مذكرات العميد منصور الشفي(9) حول أزمة 1965: احمد تليلي يتدخل 17 مرة في البرلمان لدحض التهم
الشعب نيوز/ وثائقي - نتعرف في هذه الحلقة على بقية تفاصيل الاطوار التي سبقت احالة الزعيم الحبيب عاشور على التحقيق في حادثة الباخرة كما رواها أو بالاحرى كتبها عميد المحامين الاستاذ منصور الشفي لجريدة الشعب سنة 2009 بطلب من رئاسة تحريرها آنذاك.
يوم 8 جوان 1965، يكتب الاستاذ العميد: " رجعت الى تونس رفقة رابح محفوظ وبقي الحبيب عاشور بصفاقس مع فخر الدين الكاتب على ان يقوما بإجراء اختبار على السفينة المحترقة وبناء على ذلك طلب الحبيب عاشورالترخيص له بذلك من والي صفاقس آنذاك محرز بن الامين الذي لم يمكنه من طلبه.
كما تم الاتفاق يومها بين الحبيب عاشور وفخر الدين الكاتب على تحرير عقد تأمين للباخرة المحترقة جعل له تاريخ سابق بيومين واعتبر ذلك فيما بعد من طرف حاكم التحقيق ان ذلك من بين مثبتات التدليس وطلب الحبيب عاشور من رابح عطية ان يسلّم شيكا به مقدار اربعة الاف دينار لفخر الدين الكاتب مقابل بوليسة التأمين لكن هذا الشيك حجز على فخر الدين الكاتب في نفس اليوم من طرف حاكم التحقيق وكان ذلك منطلقا لقضية شيك دون رصيد وكان ذلك امرا غريبا لأنه لم يقع عرض الشيك على البنك للخلاص ورفضه حتى تستقيم جريمة الشيك دون رصيد.
" اعط ها السيد اوراق الشركة "
وفي اليوم نفسه اي يوم 8 جوان 65 علم الحبيب عاشور ان حاكم التحقيق أحمد شراقة قد قدم الى مقر شركة إحياء جزر قرقنة وذلك لاجراء تفتيش بمكاتب الشركة فالتحق به اين وجده يطالب مدير الشركة رابح عطية بتسليمه أوراق تخص الشركة.
ولما خاطب الحبيب عاشور مدير الشركة بالقول: (إعط لها السيد الاوراق التي يطلبها على ان يسلمنا وصلا فيها) اعتبرت كلمة (ها السيد) كلاما جارحا للسيد حاكم التحقيق ووجهت له اثرها تهمة (هضم جانب موظف اثناء تأديته لوظيفته) وأصبحت بالتالي موضوع محاكمة لاحقة.
وفي نهاية اليوم غادر الحبيب عاشور صفاقس ليلتحق من جديد بأعمال الدورة السنوية للمكتب الدولي للشغل بجينيف.
بلاغ من الحكومة حول الحادث
وبتاريخ 11 جوان 65 نشرت وكالة الأنباء الرسمية بلاغا جاء فيه: (أصدرت الحكومة التعليمات اللاّزمة للقيام ببحث إداري وعدلي يستهدف معرفة الاسباب التي انجرّ عنها الحادث الأليم الذي تعرضت له الباخرة (الحبيب) بعرض مياه صفاقس يوم الاثنين 7 جوان الجاري ويرمي ايضا الى استقصاء الظروف كافة التي تحوم حول هذا الحادث، وقد تعهدت المحاكم العدلية بهذه القضية وتم الى حد الان إيقاف السيد رابح عطية مدير شركة إحياء جزر قرقنة كا أدّى البحث الى العثور على مخالفات قانونية تتعلق بتأمين الباخرة المتضررة مما ادى الى إيقاف السيد فخر الدين الكاتب مدير تعاضدية التأمين التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل وإيقاف المسمّى ـ بيار كهياص ـ اليوناني الجنسية ومدير شركة لإعادة التأمين.
واعطت الحكومة تعليماتها الى السلط المعنية حتى تواصل الابحاث في النطاقين العدلي والاداري بكل حزم وتوضح المسؤوليات وتنار جميع الجوانب المحيطة بالموضوع.)
وعلمنا فيما بعد انه إثر الحادث مباشرة اي في نفس يوم وقوع الحادث (7 جوان 65) قرّر الحبيب بورقيبة ان تجرى محاكمة الحبيب عاشور بصفاقس فطلب من محمد فرحات الوكيل العام للجمهورية بأن يتابع الموضوع ليشرف بنفسه على تسيير القضية وفي نفس اليوم اصدر محمد فرحات تعليماته لوكيل الجمهورية بصفاقس بأن يطلب من القضاء التحرك بسرعة وشدّة وأن يطلب فتح أبحاث في الموضوع ويعهد بالقضية لحاكم تحقيق.
