ثقافي

كتاب مرجعي - "المدرسة التونسية من الأزمة إلى إعادة التأسيس"

الشعب نيوز/ نص للأستاذ لطفي صواب المتفقد العامّ للتربية (ترجمة ابراهيم بن صالح إلى العربية لمقال نشر بالفرنسية في مجلة "الليدرز" يوم السبت 2 ـ 9 ـ 2023 عن كتاب لابراهيم بن صالح بعنوان "المدرسة التونسية من الأزمة إلى إعادة التأسيس" منشورات دار علاء الدين ـ صفاقس 2022)

النصّ

من يقرأ كتاب ابراهيم بن صالح المتفقّد العام للتربية والمعنون بـ "المدرسة التونسية من الأزمة إلى إعادة التأسيس "لا يستطيع أن يظلّ لا مباليا إزاء ظهور هذا الكتاب الدسم دسامة باهرة: متانة في المحتويات، وجاهة في التحليل، قوّة حجاجيّة، وجودة لافتة في اللغة والأسلوب.

ظهر هذا الكتاب في الوقت المناسب لكي نتحدّث في مشكلة أساسية في تونس هي مشكلة النظام التربوي التونسي. فقد وقف المؤلّف تشخيصا وتمحيصا عند مختلف مظاهر التربية والتعليم بتونس وحلّل عدّة مفاهيم أساسية ففكّك ثنائيات من قبيل: المدرسة العمومية / المدرسة الخاصة ـ المساواة / الإنصاف ـ مهنة التدريس / رهاناتها ــ اقتصاد السوق / التربية إلخ ...

لقد بنى ابراهيم بن صالح تشخيصا أراده واضحا ومقنعا تسنده وثائق غنيّة ومتنوّعة. فاعتمادا على قوّة تجربته خبيرا في بناء البرامج وصاحب خبرة ميدانية لمدة أربعين سنة، أنجز وعلى مدى كامل الكتاب تشخيصا لا يرقى إليه شكّ كشف فيه أدواء المدرسة التونسية وحدود الإصلاحات التي توالت على مدى عقود من الزمن .

وبعيدا عن كلّ استنقاص لما سبق قدّم المؤلّف اقتراحات جدّية لمعالجة نقائص المدرسة التونسية (انظر الصفحات 131 ـ 132 ـ 137 ـ ـ ) فعل ذلك وهو حريص على التسافي مع القراءة التقنوية لمختلف الإصلاحات التربوية التي عرفتها تونس ( 1958 ـ 1991 ـ 2002 ) لصالح رؤية شاملة للنظام التربوي غايته الأساسية أفق إنسانويّ ومواطني. إنّه رهان المؤلّف من هذا العمل. والكاتب، وهو واع بالرهانات الثقافية والايديولوجية والسياسية للإصلاح التربوي، فإنّه يرفع صوته عاليا وبقوّة بأنّ الهدف الأسمى للتربية هو بناء المواطن المستقلّ والمنفتح والمؤمن بالقيم الإنسانية والكونية.

(تقرأ الكتاب) فلا تفوتك بصمة المؤلّف جليّة في دفاعه عن التعليم وفي الرفع من شأن مهنة التدريس إذ يأخذها على أنها موهبة، بل يذهب بها إلى أنها فنّ. يقول في الصفحة 122: " التدريس هو الفنّ الذي يقول به المدرّس للتلميذ: يوجد شيء داخل نفسك تجهله، وأنا أعرفه، لذلك سأساعدك على إظهاره وعلى تشكيله أو بنائه " إنّه لتعريف جميل ونبيل وأنيق لدور المدرّس. أمّا الفقرات التي خصصها المؤلف للحديث عن "عزلة " المدرّس عند ممارسته مهنته فقد كانت بحقّ فقرات لطيفة وعميقة يظهر فيها المؤلف منتصرا للمدرّس وللتعليم عموما باعتباره قاطرة المجتمع.

أمّا الاقتراحات التي تقدّم بها المؤلّف، فهي منبثقة من تحليل دقيق ولطيف، ومشتقّة من واقع الإصلاحات التي أنجزت حتى اليوم، والتي يعتبرها إصلاحات قامت على اختيارات تقنوية لا تسمح بأخذها إصلاحات جادة. وقد ورد في عدة صفحات من الكتاب وبشيء من التفصيل الكثير من التوصيات الجديرة بالمتابعة. هذا وقد أردف هذا المؤلف بملاحق ذات أهمّية كبيرة (تتعلّق بعملية تنظيم شاملة للنظام التربوي).

مؤلّف ابراهيم بن صالح ينبني على رؤية عميقة وجادة ووجيهة للمدرسة التونسية، وإذا ما قرنّا هذا الكتاب إلى مساهمة الهادي التيمومي الواردة في كتابه "تعليم الجهل والإصلاح التربوي التونسي في عصر العولمة" منشورات دار محمد علي 2016 صفاقس يمكن أن نعقد الأمل في إطلاق نقاش قائم على هذا الجهد الفكري من أجل إنقاذ المدرسة التونسية من الخراب الذي يتربص بها.

إنّ مؤلّف ابراهيم بن صالح عمل يستحقّ القراءة لقوّته الإقناعيّة، وجدير بأن يحتلّ مكانة في مكتباتنا لقيمته المرجعية. إنّ مؤلّف ابراهيم بن صالح عمل يستحقّ القراءة لقوّته الإقناعيّة، وجدير بأن يحتلّ مكانة في مكتباتنا لقيمته المرجعية. أقول هذا لا من باب الإطراء (الزائف) وإنّما لأنّ الذي قلت فيه كان صدقا.