محاكمات النقابيين/ سوسة 054 : هل عثر على اي من المتهمين بحالة تلبس محاولا الاعتداء على المكاسب والاشخاص
كانت محاكمة النقابيين بسوسة منبرا للمحامين حتى يدحضوا كل التهم ومن بينهم الاستاذ عمارعمار الذي سأل هل تم العثور على اي واحد من المتهمين بحالة تلبس او ماسكا للسلاح محاولا الاعتداء على المكاسب والاشخاص
* الاستاذ عمار عمار
تواصل محكمتكم الموقرة منذ ايام عديدة وبكل صبر وجهد النظر في هذه القضية التي يمثل فيها أمامكم نخبة من شباب امتنا وقواها الحية بتهم خطيرة وعديدة لم تكن لتخطر لهم على بال لانه لم تكن لهم فيها يد ولا تدبير ويتابع الرأي العام والشعب بمختلف فئاته هذه المحاكمة عن طريق الصحافة التي التزمت اكبر قدر من التحري والامانة في نقلها وتغطيتها لمداولات واشغال المحكمة وبالخصوص صحف دار الصباح التي حرصت والتزمت مشكورة بابلاغ حقيقة الاحداث للرأي العام الذي بات الان ينتظر من جناب محكمتكم الاصداع برأيها وحكمها العادل وانصاف هؤلاء الابرياء بتبرئة ساحتهم ورد اعتبارهم اذ لا ذنب لهم سوى الانتساب لمنظمتهم النقابية العريقة (اتحاد الشغل) هذه المنظمة ذات الامجاد التليدة التي اقترنت بتضحية واستشهاد رائدها وزعيمها الشهيد حشاد في سبيل عزة واستقلال وكرامة تونس ابان الكفاح التحريري الذي خاضه الاتحاد جنبا الى جنب مع الحزب وبذل البطولات التي خلدها التاريخ ابتداء من حوادث 5 اوت الى حوادث النفيضة الى اخر شهيد على درب الكفاح والمقاومة الوطنية حتى الاستقلال واسترجاع العزة والكرامة.
وبعد الاستقلال، من الطبيعي ان يتجه الاتحاد الى مواصلة رسالته المتمثلة في الدفاع عن حقوق العمال والطبقة الشغيلة ولتحقيق العدالة الاجتماعية وهو الهدف الذي اسس من اجله وبدون شك فان تحقيق العدالة الاجتماعية ليس بالامر السهل نظرا لارتباط ذلك بعوامل متعددة اقتصادية وسياسية واجتماعية ونتيجة لتلك العوامل والمؤشرات كان لزاما ان تختلف وجهات النظر بين الاطراف المعنية حتى في مفهوم العدالة الاجتماعية ذاته وحفاظا على الوحدة القومية والمسيرة الوطنية اعتمد الحوار فكان الحوار واستمر احيانا وتعثر احيانا اخرى نتيجة لاختلاف وجهات النظر لكن الاحداث تطورت فجأة لتأخذ منعرجا آخر ومتاهات وذلك اثر تهديد الامين العام بالقتل في تلك الجلسة الملعونة التي وصفت بالخمرية فنالتها لعنة الخمرة وخبثها وجاء اضراب 9 نوفمبر احتجاجا على ذلك التهديد او المحاولة غير الميدانية او غير المباشرة ثم استقالة الامين العام من الحزب بعد نضال طويل في صفوفه يفوق الـ 40 عاما وتوالت الاحداث والايام حاملة معها شحنات من التأزم وتصعيد الموقف فكان الاعتداء على مقرات ومكاتب الاتحاد الجهوية بسوسة وعدة مدن اخرى ثم جاء اضراب 26 جانفي واحداث ذلك الخميس وجاءت هذه القضية حاملة المتهمين لتضعهم في قفص الاتهام فماذا جنوا وماذا فعلوا؟ ولماذا تعطلت لغة الكلام لتحل محلها لغة الاعتداءات.
المتهمون بمن فيهم المسؤول عن الاتحاد الجهوي وموظفوه والكتبة وجدوا انفسهم يوم 26 جانفي محاصرين بمقر الاتحاد بعد ان منعوا من الخروج منه اما الدخول فمسموح به وهم في حصارهم ذلك وعزلتهم عن العالم الخارجي تماما بعد قطع الهاتف والضوء هل هم مسؤولون عما حصل بالمدينة بتهمة الدعوة للاضراب والخطب التي القيت بمقر الاتحاد؟..