وقع الاختيارعلى حاكم التحقيق احمد شراقة الذي لم يخيّب ظنّهم وبدأ عمله بإستنطاق فخر الدين الكاتب مُصدرا بطاقة إيداع ضدّه، وكانت التهمة الموجهة لفخر الدين هي فقط جريمة التدليس لأنه قام بإمضاء عقد تأمين مكذوب حسب زعمهم بين شركة التأمين الاتحاد التي يديرها وبين شركة إحياء جزر قرقنة. اما التهم الاخرى كجريمة الشيك دون رصيد وغيرها فقد أضيفت فيما بعد.
عودة الى جينيف
وكما سبق ذكره، فإن الحبيب عاشور وبعد ان غادر صفاقس يوم 8 جوان التحق بندوة المكتب الدولي للشغل بجينيف حيث التحق بأحمد التليلي الذي كان هناك ضمن وفد الاتحاد، وقد قاما بإعلام السيزل بما يدبّر للحبيب عاشور.
أمّا في تونس، فإن محمد فرحات الوكيل العام للجمهورية أعدّ ملف رفع الحصانة عن الحبيب عاشور الذي كان عضوا بالبرلمان، وأحيل هذا الملف على وزير العدل الهادي خفشة الذي قدّم طلبا لرئيس مجلس النواب في الغرض.
وتلقى الحبيب عاشور وهو في جينيف وفي أواخر شهر جوان إعلاما بوجوب الحضور بمجلس النواب الذي سيتداول في رفع الحصانة عنه.
ويوم جلسة رفع الحصانة، خاض الحبيب عاشور صحبة صديقه أحمد التليلي معركة حامية الوطيس قام فيها أحمد التليلي بأخذ الكلمة سبعة عشرة مرّة، وحاولا إقناع مجلس النوّاب بالخلفيات التي تقف وراء التهمة المفتعلة لإستيلاء السلطة على المنظمة، وما كانا ليستطيعا إقناع اعضاء مجلس كان الفضل في وجودهم هناك للحبيب بورقيبة.
وأسفر التصويت عن أن ثلاثة من النواب فقط رفضوا رفع الحصانة وهم: أحمد التليلي ورابح محفوظ وعبد العزيز بوراوي .أما البقية الباقية فصوتوا مع رفعها.
التحقيق بعد رفع الحصانة
ومن الغد، تلقى الحبيب عاشور استدعاء للحضور لدى حاكم التحقيق بصفاقس يوم 1 جويلية 1965 فخاطبني بالهاتف واتفقنا على أن أتوجه معه الى صفاقس بعد ظهر يوم 30 جوان، أي بعد أن يحضرهو والتليلي جنازة الطيب المهيري الذي دفن بالجلاز وأبّنه الرئيس بورقيبة.
وعندما كنا في طريقنا الى صفاقس، كان أحمد التليلي في طريقه الى أوروبا والذي بمجرد ان بلغها حتى أدلى بتصريح ندّد فيه بما يحاك للاتحاد العام التونسي للشغل وامينه العام الحبيب عاشور.
في اليوم الموالي، بدأ التحقيق مع الحبيب عاشور بحضوري وحضور الاستاذ محمد بلّونة وهو من أشهر المحامين وأقدرهم، وكان قد كلّفه أحمد التليلي قبل سفره بالدفاع عن الحبيب عاشور.
لقد كان الحبيب عاشور مستعدا كأحسن ما يكون للمواجهة، فقد كان مقتنعا مسبقا بأنه سيسجن ولذلك سلّم لاحمد التليلي توكيلا يخوّله الحضور باسم المنظمة الشغيلة في المؤتمر الذي سينعقد في هولندا لاختيار امين عام جديد لمنظمة السيزل.
وكان النوري البودالي الذي وقع الاختيار عليه ليتولى منصب الامين العام للاتحاد مؤقتا هو الذي قاد الوفد الذي يمثل الاتحاد المتركب من محمود بن عزالدين والحبيب بن ميلاد الذي كان كاتبا عاما للاتحاد الجهوي للشغل بتونس العاصمة.
الاتحاد يصوت ضد احمد تليلي
وعلمنا فيما بعد ان أحمد التليلي قدم ترشحه للأمانة العامة وكانت نيجيريا هي التي رشحته ليتنافس مع اومير بيكي البلجيكي الجنسية، وكان هذا الترشح قد القى بظلاله على العلاقة بين الرجلين.
لقد كان ترشح أحمد التليلي مدعوما من طرف جورج ميني زعيم النقابات الأمريكية وممثلها بأوروبا إيرفينغ براون.
وعند التصويت، وقف الوفد التونسي ليؤيد عمر بيكي ضدّ أحمد التليلي.
وكان الحبيب عاشور في نفس الوقت نائبا لرئيس السيزل، وكان من المتوقع ان تقف المنظمة معه الى حدّ القطيعة مع الإتحاد العام التونسي للشغل لكن السيزل اختارت الابقاء على عضوية الاتحاد العام مهما كانت القيادة التي تتولى تسييره وبقطع النظر عن مدى استقلاليتها.