دولي

الطبوبي يكتب لأمين عام الاتحاد الدولي للنقابات مطالبا بإدانة الاحتلال والاستيطان والإقرار بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني

تونس/ الشعب نيوز - وجه الاخ نورالدين الطبوبي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، اليوم الجمعة 20 اكتوبر 2023 رسالة الى الرفيق لوك تريانفل الامين العام للاتحاد الدولي للنقابات، وريث الكنفدرالية العالمية للنقابات الحرة التي يعرفها التونسيون عامة تحت مختصر " سيزل."

وبطبيعة الحال تعلقت الرسالة بالوضع في فلسطين المحتلة وتحديدا منه في غزة الواقعة منذ نحو اسبوعين تحت وابل من القصف الصاروخي والحصار الجائر. وقدم الاخ الامين العام لرسالته بالتذكير بماضي العلاقات بين المنظمتين ونضالهما المشترك من اجل اعلاء قيم الحق والعدالة والسلام.

وفي هذا الصدد، نقرأ في الرسالة: 

الرفيق لوك تريانفل الأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات

أود في البداية أن أهنئكم مرة أخرى على انتخابكم أمينا عاما لمنظمتنا الدولية العتيدة وأن نعبر لكم عن استعدادنا الكامل للعمل معكم من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة في كل أرجاء العالم وسعيا لإقامة مجتمعات تسودها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتنتصر فيها مبادئ الحريات العامة والفردية والحقوق الكونية للإنسان في أي مكان ودون تمييز على قاعدة الخصوصيات الثقافية والعرقية والعقائدية ومناصرة قضايا العدل والمساواة في العالم. ولا شك أنكم تدركون أن أولى حقوق الإنسان الأساسية هي حقه في الحياة الكريمة الآمنة وهو ما ينطبق أيضا على الشعوب في حقها في الاستقلال وتقرير المصير والسلام مثلما نص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ والأهداف التي تأسّس من أجلها الاتحاد الدولي للنقابات الحرة (CISL/ICFTU) سنة 1949 والذي يعتبر الأصل الذي انحدر منه الاتحاد الدولي للنقابات في مؤتمر فيانا سنة 2006.

مع تونس من اجل الاستقلال

وفي هذا الصدد سيذكر الشعب التونسي وسيسجل التاريخ وقوف الاتحاد الدولي للنقابات الحرة (ICFTU/CISL) بكل مكوناته وبكل التزام وقوة لدعم عمال وشعب تونس في نضالهم ضد الاستعمار الفرنسي من أجل نيل الحرية والاستقلال والحق في تقرير المصير.

والاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتبر من النواة المؤسسة للاتحاد الدولي يدين للICFTU/CISL بمساندته النشيطة لاستقلال تونس وحرية شعبها، كما يدين له كذلك وقوفه إلى جانبنا من أجل إطلاق سراح النقابيين التونسيين والدفاع عن استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل وذلك حين تعرّض هذا الأخير للقمع سنوات 1965 و 1978 و 1985.

وبالمقابل ظل اتحادنا دوما وفيا لمبادئ العمل النقابي الحر والمستقل مستجيبا بصورة فعلية لكل دعوات الدعم وكل حملات التضامن التي أطلقها الاتحاد النقابي الدولي مع الحركات النقابية سواء التي تعرضت للقمع أو تلك التي كانت بحاجة للمساعدة والتدريب وبخاصة في إفريقيا والبلدان العربية. ونحن فخورون بما أثمره العمل المشترك بيننا على مدى عقود لتطوير العمل النقابي المستقل والوقوف إلى جانب المضطهدين والمظلومين في منطقتنا العربية والإفريقية وبالعالم ونأمل المواصلة على هذا النهج تأدية لرسالتنا النقابية والإنسانية.