وهل عثر على«مم؟ لا.. وهل بارح المتهمون مقر الاتحاد ونزلوا للشوارع وقادوا المظاهرات او بالتحريض على الاعتداء والقي عليهم القبض اثناء ذلك؟ لا.. وهل ان الالواح والعصي والسلاسل والمحجوز كله وقع حجزه عندهم وهم في حالة تلبس؟ لا... وهل اطلقت نيران من المسدسات المحجوزة او استعملت او ضبطت عند المتهمين؟لا، اذن من اين جاءت هذه التهم الخطيرة، بعد الحصار الذي ضرب على مقر الاتحاد ووقع اقتحامه في ساعة متأخرة من الليلة الفاصلة ما بين 26 و27 جانفي، والقي القبض على المتهمين وبدأت التهم تنهال على رؤوسهم (حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح والتحريض على التجمهر المسلح بالطريق العام ومسك مستودع من الاسلحة والذخيرة) وجاءت ادلة الاتهام متمثلة في المحجوز والمناشير:
1) الحديث عن المحجوز يطول لكني لن اطيل اذ من الناحية القانونية نعتبر وان قرار الحجز غير قانوني ولا يمكن اعتماده كقرينة تدين المتهمين وقد تحدث عن هذه الناحية العديد من الزملاء باطناب.. واما من الناحية المادية للمحجوز اقول إذا كان هذا المحجوز يمثل مستودعا من الاسلحة والذخيرة وهو لا يخرج عن كونه فواضل من اللوح والاخشاب المتبقية من كراسي وطاولات و«صرافة» وعكاز وعصي وقوارير فاني اخشى ان تكون هذه التهمة متوفرة بصفة جماعية او عمومية وتشمل كافة البشر تقريبا، فهل ان كافة المواطنين يعتبرون ماسكين لمستودع من الذخيرة. عجبا ان كل تلك الالواح والاخشاب والقوارير والعصي لا يخلو منها اي محل لا في المدينة ولا في الريف.. اما قوارير ماء الفرق فانها بريئة تماما من التهمة الملصقة بها دون دليل او سند، تلك التهمة التي كيلت لها على اساس انها ستستعمل لاغراض عدائية في حين انها جعلت للتنظيف ولو كانت تنطق وسئلت لصرحت وصرخت بهذه الحقيقة عالية فلماذا اذن تقول ان الغاية منها انما هي غاية عدائية تطهيرية والحال انه لا يكاد يخلو منزل منها ولا دار ولا مؤسسة، واما القوارير والقول بانه وقع التفكير في صنع مفرقعات بها وان التجارب اجريت بنجاح فاني اعتبر هذه الرواية شبيهة بالخرافة الخيالية المجنحة.. اذ كيف صنعت وكيف جربت والحال ان مقر الاتحاد لا يبعد الا بضعة امتار وخطوات على ادارة الامن بسوسة؟ هل اصبح صنع المفرقعات والمتفجرات بهذه السهولة في بلادنا.. لا والف لا انما السهولة في القول والوصف والتلفيق وليس هذا بغريب ما دامت الاسماء لا تطلق على مسمياتها، وما دامت اللوحة المربوطة بجعبة اصبحت مدفعا والعكاز سلاحا والقارورة الفارغة قنبلة. ان كل من يقارن بين الوصف المكتوب والمشاهدة المجردة، لا يملك الا ان يأسف ويستغرب ويحزن كذلك، واما السلاسل فقد اكد المتهمون دورها بعد الهجوم على مقر الاتحاد واما السيوف فحقيقتها على اغمدتها اذ انها سيوف اثرية لم تسل من اغمادها ابدا بل انها كانت محنطة كالمومياء الفرعونية ولكن كتب لها ان تقوم من مرقدها وتقدم شاهدا على دور لم تقم به وكذلك الامر بالنسبة للسلاح الناري الذي تبرأ منه كل المتهمين ولم يثبت من الابحاث ولا من تصريحات المتهمين امام المحكمة مسك او حمل اي واحد منهم له، اذن اين مستودع الاسلحة الذي قامت من اجله القيامة وروّج عنه الكثير...؟
وعلى كل فإن فصول الاحالة كلها لا تنطبق على اي واحد من المتهمين اذان التهم الواردة بها غير متوفرة الاركان القانونية والقصد الجنائي لا وجود له وفكرة حمل الناس على مهاجمة بعضهم بعضا لم تخامر ذهن اي كان اذ العبرة بالافعال والمقاصد وليس هناك اي افعال مادية قام بها المتهمون لتحقيق تلك الغاية.
وبالنسبة للمنوب عبد العزيز ضيف الله اود ان الاحظ انه قام بحكم عمله وبموجب وظيفته كمستكتب بالاتحاد الجهوي باحضار وثيقة شراء مواد غذائية وتطهيرية من المغازة العامة بموجب اذن من رئيسه ولا يسعه الا تنفيذ الصفقة التي ليست هي الاولى من نوعها كما ان قيامه برقن مسودة من تقرير قدم له من متعلقات عمله الذي يباشره بالاتحاد منذ سنوات وان القاء القبض عليه وهو مباشر لخطته ووظيفته كمستكتب لا يمكن تفسيره الا بما يعبر عنه (شنقة مع الجماعة خلاعة) اذ لا تهمة يمكن ان توجه اليه من جراء تواجده بمقر عمله والدليل على انه لم توجه له اية تهمة فتمّ اطلاق سراحه بعد يوم ثم سرعان ما اعيد القاء القبض عليه من جديد دون جديد في الامر بحيث ان التهم لا يمكن ان تنطبق عليه وان قيامه بواجبات وظيفته لا يمكن ان تنجر عنه اية مسؤولية كانت لكونها كانت في حدود الشرعية.
واختتم الاستاذ عمار عمار مرافعته بالتوجه الى ضمير المحكمة ووجدانها الاصداع بالحقيقة واقرارها اذ لا سلطان على المحكمة الا الله والقانون.
ملاحظة هامة:
نرجو ممن تتوفرعنده صور شحصية للمحامين الذين ذكرنا أو الذين سنذكر في الحلقات القادمة ان يمدنا بها حتى ننشرها تكريما لهم وتقديرا لعملهم.