الشاعر الفقيد كريم العراقي ليس صاحب البيت "لا تشك للناس جرحا أنت صاحبه "
من أكثر الأبيات الذي نعى بها معشر الفايسبوكيين والفايسبوكيات والتويتريين والتويتريات وعموم ساكنة "الكوكب الافتراضي" الشاعر كريم العراقي للتذكير بفرادته وشاعريته وعظيم عطائه البيت الشهير "لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبُهُ".
هو أمر جرت عليه العادة في نعي المبدعين بذكر جزء من ٱثارهم الفنية الخالدة، سواء كانت شعرا او نثرا، أبياتا شعرية أو مقاطع نثرية، أو أقوال خالدة، أو عناوين كتب ودواوين ومخطوطات أو مسرحيات أو اعمال درامية أو سينمائية..
ولطالما كان الخطأ _ وخاصة تعمد الخطأ _ في نسبة الٱثار بتعدد أجناسها إلى غير أصحابها أو ممارسة "السرقة الأدبية" يعد بمثابة الكبيرة لدى أهل الاختصاص أو العار الذي يلاحق أصحابه، عملا بما تقتضيه "الأمانة الأدبية" من رد الٱثار إلى أصحابها وتبخيس واحتقار من تغريهم الشهرة بسرقة جهد الٱخرين. ( للأسف في زمن التفاهة الافتراضية، تحولت هذه الرذائل الأدبية إلى جزء من الممارسة العام لدى النخب والعامة، وتحولت السرقات العلمية والاكاديمية والأدبية إلى "ممارسة مباحة" والٱثار إلى مجرد "سلعة مستباحة" يتلهى بها التفه وسقط المتاع وعبيد الشهرة لتسول الجامات ولو على حساب الأمانة والنزاهة).
عن قصة هذا "البيت اليتيم" الذي لا يعرف صاحبه وتتعدد الروايات في نسبته للامام علي بن ابي طالب أو للشاعر أبو الطيب المتنبي أو للامام الشافعي أو للشاعر الفقيد كريم العراقي، دوَن الكاتب "الحسن البضن في مقال له بتاريخ 31 جويلية 2019 على موقع الجزيرة "مدونات" (المقال منشور قبل وفاة الشاعر كريم العراقي بـ 4 سنوات وهو ما يمنحه مصداقية) تحت عنوان "قصة بيت الشعر الذي نجهل صاحبه!". وهو عبارة عن حكاية تتبعه لنسب هذا البيت الشعري..
وقد سرد الكاتب حكايته مع البيت منذ نشرته الممثلة اللبنانية " نادين نجيم" عبر حسابها في "تويتر" مذيلة تدوينتها أو تغريدتها بنسبته الى الامام "علي بن أبي طالب"، قبل أن تقوده المصادفة إلى شهادة قدمها الشاعر كريم العراقي نفسه الذي ينسب له البيت إلى أحد أصدقاء الكاتب بعد أن راسله لاستيضاحه عن الأمر، شهادة قطعت الشك باليقين.
فقد أكد كريم العراقي في اجابته عن نسبة البيت اليه بالقول: " لي مع هذا البيت قصة طويلة، وقد أحببت أن أسردها في قصيدتي، لكن يبدو أن كثيراً من الناس مع الأسف لم ينتبهوا لما أوضحته في مطلعها، ولم يقرؤوها بتمعّن". ويتابع حسب ما أورد "البضن"، "هذا البيت الشعري كون يتيم، وأذكره منذ طفولتي حينما كتبه أستاذي في المدرسة على السبورة، وحفظته وأعجبت به، ومع مرور السنوات لم أجد له أصلا ولا نسباً، وذكرته في إحدى قصائدي قديماً، ثم أحببت أن أُكرمه بعدها بقصيدة على وزنه، قلت في مطلعها(كتبها وهو على فراش المرض)؛ "أضحى شِعاري وحفّزني لأُكرِمَهُ … عشرينَ بيتاً لها من مِثلِهِ حِكَمُ، لا تشكُ للناس جرحاً أنت صاحبُهُ … لا يؤلم الجرح إلا من به ألمُ" (انتهى رد كريم العراقي).
رغم أن الشاعر كريم العراقي أقر في شهادته بأنه ليس صاحب هذا البيت، دون أن يؤكد أو ينفي أنه يعود لأستاذه في المدرسة، مكتفيا بالاشارة إلى أن أستاذه هو من كتبه على السبورة، ليبقى هذا البيت "يتيم دهره". فأنه من الأمانة الأخلاقية أن نكرم الفقيد كريم العراقي باعتباره "الأب بالتبني" لأنه من نفخ الروح في هذا البيت وحفظه من الضياع ومنحه الخلود في ذاكرتنا الأدبية، ليجري اليوم على ألسنة كل الناس.
خليفة شوشان