد موقع الصحفي الإنسان كشرط دائم لصحافة إنسانية وذات جودة يُحركها الالتزام الأخلاقي البشري الفطري تجاه قضاياه المحلية أو الكونية . يجب أن يكون الصحفي المحقق على دراية بالقواعد الأساسية لممارسة الصحافة في التحقق الدائم من المعلومات حيث يمكن للذكاء الاصطناعي توليد إجابات من بيانات خاطئة، شات جي بي تي مثلا رغم ما يحظى به من إقبال واسع فإنه يجيب إجابات خاطئة تماما في كثير من الأسئلة لذلك يصبح الصحفي الذي يحقق في المعلومات بشكل مباشر مركزيًا وأساسيًا في تقديم معلومات موثوقة وواضحة صادرة عن الذكاء الاصطناعي. بالتالي، ستحتاج الصناعة الصحفية والإعلامية إلى صحفيين مدرّبين على التعامل مع الأخبار المزيفة، وتلاعب المعلومات، والإفادة المضللة والكاذبة، سيكون على الصحفيين العمل على تعزيز المناعة لدى المستخدمين ضد التلاعب، من خلال التثقيف الرقمي للمواطن وتوعيتهم بتحديات العصر الجديد للمعلومات، وإظهار الجوانب الإيجابية والمخاطر المرتبطة بهذه الأدوات الجديدة.

هذا بالنسبة لكيف يمكن للصحفي الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، فماذا عن الصحافة كيف يمكنها أن تستفيد من هذا الذكاء؟

عبر توظيفه لتقديم صحافة متخصصة وعالية الجودة، سيكون هذا التوجه رافعة مهمة لازدهار الصناعة الصحفية والإعلامية. ففي مناخ الرقمنة والذكاء الاصطناعي الشامل، فإن الصحافة "الإنسانية" في جوهرها، في ميولها وانحيازاتها، يمكن أن تكون في قلب طلب الجمهور. ومن الجانب الآخر، سيصبح السوق أكثر تنافسية، وسيتمكن من البقاء فقط الصحافيون الذين يستطيعون استخدام هذه الأدوات في ممارساتهم اليومية، ليكونوا أسرع وأدق في تحليلاتهم، وأكثر ابتكارًا في رسوماتهم التوضيحية. لا شك أن هذه التطورات الجديدة ستتسبب في اضطرابات في مجال الصحافة، لكن المستقبل في عملية إعادة التركيب الكاملة ويتغذى في كل لحظة من كل تكيف جماعي وفردي ومؤسسي.

فهل يهدد "شات جي بي تي" مهنة الصحافة؟ 

لا هو ليس تهديدا. الشات جي بي تي هو نموذج للذكاء الاصطناعي التوليدي، لا يستطيع أن يحل بشكل كامل محل الكفاءات والصفات اللازم توفرها في الصحفي المهني. فالصحافة تتطلب الاستيعاب المعمق لمختلف القضايا، والقدرة على التحقيق، وإجراء المقابلات، والتحقق من الوقائع وتقديم المعلومات للجمهور ضمن سياقها. ويمكن للصحفيين وقاعات التحرير الاستعانة بـ "شات جي بي تي" كأداة مكملة، للحصول على أفكار لكتابة مقالات، أو معلومات أساسية حول موضوع ما، أو حتى مسودات للمقالات، وهذا ما سيمكن الصحفيين من ربح الوقت والتركيز على المهام التي تستوجب خبرتهم، مثل التحقيق وتدقيق الوقائع والتحليل. كما أنه من المهم الإشارة إلى أن "شات جي بي تي" جيد فقط في حدود المعطيات المقدمة إليه. فإذا كانت المعطيات التي يتوفر عليها مغلوطة أو غير دقيقة، فإن ذلك ينعكس في النتائج المحصل عليها. وهذا ما يجعل الحاجة إلى صحفيين مهنيين قائمة دائما، لتقييم المعلومات والتحقق منها، بالإضافة إلى ممارسة توجههم التحريري والأخلاقي. باختصار، فإن برنامج "شات جي بي تي" لا يهدد مهنة الصحافة، بل يمكنه أن يشكل أداة مفيدة للصحفيين المهنيين في عملهم اليومي.

انتشرت منذ عدة أيام على شبكات التواصل الاجتماعي صور تُظهر اعتقال دونالد ترامب أو ماكرون يجلس على القمامة في باريس، وكذلك لأوباما وميركل وتبدو أكثر واقعية من الحياة، كيف تقرأ الجدل الذي أثارته؟

 هذه الصور التي تم إنشاؤها بواسطة برنامج ميدجورني الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي هذه الصور في الواقع إذا كانت هذه الصور تجعلك تبتسم، فإنها تسلط الضوء أيضًا على صعوبة محاربة المعلومات المضللة. هذه الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي (AI) واقعية للغاية، لا نتحدث عن المونتاج أو الصور المزيفة ولكن عن الصور الأصلية التي تم إنشاؤها عبر سرد وصفي يُترجمها الذكاء الاصطناعي إلى صور. هذا يجعل من الصعب اكتشاف الجانب الزائف من المحتوى. وستختفي الأخطاء التي لا يزال من الممكن رؤيتها مع التطور المستمر للبرنامج. هذا يثير بشكل فعال السؤال عما هو صحيح وما هو خطأ وعن الخطر حقيقي الذي تتهدد الحقيقة. يقول صناع ميدجورني أنهم يعملون على محاربة المعلومات المضللة لكن في الواقع عكس ذلك، إنها تفعل ذلك كامتداد لنموذج ليبرالي بحجة نحن نعرض خدمة وبعد ذلك يقوم المستخدم بما يريد. يتمثل خطهم في القول إنهم ليسوا ناشرين للمحتوى ولكنهم مضيفون للمحتوى الذي ينتجه المستخدمون. وفي الواقع  الأمر أكثر تعقيدًا من سياسة عرض وطلب ومن المؤكد سيتطور السجال القانوني والأخلاقي حول هذا الموضوع إلى أن تُسن له الضوابط الأخلاقية والقانونية الضرورية.