وأخيرا ، فتح أخطر ملف خلال العشرية الأخيرة : 13ألف جمعية دون رقيب وهبات بالمليارات بالعملة الصعبة لمن ذهبت ومن مولت ؟ ولماذا كل هذه الاخلالات في التصرف ؟
من أكثر الملفات المشبوهة خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2020 هو ملف الجمعيات خاصة تمويلها وتوظيفها لغايات سياسية وحزبية ودينية كذلك لغايات ربح المال والاتجار بالقضايا .
وخلال عشر سنوات تم حسب مصادر رسمية إحداث أكثر من 13 ألف جمعية جديدة بلغت ذروتها خلال سنتي 2011 و2012 بإحداث على التوالي 2088 و2868 جمعية ليرتفع بذلك عدد الجمعيات بتاريخ 10 مارس 2020 إلى 23320 جمعية حسب المعطيات المتوفرة لدى مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات. وتمثّل الجمعيات المتواجدة بولايات تونس الكبرى حوالي 32% من العدد الجملي للجمعيات.
ويعتبر التمويل الأجنبي أحد مصادر الدعم المتاحة للجمعيات بموجب المرسوم عدد 88 لسنة 2011 سالف الذكر، إذ بالإضــافة إلى تعدد مصادره المتأتية من دول ومؤسســــــات ومنظمــــــــات وهيئات إقلــــيمية ودولية، تتــــعدد كذلك أساليب هذا الدعم والتمويل سواء من خلال توجيه الدعم المباشر للجمعيات دون المـــــرور بالــــــهياكل العمومية أو في إطار اتفاقيات تعاون دولي أو مخططات إطاريــــــــة للتعـــــــــاون مبرمـــــة بين الدولـــــــة التونسية والــجهات المـــــانحة لتمويل بــــــرامج تنصــــــهر ضمــــنها مشاريع أو أنشطـة.
حكومة بلا معطيات
وتؤكد مصالح رئاسة الحكومة و محكمة المحاسبات أنه لا تتوفّر معطيات شاملة ودقيقة حول حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت بها الجمعيات حيث آلت أعمال محكمة المحاسبات إلى أنّ البيانات التي أفاد بها البنك المركزي التونسي بهذا الخصوص بعنوان سنتي 2017 و2018 والتي ترتفع على التوالي إلى 27,668 م.د وإلى 17,078 م.د لا تمثّل تباعا سوى 41% و22% من حجمها المحتسب حسب المعطيات المتوفرة لدى المحكمة والذي لا يقل على التوالي عن 68 م.د و78 م.د.
والغريب في الأمر غياب التنسيق بين الوزارات وعدم متابعة برامج التعاون الدولي من قبل وزارة الشؤون الخارجية والوزارة المكلفة بالتعاون الدولي إضافة إلى محدودية التنسيق بينهما إلى عدم تحديد مبلغ التمويلات الأجنبية التي تحصلت عليها الجمعيات في إطار التعاون الدولي بالدقة اللازمة فضلا عن تشتت المعلومات المتوفرة في الغرض بين مصالح الوزارتين.
تمويلات من المانيا وتركيا وقطر اين ذهبت ؟
كما لا تتوفر لدى وزارة الشؤون الخارجية بيانات بخصوص التمويلات التي تحصلت عليها الجمعيات في إطار اتفاقيات التعاون الدولي التي تولت الوزارة إبرامها على غرار المشاريع الممولة من جمهورية ألمانيا الاتحادية ومن الجمهورية التركية ومن دولة قطر و 566 جمعية تتلقى 31 مليارا سرا .
و الأغرب من كل هذا أن 566 جمعية لم تلتزم بإعلام الكتابة العامة للحكومة بتلقيها تمويلات أجنبية المصدر ونشر التفاصيل المتعلقة بها بإحدى وسائل الإعلام. ولا تتوفر لدى الكتابة العامة للحكومة الآليات الضرورية للتفطن لكل المخالفات المرتكبة بهذا الخصوص وتسليط العقوبات المستوجبة وهو ما يثبته عدم علمها بتمويلات أجنبية للجمعيات لا تقل مبالغها عن 31,8 م.د.
ولم تلتزم 10 جمعيات من بين 22 جمعية أجابت على الاستبيان بمسك سجل المساعدات والتبرعات والهبات فضلا عن أنّ الكتابة العامة للحكومة لم تتلق تقارير مراقبي الحسابات لما عدده تباعا 84 و88 جمعية من بين 93 جمعية و90 جمعية ثبت لمحكمة المحاسبات تجاوز تمويلاتها الأجنبية 100 أ.د خلال سنتي 2017 و2018 وذلك في غياب توفّر الآليات التي تمكّن الكتابة العامة للحكومة من التفطن إلى الإخلالات المذكورة.
اين ذهبت المليارات ؟
بناء على المعطيات التي وفّرها البنك المركزي التونسي (فيما يلي البنك المركزي) لمحكمة المحاسبات، تحصلت الجمعيات على حوالي 184 م.د في شكل مساعدات وهبات أجنبية خلال الفترة الممتدة من جانفي 2010 إلى موفى جويلية 2019. وارتفع مبلغ التمويلات الأجنبية للجمعيات من 1,8 م.د خلال سنة 2010 إلى 33,7 م.د خلال الأشهر السبع الأولى من سنة 2019. وخلال الفترة الممتدة من جانفي 2012 إلى موفى جويلية 2019 استأثرت 45 جمعية(1) من بين 1385 جمعية انتفعت بتمويل أجنبي بما نسبته 56% من جملة التمويلات الأجنبية منها 41 جمعية متواجدة بولايات تونس الكبرى وهو ما يعكس تفاوت النسيج الجمعياتي بين الجهات فيما يتعلق بقدرته على استقطاب التمويلات الأجنبية وعلى تصميم المشاريع الجمعياتية وتنفيذها.
