تونس تحتفي بمؤسس علم الاجتماع بتحويل منزله لمتحف ابن خلدون
سكاي نيوز عربية/ ليليا رمضان - تعمل تونس على إعادة ترميم وصيانة الكثير من المعالم التاريخية الضاربة في عمق التاريخ والتي تحظى بمكانة مرموقة كجزء من الموروث الحضاري للبلاد وشاهد على مختلف الفترات التاريخية التي تعاقبت عليها.
وتعد المعالم التاريخية الموجودة في قلب العاصمة تونس، على غرار تربة البايات (مقبرة يوجد بها أضرحة بايات تونس في العهد الحسيني) أو أبواب تونس المدينة أوجامع الزيتونة ودار ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع من أبرز المعالم التي أولتها تونس عناية فائقة بترميمها وصيانتها لا فقط لحمايتها والحفاظ على مكوناتها وإنما أيضا لتكون بمثابة روافد للثقافة ومزارات سياحية بالنظر إلى مميزاتها التاريخية وخصائصها المعمارية
مبادرة إماراتية وتنفيذ تونسي
تستعد وزارة الثقافة التونسية للبدء في أشغال ترميم دار العلامة الكبير عبد الرحمن بن خلدون الواقعة في قلب مدينة تونس، وذلك بمبادرة إماراتية، بعد توقيع مذكرة تفاهم مع مركز جامع الشيخ زايد الكبير.
ترمي المبادرة، التي تم الإعلان عنها مؤخرا إلى الاحتفاء بتاريخ واحد من أكبر المؤرخين، وتثمين مكان ولادته، والبيت الذي قضى به فترة طفولته ومزاولة تعليمه كرافد حضاري وتاريخي.
بعد انتهاء أشغال الترميم والصيانة، ينتظر أن يقع افتتاح المتحف ليصبح مزارا حضاريا وسياحيا يؤمه عشاق الحضارة والتاريخ والهندسة المعمارية وتوجد به نسخ من مؤلفات وأعمال ابن خلدون.
ويأتي مشروع إعادة ترميم وتثمين دار ابن خلدون، في سياق إبراز أبعادها الرمزية والتاريخية والحضارية التي تجسد رقي الهندسة المعمارية الكلاسيكية التونسية، كما أنه يرمي إلى إبراز الموروث الثقافي الإسلامي والعربي والمحلي، حيث يأتي اهتمام مركز جامع الشيخ زايد الكبير بهذه الدار باعتبارها معلما إسلاميا وإنسانيا قضى فيه العلامة العربي جانبا من حياته وكان له الأثر الكبير في دوره التنويري في علوم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد والتخطيط العمراني.
كما يبرز الاهتمام بترميم منزل العلامة ابن خلدون الدور الريادي لمركز جامع الشيخ زايد الكبير في إبراز الثقافة والحضارة العربية الإسلامية وحفظها، وإحياء مفاهيمها الزاخرة بالقيم الإنسانية النبيلة، حيث أصبح الاهتمام بالتراث الإنساني في صميم رسالة المركز.
رمزية حضارية ومتحف تاريخي
يقع المنزل الذي ولد فيه مؤسس علم الاجتماع وصاحب كتاب المقدمة، إبن خلدون في نهج تربة الباي، بمنطقة "باب الجديد" وسط مدينة تونس العتيقة، ويعود تاريخ تشييده إلى القرن الثامن للهجرة (14ميلادي).
تتكون دار ابن خلدون، التي بنيت في فترة العهد الحفصي في القرن الثامن الهجري، من طابق أرضي وآخر علوي يحومان حول فناء مكشوف، وقد تم كساء أغلب جدران البيوت والصحن بمربعات الخزف، وقد وقع توظيف هذه الدار من قبل المعهد الوطني للتراث".
أما صحن الدار فهو واسع، مربع الشكل، به سبعة أبواب تفتح على غرف المعيشة، وفي الدار رواقان، في كل منهما ثلاثة أقواس ترتكز على دعائم أسطوانية من الرخام الأبيض. بينما الدرج الرئيسي مبني من الرخام الأبيض، وزينت جدرانه بمربعات خزفية ملونة.
من هو ابن خلدون؟
ولد ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون، المعروف اختصارا باسم ابن خلدون، في أول أيام شهر رمضان للعام 732 للهجرة، في تونس، وتوفي في مصر في 19 مارس 1406 عن عمر بلغ 76 عاما ودفن بمقابر الصوفية.
حفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظافره، ودرس علوم اللغة من نحو وصرف وعلم الكلام واللسان على يد كبار المعلمين بتونس إلى أن أصبح ذا علم وبلاغة كما درس العلوم الشرعية والفقه والحديث والمنطق بجامع الزيتونة المعمور.
من أبرز مؤلفاته في التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع، كتاب "العبر" الذي كان يتكلم بالأصل عن تاريخ البربر، فضلا عن "مقدمة ابن خلدون" وهو أضخم مؤلف للعلامة حيث تناول فضل علم التاريخ.
ويشار إلى أن تونس شرعت منذ أكثر من 5 سنوات في تنفيذ خطة تهدف إلى إعادة ترميم وتثمين عدد من المعالم التاريخية التي تروي فترات مهمة من تاريخ البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتحويلها إلى مزارات سياحية ومتاحف، فضلا عن حمايتها من الاعتداءات ومحاولات التخريب.
وفي أفريل الماضي، أعادت رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، افتتاح معلم ''تربة البايات" ليصبح متحفا تاريخيا ومزارا للعموم من السياح التونسيين والأجانب.
وشملت أعمال صيانة وترميم معلم تربة البايات، وهو متاخم لدار ابن خلدون، فضاءه الخارجي وأروقته الداخلية فضلا عن تركيز لوحات خاصة بتعريف تاريخ العائلة الحسينية، وهي الأسرة التي استمرت على عرش الحكم في تونس من سنة 1705 وحتى استقلال البلاد وإعلان الجمهورية في العام 1957.
وسمي المقام التاريخي "تربة الباي" لكون أضرحة الملوك والبايات في ذلك الوقت لم تكن تسمى مقبرة وإنما تربة، وتضم ما يزيد عن 164 قبرا لأفراد الأسرة المالكة.