ثقافي

علي سعيدان يتحدث "للشعب " عن سمير العيادي وتوفيق الجبالي والاخوين ابراهيم والناصر شمام ومحمد الڨرفي والفاضل الجزيري ومحفله

تونس / الشعب نيوز - نشرت " الشعب " الورقية في عددها الصادر بتاريخ 17 أوت 2023 الجزء الاول من حديث مطوا للاستاذ علي الدويري سعيدان أجراه معه الزميل محمد الهادي الوسلاتي بدعم من الصديقين الكبيرين عبدالواحد المكني والمختار الخلفاوي.

وفي بداية الحديث، قدم محمد الهادي الوسلاتي ضيفه قائلا او بالاحرى كاتبا أنه " وشمة على حبين تونس وهو سيرة ومسيرة، هو بوح الأهازيج المتروكة، هو خزان الكلمة و الراوي لمن تركتهم الحداثة الملعونه و ملحمة أشرقت على التراث الموسيقي في بر تونس. انه  الأستاذ المتعدد علي سعيدان، خريج مدرسة ترشيح المعلمين، درس العربية وعلم الاجتماع والانتروبولوجيا في كل من جامعتي الصربون وفانسان الباريسيتين الفرنسيتين.

هو كذلك خريج مدرسة الفنون والحرف برتبة مهندس من المركز التقني للصناعات الميكانيكية والكهربائية وهو باحث في التراث الشعبي وهو معد برامج تلفزية واذاعية، وبرامج وثائقية عن التراث ، والثقافة الشعبية نقشت في الذاكرة ، هو كاتب وشاعر، ناشط ثقافي، مسرحي وموسيقي.

  عين الزائر، لمكان ما، لا تلتقط ما تختزنه أعين من وُلد وكبُر وعلش فيها

في بداية الحديث، اداب الاستاذ علي عن سؤال تعلق ببرنامج تلفزي كان قد انتجه قبل سنوت، فقال: هي جلساتي مع الصديقين مختار الخلفاوي وعبدالحليم المسعودي، جلسات تطفح باشياء وصور وذكريات أحيانا متصلة بمحاور واضحة وأ حيانا اخرى بصور أو بالأحرى ومضات مختطفة من ذكريات جولاتي التي قمت بها في ربوع " فريڨا " مرابع الصديقين، جولات مع فريق تصوير برنامج رحلة في تراثنا الشعبي سنة 2003.

كما تعلم، عين الزائر، لمكان ما، لا تلتقط ما تختزنه أعين من وُلد وكبُر وعلش فيها ردحا من الزمن، الشيء الذي يجعل ممّا نتبادله فسيفساء من الصور تطفح بالكثير من زمن الطفولة وسنوات المراهقة، من بينها صورة حافلة النقل " التونيزيان" كما كنا نسميها في بعض الجهات و"الاسطاس" في أخرى أو "البوسطة" في غيرها. الحافلة التي كان التلاميذ ينتظرونها بفارغ صبر، وهم يرتجفون من الصقيع أو يحتمون من قطرات المطر تحت شجرة الكالاتوس وأعناقهم مشرئبة نحو المنعرج علّهُمْ يلتقطون الخط الأزرق الذي يزين جنبات التونيزيان وهي تلتهم المعبّد، لتربط مدن وقرى " فريڤا ". وطبعًا لكل منا خارطته الذهنية لهذه القرى.

*- أنت من الجيل الذي التحق نهاية الستينات أوائل السبعينات بباريس، وفي الوقت نفسه شرعت في رحلة عكسية إلى الداخل من خلال الاهتمام بحثا وممارسة بالثقافة المحلية والادب والتعبيرات الشعبية.. كيف كانت هذه الرحلة .؟

من منافع أو مزايا الاغتراب، أنه يدفعنا رغمًا عنّا لمعرفة الآخر حتّى نكتسب "الميكانيزمات" الضرورية للتأقلم في مجتمعه، فهو يستقبلنا بمختلف استعداداته الطبيعية الثقافية والمعيشية من آداب وأناسة. وفي رحلة البحث المعرفية، سواء كانت معرفية في دروس الكلية أو الحياة المهنية والجوار، تجد نفسك مرغمًا أن تعرِّف بنفسك، من أنت؟ وقبل أن تحاصرك أسئلة الآخر باللسان فهي تحاصرك بالنظرات الثاقبة أو برغبة التعرف المؤدبة أو بالفضول الطبيعي تجاه الآخر المختلف هيئة أو لونًا أو تصرفات.