مع فلسطين منذ 1948

  ومن منطلق هذه المبادئ التي تجمعنا يقف الاتحاد العام التونسي للشغل مع الشعب الفلسطيني بكل قوة منذ بداية مأساته سنة 1948 عندما تم تهجيره بالقوة من أراضيه ليحل محله مستوطنون غرباء عن فلسطين التي كانت تخضع آنذاك للانتداب البريطاني، قادمين من كل قارات العالم بعد أن منحتهم الأمم المتحدة قسرا حوالي ثلثي أراضي فلسطين التاريخية ليؤسسوا عليها كيانا خاصا بيهود العالم. وهو كيان ما انفك يتوسع منذ ذلك التاريخ ويستولي على المزيد من أراضي الفلسطينيين وأراضي بعض الدول المجاورة بالحرب وبالتهجير وبمصادرة الأراضي وإنشاء المستوطنات عليها في خرق صارخ لكل القرارات الأممية وللقانون الدولي بما في ذلك للقرار 181 نفسه الصادر عن الأمم المتحدة والذي أنشأ هذا الكيان والذي نص أيضا - رغم حيفه وظلمه - إنشاء كيان فلسطيني في نفس الوقت.

وها قد مضت 75 سنة والشعب الفلسطيني يطالب بأن يعترف العالم بحقوقه الوطنية المشروعة وأن يدعم كفاحه من أجل إقامة دولته المستقلة بإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان والإقرار بحق اللاجئين بالعودة إلى وطنهم.

وبرغم كل الجهود التي بذلت من أجل إحلال السلام العادل والشامل وبرغم عشرات القرارات الأممية في هذا الاتجاه إلا أنّها بقيت حبرا على ورق في غياب إرادة دولية لتطبيق القانون الدولي والانتصار للحق وللعدل وهو ما شجع "إسرائيل" على الاستمرار في سياساتها التوسعية والقمعية منشئة جدار الفصل العنصري لعزل الفلسطينيين في الضفة وفارضة لحصار مقيت على فلسطينيي غزة استمر منذ 16 عاما.

فريزو وعرفات في تونس

 بعد اللقاء الذي جمع بتونس سنة 1991 وبجهد مشترك مع الاتحاد العام التونسي للشغل بين الرفيق انزو فريزو الأمين العام للسيزل آنذاك والزعيم الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (PLO/OLP) زار الرفيق غاي رايدر والرفيقة شاران بيرو الأمينين العامين السابقين للاتحاد الدولي للنقابات الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من مرة ووقفا على حقيقة معاناة الشعب الفلسطيني جزاء السياسات القمعية والعنصرية والخروقات القانونية والاعتداءات اليومية وما يلحق الفلسطينيين من مظالم وإهانات يومية ومن قمع دموي للاحتجاجات من قبل سلطات الاحتلال بما حول الضفة وقطاع غزة إلى سجن كبير مفتوح لا يمكن إقامة أي نشاط اقتصادي أو اجتماعي به أو حتى التنقل منه وإليه إلا بإذن من هذه السلطات بما في ذلك تنقلات الرئيس عباس نفسه وهو ما يشكل إذلالا متعمدا واحباطا ممنهجا للشعب الفلسطيني ونذكر خاصة زيارة الرفيقة شارن بيروو إلى غزة سنة 2016 مرفوقة بوفد نقابي دولي لمعاينة حجم الدمار الذي أصابها جزاء القصف. إن تفاعل الاتحاد الدولي مع القضية الفلسطينية والحوار الذي دار على مدى سنوات مع الفاعلين الفلسطينيين والحركة النقابية الفلسطينية جعل من مواقف الاتحاد النقابي الدولي أكثر توازنا وانصافا بما عزّز من حضوره في المنطقة العربية بالتحاق غالبية النقابات العربية به وساهم في تقدم كبير على مستوى الحريات النقابية بالمنطقة.

موقف أزعجنا

غير أن ما أزعجنا هو الموقف الأخير للاتحاد النقابي الدولي حول ما يجري في غزة وهو موقف سبق أن وصفته بالفاقد للموضوعية والمنحاز للاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وهو ما يمثل تراجعا كبيرا في مواقف الاتحاد ITUC/CSI التي عبرت عنها في لوائح وقرارات مؤتمراته الدستورية ومن ضمنها مؤتمر برلين سنة 2014 قرارات تضمنت إدانة لاحتلال فلسطين ودعوة إلى تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالحق الفلسطيني بما فيها دعم قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس كما تضمنت إدانة إقامة جدار الفصل العنصري والدعوة إلى وقف المستوطنات وتفكيكيها والدعوة إلى إعمار غزة.

