الإعلامي محمد اليوسفي: نحتاج في تونس اليوم إلى صحافة المقاومة.. والكرونيكورات مجرد مرتزقة
الشعب نيوز / صبري الزغيدي - هو صحفي استقصائي ومقدم برامج اذاعية وتلفزية عرف طيلة السنوات الماضية خاصة من خلال تقديمه البرنامج السياسي "هنا تونس" على موجات إذاعة ديوان اف ام يشرف منذ 2020 على إدارة تحرير فريق موقع "الكتيبة" الذي بات رقما صعبا في المشهد الإعلامي التونسي وحتى العربي في مجال صحافة الجودة.
في هذا الحوار الجريء والشيق، نستضيف الإعلامي محمد اليوسفي ليحدثنا عن تجربته الصحفية وموقفه من المشهد الحالي في القطاع الإعلامي.
- ابتعدت منذ أكثر من سنة عن التقديم الاذاعي هل هو غياب أم تغييب؟
لا هذا ولا ذاك منذ استقالتي من إذاعة ديوان اف ام تفرغت لمشروع العمر بالنسبة لي وهو موقع الكتيبة في وقت وجيز تمكنا كفريق الكتيبة من تقديم مواد صحفية جادة وعميقة لاقت استحسان الجمهور.
نحن اليوم نؤسس لتجربة فريدة في مجال الصحافة البديلة أنجزت الكتيبة تحقيقات عديدة أعتقد أنها دخلت تاريخ الصحافة الاستقصائية في تونس من أوسع الأبواب ونحن اليوم نعكف على وضع استراتيجية تحريرية جديدة شكلا ومضمونا من أجل التوسع والتطوير ومزيد تقديم مواد صحفية مختلفة عن السائد.
بخصوص العمل الاذاعي أنا حاليا أخوض تجربة رائعة مع إذاعة السيدة اف ام وهي في صميم فلسفتي ورؤيتي للعمل الإعلامي الذي يجب أن يكون بالضرورة مدافعا عن حقوق الإنسان.
كانت لنا عديد الأعمال المشتركة بين الكتيبة والمعهد العربي لحقوق الإنسان الذي يدير راديو السيدة اف ام ومن المؤكد بالنسبة لي أن هذه الشراكة الاستراتيجية قابلة للتطوير.
- تجربة موقع الكتيبة تثير الكثير من الاهتمام والجدل في الآن ذاته لا سيما بخصوص التوجهات التحريرية وخاصة بعض التحقيقات التي بدت وكأنها كانت في خدمة أجندة السلطة الحالية في علاقة بمحاربة الفساد. ما تعليقكم؟
لا أعتقد أن هناك علاقة بين هذا وذاك نحن نعمل بشكل مستقل والانتقادات الضعيفة حسا ومعنى من هذا القبيل تصدر من هذه الجهة ومن تلك
عندما ننجز تحقيقات بخصوص الفساد والتهرب الضريبي مثلا يقولون أنتم بصدد التعاون مع السلطة. وعندما ننجز تحقيقات حول الوضع الحقوقي والقضائي والاجتماعي يقول البعض الآخر أنتم تعملون ضد السلطة.
الكتيبة في تقديري عصية عن مثل هذه التصنيفات السطحية وقد أثبتنا أن بوصلتنا بالأساس هي الحرية وأخلاقيات المهنة والحقيقة.
هذا الجدل حول الخط التحريري للكتيبة هو دليل قاطع على استقلاليتها عن أي جهة سياسية. الكتيبة ولدت من رحم حاجة اجتماعية ملحة لصحافة بديلة وجادة ومستقلة وهي ستبقى دائما على هذه الشاكلة .
- كيف تقيم المشهد الإعلامي الحالي؟
في الحقيقة، الوضع الحالي محزن ويبعث على القلق نحن نخسر يوميا العديد من مساحات الحرية هناك تضييق واضح على حق النفاذ إلى المعلومة المشهد الإعلامي يتجه نحو الانهيار أخلاقيا ومهنيا واقتصاديا.
بعد 25 جويلية 2021 عاد الإعلام العمومي إلى بيت الطاعة واليوم نشهد استهدافا غير مسبوق للإعلام الخاص.
صحيح أن أزمة القطاع الإعلامي هي نتاج للعشرية الماضية لكن السلطة الحالية هي الآن بصدد الاجهاز على أي نفس تحرري ممكن ،فضلا عن غياب أي رؤية اصلاحية ديمقراطية .
في ظل المرسوم 54 سيء الذكر ، أصبحت أبواب السجون مفتوحة على مصارعها أمام الصحفيين.
مؤسف جدا ما يحدث لزملاء مثل خليفة القاسمي وشذى الحاج مبارك وزياد الهاني وغيرهم.
الوضع خانق ومحبط ومخيف لكن يجب أن نقاوم نحن اليوم نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى صحافة المقاومة.
صحافة تقاوم انحرافات السلطة وشعبوية قطاعات واسعة من الجمهور والنخب السياسية بما في ذلك المعارضة ورداءة النموذج الإعلامي السائد الذي خرب دور الصحافة وأخلاقياتها وقام بتهميش الصحفيين المهنيين.
أنا أتضامن مع كل ضحايا سياسة قمع الكلمة الحرة.لكن في المقابل يجب أن نقوم بنقد ذاتي وأن نصارح الجمهور بأن جل من يتصدرون المنابر الإعلاميةحاليا وحتى في الماضي القريب هم لا علاقة لهم بالصحافة وأخلاقياتها.
الصحفيون المهنيون اليوم للأسف يدفعون ضريبة خيارات أصحاب المؤسسات ولوبيات الاشهار الذين خربوا المشهد الإعلامي بظاهرة البرامج الترفيهية والكرونيكورات الذين هم في غالبهم مجرد مرتزقة ومجموعة من التافهين الذين يقتاتوا من القنوات الاذاعية والتلفزية وينشرون التفاهة والتسطيح مقابل خدمة مصالح ضيقة.
يجب أن يعود الإعلام إلى الصحفيات والصحفيين.
النظام الإعلامي الذي أفرزه الانتقال الديمقراطي في تونس بصدد الاحتضار ويجب أن نفكر من الان في البديل .
في تقديري الكتيبة وغيرها من التجارب يمكن أن تكون جزءا من هذا البديل .
- ماذا تقول في الختام؟
أود أن أشكر زميلاتي وزملائي في موقع الكتيبة وفي مقدمتم الزميل وليد الماجري الذي كان خير سند لي في هذه التجربة الرائعة التي تعلمت منها الشيء الكثير وأيضا أتوجه بالشكر للأصدقاء في راديو السيدة اف ام الذي بات يشق طريقه بثبات من أجل تعزيز صحافة حقوق الإنسان في تونس.
رغم قتامة الوضع سأبقى دائما متفائلا لأنه على هذه الأرض ما يستحق الحياة .
الأزمة الأخيرة في غزة الحبيبة تعملنا منها الكثير وأجمل وأنبل الدروس هي تلك التي رشحت عن صمود الزميل وائل الدحدوح الذي برهن أن مهنة الصحافة رغم قساوتها تبقى من أنبل المهن الحبلى بالرسائل والمسؤولية، فحينما يعلو صوت الصحفي الحر الحامل لمبادئ وقيم نبيلة لا صوت يعلو فوقه بما في ذلك صوت آلة الحرب والقتل والدمار.