أمام هذا الوضع غير المسبوق، وجدت نفسي مرغما على القيام بالرحلة الاستقصائية والعودة الى الذات بدءً بمن أنا وداخل من نحن. من أنا أي الدويري القادم من تلك القرية النائية في الجنوب التونسي، الدويري الناطق بلغة الأم الأمازيغية ولغة الوطن المزدوجة ولغة المستعمر الذي أعيش في بلده ولغة جارته...

من هنا بدأت رحلتي الاستقصائية عن الأنا ومختلف مكوناته التي تطورت مع السنوات وما حصّلت من المعارف والتجربة العلمية والاجتماعية وخاصة ما حصُل لي في كل رحلة من رحلات العودة للوطن من اكتشافات مع الشعراء والمنشدين والعازفين من مختلف أصقاعه، ما كان يشبع فضولي وفي نفس الوقت يكشف لي مدى محدودية ما تختزنه الأشرطة التي أسجلها في كل مرة.

* من مواقعك وتجاربك المسرحية والشعرية والبحثية كنت تشارك الطلائع الشبابية في أفاق / العامل التونسي، وفي الحركة الديمقراطية والطلابية والنقابية هموم التغيير السياسي والثفافي والاجتماعي.. كيف ترى الآن ذلك المشهد البعيد بقربه .؟

منذ أن سافرت الى باريس كنت رفقة أصدقاء الشبيبة المدرسية سمير العيادي وتوفيق الجبالي والاخوين ابراهيم والناصر شمام ومحمد الڨرفي وغيرهم من الذين كان لنا نشاط مشترك في تونس في المجال الثقافي مسرحي وموسيقي وادبي عموما. وبصورة عامة، تواصل اهتمامنا بالثقافة حتى وإن لم تتوفر لنا الفرص للنشاط بصورة مستمرة لحضور العروض المسرحية سواء منها ما تنتجه المجموعات الناشطة في الهجرة مثل كاتب ياسبن او ما تقدمه الفرق التجريبية مثل ارابال او مسرح الكارتوشري وغيرها.

كما كنا على بينة مما يدور في الاوساط المسرحية والثقافية عموما في تونس. لكن الحياة الثقافية في أوساط الهجرة وبعلاقة بالجهات الموكولة لها تقديم بعض الشيء يربط المهاجرين بالوطن الأم، كانت محدودة للغاية لا ترتقي لما هو أبعد من "البروباڨاندة" السياسية التي تشرف عليها الودادية ولجنة تنسيق الحزب الاشتراكي الدستوري بفرنسا ولا يخرج عن المألوف من الحفلات الموسيقية الحنينية العادية أو الفرقة القومية للفنون الشعبية. وفي حين يعيش الوسط الطلابي الموزع بين دار تونس وإقامات مونسيني وبلانفيل وبوتزاريس في عزلة ثقافية ما عدا بعض العروض الباهتة أو من حين لآخر عرض شريط سينمائي تحتضنه دار تونس في الحي الجامعي .

ستبقى الامور على ما هي الى حدود أوائل فيفري 1972 وعلى إثر انتفاضة الحركة الطلابية في تونس المطالبة بالاعتراف بالقيادة الشرعية للاتحاد العام لطلبة تونس المنبثقة عن مؤتمر قربة 71، حيث وقعت الدعوة لاجتماع إخباري عام بدار تونس تم على إثره الاعتصام بالدار مما نتج عنه دعوة البوليس والقاء القبض على 106 طالبا من المعتصمين، غير انه وقعت هبة مساندة من جانب الطلبة المقيمين بالدار الذين سحبوا الثقة من لجنة المقيمين وصعّدوا لجنة جديدة مساندة للحركة فتحت دار تونس لتتحول الى مساندة لحركة فيفري 72 .

*كيف ذلك أستاذ علي .؟

هذا المنعرج في الحياة الطلابية التونسية في باريس سيفتح مرحلة جديدة للنشاط الثقافي حول مسرحية "القاسم عزاز" جمعت كل من محمد ادريس وتوفيق الجبالي وعلي سعيدان وتوفيق ڨيڨة والراحل رشاد المناعي ومحمد الغربي (من قدماء فرقة الكاف) وراضية الحلواني ونعيمة المهدي ورجاء بن فرج وخالد غربال والشاذلي الشبلي وبصورة عرضية الفاضل الجعايبي.

