انتصــارا لغـ.ز.ة .. من أجل جبهــة حقوقيــة لمحاكمة مجرمي الحرب ا.لـ.صـ.هـ.ا.يـنـ.ـة
الشعب نيوز / الأستاذ نعمان مزيد - في النضال السياسي ، وخاصة حين يتعلق الأمر بمعارك التحرر الوطني ، لا يكفي تحقيق الإنتصار العسكري على الأرض ، بل لابد من روافد أخرى تتعلق بالجبهات الثقافية والإعلامية وخاصة الحقوقية .
النجاح في تحقيق نتائج على هذه الجبهات من شأنه أن يساهم في خلق حاضنة دولية وخاصة على مستوى الشعوب وقد يشكل ضغطا مهما على الحكومات والمنظمات الدولية ، وهو تحدّ ضروري لكل حركة تحرر وطني .
في وضعية الحال ، حققت عملية " طوفان الأقصى" انتصارا نوعيا للمقاومة الفلسطينية ستكون له تداعياته الكبيرة على تغيير موازين القوى وقواعد الإشتباك في المرحلة القادمة .
ولكــــن ..
على المستوى الإعلامي والدولي ، لم تكن النتائج بالدرجة نفسها ، حيث نجد الخطاب ا.لـ.صـ.هـ.يـ.و.نـ.ي والرواية ا.لـ.صـ.هـ.يـ.و.نـ.يـ.ة للأحداث هي الطاغية ، بل إن بعض الحكومات الأوروبية ولأول مرة تتجرأ على منع حق التظاهر وفي منحى فاشي لجأت إلى تجريم التظاهر المساند لفلسطين .
المطلوب اليوم البحث عن آليات ووسائل تساهم بشكل نوعي في تغيير ميزان القوى الإعلامي والحقوقي .
كيف السبيل إلى ذلك ؟
إضافة إلى المعركة الإعلامية التي ينبغي أن يتجند لها خبراء الصحافة والإتصال التقدميون ويقدموا ما ينبغي فعله ، اعتقد جازما أن المعركة الحقوقية (والتي بدورها قد تكون مادة لحملة إعلامية مقاومة)تفرض نفسها اليوم .
إن ما تقوم به اليوم الدولة ا.لـ.صـ.هـ.يـ.و.نـ.يـ.ة على أراضي غـ.ز.ة من تدمير شامل وتقتيل للمدنيين وحصار يشمل الغذاء والماء والكهرباء ، وتهجير للسكان واعتداء على المستشفيات وسيارات الإسعاف وقتل الطاقم الطبي تمثل جرائم حرب في نظر القانون الدولي الإنساني .
المعركة الحقوقية في هذا الصدد ينبغي ان تتأسس على النصوص الدولية الضامنة لحقوق الإنسان بمختلف مجالاتها ، ولعل أهم هذه النصوص :
أولا : اتفاقية جينيف الرابعة لسنة 1949 وبروتوكوليها .
ثانيا : النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 .
تنص اتفاقية جينيف الرابعة في المادة 3 على منع عدة أعمال تعتبر محظورة ومنها الإعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب ، كما أن المادة 18 من نفس الإتفاقية تنص على أنه " لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى .."
من ناحية أخرى تنص المادة 23 " على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل مرور جميع رسالات الأدوية ومستلزمات العبادة المرسلة حصرا إلى سكان طرف متعاقد آخر ."
الأكثر من هذا تلقي الإتفاقية على دولة الإحتلال " واجب أن تعمل لأقصى ما تسمح به وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية.."
ولا يتسع المجال لعرض كل التزامات الدول في حالة الحرب وخاصة التزامات الدولة المحتلة .
بالنسبة للقانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإنه يحدد في الفصلين 7 و8 قائمة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ، وجل الأعمال المحظورة في اتفاقية جينيف تدخل تحت طائلة هذه القائمة مع إضافة جرائم أخرى تشمل أفعال خارج أوقات الحرب مثل " اضطهاد أي جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية ..إلخ " و" تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم بما في ذلك عرقلة الإمدادات الطبية ..إلخ"
إن كل الجرائم التي ترتكبها الدولة ا.لـ.صـ.هـ.يـ.و.نـ.يـ.ة بمختلف أجهزتها العسكرية والأمنية على سكان غـ.ز.ة والتي لا تعد ولا تحصى تقع تحت طائلة القانون الدولي ، والمفترض أن تكون هنالك مبادرة لتتبع الجناة امام المحكمة الجنائية الدولية ، والمفترض ان تتقدم الدول أو الحكومات الحريصة على تطبيق القانون الدولي بهكذا دعوى ، ولكن " فاقد الشيء لا يعطيه " ..
لم يبق إذن من خيار سوى تكوين جبهة حقوقية مقاومة من المجتمع المدني على ارضية القانون الدولي .
صحيح نظام روما الأساسي لا يسمح للأفراد بٌإثارة الدعوى الجزائية مباشرة أمام المحكمة الجنائية الدولية ، ولكنه يسمح بتقديم معلومات للمدعي العام بتلك المحكمة لكي بتعهد بإجراء تحقيقات تكون أساسا لتعهد المحكمة لها كجرائم .
المطلوب اليوم التقاء المنظمات الوطنية والهيآت المهنية وعلى رأسها الهيئة الوطنية للمحامين لتونس والإتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها من أجل تكوين فريق قانوني مختص يقوم بإعداد ملف قانوني لملاحقة قادة الدولة ا.لـ.صـ.هـ.يـ.و.نـ..يـ.ة دوليا ، والإستفادة من تجارب دولية سابقة (تتبع بينوشي رئيس الشيلي سابقا، وتتبع مجرمي الحرب في رواندا ..إلخ) .
على أن يكون هذا العمل مرفوقا بحملة إعلامية واسعة وخاصة لدى النقابات وهيآت المحامين في الخارج والمنظمات الحقوقية في العالم ..
هذه معركة ينبغي أن تخاض ليس فقط من أجل الإنتصار لأهالي غـ.ز.ة ولمقاومتها الباسلة ، بل انتصارا أيضا للحق والعدل وعدم الإفلات من العقاب ..