إن الحركة النقابية هي قوة سلام وتضامن ولكن وكما جاء في إعلان فيلادلفيا فلا سلام حقيقي دون عدالة. ولقد غابت العدالة الدولية في حق الشعب الفلسطيني بسبب سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها الدول العظمى المتحكمة في القرار الدولي وبسبب تجاهل القرارات الأممية والقانون الدولي وغياب أي ردع لجرائم الاحتلال وممارسات الغطرسة وفرض الأمر الواقع التي يعتمدها بل إنّ هذه الدول بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ترفض حتى مجرد قرار بوقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية بغزة.

ابادة جماعية

هذه المواقف الداعمة بصورة مطلقة للاحتلال وللاستمرار في الحرب شجع جيش الاحتلال على مواصلة القصف وتطبيق سياسة الإبادة الجماعية والحرمان من الماء والكهرباء والأدوية مما أدى باستمرار إلى سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء حتى ناهز عددهم اليوم 4280 مدنيًا إضافة إلى حوالي 13400 جريحا أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء باعتراف من المنظمات الدولية المنتصبة بقطاع غزة.

ويأتي قصف مستشفى المعمداني بغزة ليلة 17 أكتوبر 2023 والذي خلف حوالي 500 شهيد أغلبهم من المهجرين من مخيمات اللاجئين شمال غزّة ليعطي مرّة أخرى صورة حقيقية على ما يتعرض إليه الشعب الفلسطيني وسكان غزة بالخصوص من تقتيل متعمد ومحاولات لاقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم أو إفنائهم حيث تأتي هذه الجريمة الجديدة بعد أن طالب نتنياهو سكان غزة بإخلاء بيوتهم وأراضيهم والتوجه جنوبا في اتجاه الحدود المصرية. إن مجزرة المستشفى هي في الحقيقة رسالة موجهة للفلسطينيين الذين خيروا البقاء في أراضيهم وبيوتهم تقول لهم أن المستشفيات والمدارس ومقرات الأمم المتحدة لن تحميكم ولا خيار لكم إلا مغادرة غزّة والبحث عن دول مجاورة تأويكم.

سياسة المكيالين

 إن غياب العدالة ومواصلة اعتماد سياسة المكيالين والتنكر للحق المشروع للشعب الفلسطيني في نيل الحرية وإقامة دولته المستقلة، فضلا عن المأساة التي يعانيها العمال الفلسطينيون، لن يزيد سوى من منسوب التطرف والعنف ولن يؤدّي إلا لاتساع رقعة الصراع والأحقاد بالمنطقة ونشوب المزيد من الحروب وسقوط المزيد من الضحايا الأبرياء

إنَّنا انضممنا بكل اعتزاز إلى الحركة النقابية الحرّة منذ حوالي 73 سنة لأننا نؤمن بدور الاتحاد النقابي الدولي في نشر قيم السلم والعدل والتضامن بين الشعوب دون تمييز وهذا ما قام به الاتحاد ICFTU/CISL تاريخيا ونرغب في أن يحافظ اتحادنا على مبادئه و هويته ودوره تجاه عمال العالم وشعوبه ومن هذا المنطلق فإنّنا ندعوكم أيها الرفيق إلى إدانة صريحة للعدوان على الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف القصف والحصار على غزة وعودة المهجرين إلى ديارهم ومع دعوة فورية لوقف إطلاق النار وإعادة تزويد سكان غزة بالكهرباء والماء وفتح المعابر لإدخال الأغذية والمواد الطبية والتحقيق الجدي والمحايد في مجازر الإبادة التي حصلت وبخاصة بمستشفى المعمداني لمحاسبة المجرمين.

ادانة الاحتلال

كما أننا ننتظر من منظمتنا الدولية إعادة التأكيد على إدانة الاحتلال والاستيطان والإقرار بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وذلك انسجاما مع المواقف التاريخية للاتحاد النقابي الدولي وللمقررات ولوائح مؤتمراته. وسيعمل الاتحاد العام التونسي للشغل على عقد قمة نقابية في القريب العاجل للاتحادات النقابية العربية المنضوية بالاتحاد الدولي للنقابات للنظر في تطور الأوضاع بالمنطقة ولتقييم موقف الحركة النقابية الدولية من القضية الفلسطينية وما يحدث في غزة. ننتظر منكم تفاعلا إيجابيا وتقبلوا أيها الرفيق فائق عبارات التقدير.

الأمين العام نورالدين الطبوبي