"لم يكن بالإمكان خلق ديناميكية فاعلة في اتجاه الجالية العربة سواء الطلابية او القكرية او العمالية المهاجرة، دون ان نضع اسس جهاز عمل له صيغته القانونية فضلا على تحديد اهدافه وادوات عمله وتوجهاته وموارده المادية والمعنوية. لاول مرة في الهجرة تجتمع طاقات تونسية خارج الاطر التقليدية السياسية او النقابية للتباحث وصياغة الارضية الفكرية والعملية لانتاج وتوزيع الثقافة العربية في فرنسا تم الاتفاق على تسميتها بلجنة العمل و توزيع الثقافة العربية في فرنسا ( CADACAF).

وحددت المجموعة المؤسسة اهدافها كما يلي: العمل على تعبئة كل الوسائل لمساعدة الجاليات العربية المهاجرة بفرنسا على تطوير كل انشطتها الثقافية، والعمل وعلى نشر الاعمال الثقافية المنتجة في بلدانها وتشريك ابناء البلاد المضيفة في هذا النشاط، بهدف تقوية اواصر التقارب والتضامن"

وتكونت الهيئة المؤسسة بالنسبة للمسرح من: الهاشمي بن فرج، محمد ادريس، علي سعيدان، راضيا الحلواني، نعيمة المهدي، توفيق الجبالي، محمد الغربي، رشاد المناعي، توفيق ڨيڨة، رجاء بن فرج. وبالنسبة للموسيقى من: الهادي ڨلة، حمادي بولعراس، نورالدين القلال"

*وبعد مرحلة التأسيس .ماذا حدث ؟

بعد مرحلة التأسيس، التحقت بالمجموعة عديد من الكفاءات الفنية والتقنية للعروض المسرحية . هذه التجربة ساهمت في فك العزلة والقطيعة الطلابية عن أوساط الجالية العمالية، هذه الديناميكية ستتواصل بأكثر فاعلية وانتشار مولدة أعمالا مسرحية أخرى مثل "المدّاح" و"جحا ما تكونش كاراكوز" بالتحاق عناصر هامة أمثال الراحل أحمد السنوسي وفاطمة بن سعيدان و هيلين كاتزاراس والمنصف ذويب.

*أستاذ علي كثر في المدة الأخيرة بعض الجدل حول عرض افتتاح مهرجان قرطاج( للمبدع ) الفاضل الجزيري .. هل لك من تعليق وأنت المختص في هذا الشأن ؟

للاسف لم أشاهد العرض، لا على المسرح ولا في النقل المباشر على التلفاز ، فبالتالي لايمكن أن يكون لدي ما يكفي من المعطيات حول العرض. لكن، من يدعو، من النكرات الذين لا علاقة لهم بالنقد الفني والعروض المتعددة الأوجه والتركيب، لإسقاط الرموز الفنية في البلاد والتي راكمت لسنوات رصيدا فنبا لا يمكن لاي كان ان يشكك في أهميته. تبرز هذه النعرات والحملات خاصة في العروض الصيفية وفي المهرجانات الكبرى مثل ما كان الأمر مع عرض الثنائي المنصف ذويب والامين النهدي وعرض لطفي العبدلي واخيرا عرض المحفل. طبعا هناك عروض أخرى تتعرض بشكل او بأخر لحملات مشابهه. ويشن هذه الحملات في الواقع أشخاص لا صلة لهم بالنقد ومعرفة قواعده

مع هذا، لقد شاهدت لافاضل الجزيري عرض الحضرة في صياغة جديدة اعتقد انه اتبع نفس المنحى الذي يعتمد "تحيزا فنيا" أي (parti-pris)  وهو المنحى الذي لم يعد يعتمد على "الفنان الشعبي" مباشرة في العرض وإنما على فنانين متعددي الاختصاصات استبطنوا الانشاد والايقاع إضافة الى طاقاتهم لتملك فضاء الركح وتنفيذ ما وقع كتابته ركحيا (الإخراج) من حركة وموسيقى وإيقاعات او إضاءة ومؤثرات صوتية مختلفة وقت التمارين بدقة فائقة، دون ان يبقى اي مجال للارتجال.

من وجهة نظري،اعتقد ان الجزيري اخذ ما يكفي من الوقت منذ عرض "بنّي بنّي" الذي قدّمه بالحمامات في التسعينات، ثم عرض" الزازا " سنة 2005 للخروج من المنحى التاسيسي للاعمال الفرجوية ذات المكون الشعبي التلقائي والذي يعتمد بالدرجة الأولى على "الفنان الشعبي الخام " (محفل 1980، النوبة والحضرة وزغندة وعزوز )، إلى مرحلة المزج بين الفنان الشعبي الخام والممثل المنشد والراقص في آن واحد (الزازا وبنّي بنّي ) إلى المرحلة الحالية التي يعتمد فيها على الممثل المتكامل الكفاءة والمتعدد الوظائف.