ومكّن فحص البيانات التي وفرها البنك المركزي من الوقوف على محدوديتها وعدم شموليتها نظرا لعدم تضمنها المعطيات المتعلقة بالتمويلات الأجنبية التي تحصلت عليها الجمعيات خلال الثلاثي الأخير من سنة 2017 والثلاثي الأول من سنة 2018. وقد أرجع البنك المركزي ذلك لأسباب تقنية كما اقتصرت البيانات التي وفّرها البنك المركزي والمتعلقة بالفترة 2012-2017 على التحويلات المالية الأجنبية التي تمت عن طريق 13 مؤسسة بنكية ولم تشمل 5 بنوك ثبت للمحكمة انتفاع الجمعيات من خلالها بتمويلات أجنبية.
تمويه في تسجيل اسماء الجمعيات
وفضلا عن ذلك، تعتبر البيانات التي وفرها البنك المركزي للمحكمة غير قابلة للاستغلال حيث لا تمكّن في غالب الأحيان من التعرف على الجمعية المنتفعة بالتمويل الأجنبي إذ يتم تسجيل اسم الجمعية في كل مرة بطريقة مختلفة أو يتم الاكتفاء بتسجيل جزء من اسمها أو الحروف الأولى منه بحيث تتطابق الأحرف المدرجة أحيانا مع تسمية أكثر من 50 جمعية على غرار تضمّن تسمية 316 و195 جمعية تباعا مفرد أمل ونور. كما شابت البيانات المذكورة أيضا صعوبة في التعرف على الجهة المموّلة بالرغم من أهمية هذه المعلومة في تحديد برنامج التعاون الدولي الذي تندرج في إطاره التمويلات المتحصل عليها من قبل الجمعيات.
وآلت مقاربة البيانات المتحصل عليها من البنك المركزي مع المعطيات التي أفضت إليها الأعمال الرقابية للمحكمة(1) إلى الوقوف على عدم تضمنها تمويلات أجنبية قدرها 29,310 م.د تخص السداسي الثاني من سنة 2018 تعلّقت في حدود 2,816 م.د بفرع جمعية قطر الخيرية بالإضافة إلى تحويلات لفائدة 79 جمعية مبلغها الجملي 26,328 م.د تندرج في إطار البرامج المموّلة من الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة 2013-2019. فضلا عن ذلك، تحصّلت 4 جمعيات خلال الفترة 2012-2019 حسب البنك المركزي على تمويلات بقيمة 12,470 م.د في حين ترتفع هذه التمويلات إلى 32,461 م.د حسب إفادة هذه الجمعيات أي بفارق نسبته 160 بالمئة.
عشرات المليارات من المليمات
وفي نفس السياق، آلت أعمال المحكمة إلى أنّ حجم التمويلات الأجنبية بلغ بعنوان سنتي 2017 و2018 حسب البيانات التي أفاد بها البنك المركزي على التوالي 27,668 م.د لفائدة 183 جمعية و17,078 م.د لفائدة 153 جمعية في حين يرتفع حجمها المحتسب حسب المعطيات المتوفرة لدى الإدارة العامة للجمعيات والأحزاب السياسية برئاسة الحكومة إلى 55,360 م.د لفائدة 238 جمعية في سنة 2017 و58,819 م.د لفائدة 213 جمعية في سنة 2018. علاوة عن ذلك، تعوز الشمولية المعطيات المتوفرة لدى الإدارة العامة المذكورة حيث ثبت للمحكمة عدم تضمّنها مبالغ لا تقل عن 12,5 م.د و19,3 م.د بعنوان تباعا سنتي 2017 و2018 لم يتم أيضا إدراجها ببيانات البنك المركزي. ولا يمثّل بالتالي حجم التمويلات الأجنبية التي استفادت بها الجمعيات المحتسب حسب البيانات التي وفّرها البنك المركزي بعنوان سنتي 2017 و2018 تباعا سوى 41% و22% من حجمها المحتسب حسب المعطيات المتوفرة لدى المحكمة والذي لا يقل عن 68 م.د و78 م.د .
كل هذه المعطيات تكشف أهمية فتح ملف الجمعيات والهبات التي دخلت تونس بعد2011لمعرفة ماذا كانت مقاصدها وماهي أهدافها الحقيقية ومن تحصل عليها .ويتم حاليا لدى جهات مختصة التمحيص في هذا الملف خاصة وأن العديد من تلك الجمعيات كانت مجرد بوابة للارهاب و للجريمة المنظمة و لتغيير النمط المجتمعي. ويتم حاليا التدقيق فيها بين مصالح وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة و البنك المركزي والبنوك.
كل هذه المعطيات يكشف السر الذي وراء هذه الجمعيات التي تتصرف بالمليارات من العملة الصعبة ولكن دون تقارير ودون رقيب وهو ما جعل قيس سعيد يقرر فتح الملف بشكل سريع وعاجل.
أبو خليل