النظام الرسمي العربي في مواجهة وهم السلام
الشعب نيوز / صبري الرابحي - كشفت الحرب الأخيرة على غزة تباين الهوة بين الأنظمة العربية وشوارعها التي تثبت كل يوم تمردها على إتفاقيات السلام المتأرجح مع الكيان الصهيوني.
هذه الحرب كشفت وهم السلام في سردية دولة الإحتلال الماضية أكثر من أي وقت مضى في تركيز دولتها المارقة على جغرافيا الأرض والمحرّفة منذ قديم الزمان لتاريخها.هذا الطرح بدأ يظهر أكثر للعيان من خلال ملامح الخريطة الجديدة.
* خريطة الشرق الأوسط الجديد
إنتبهت الأنظمة العربية متأخرة أن أهداف العملية العسكرية على غزة تهدف إلى رسم حدود جديدة للكيان الصهيوني متاخمة لجمهورية مصر العربية وتحويل رفح إلى نقطة التماس الأصلية.
هذا التخطيط المفضوح ليس جديداً بل هو إستكمال لما بعد الإنفصال الأحادي وتولية مصر على معبر رفح بحكم التوازنات الإستراتيجية لتصبح متحكمة في المنفذ الرئيسي لمرور الأفراد والمساعدات.
كان هذا التخطيط يرمي إلى إجبار مصر على تولي المسألة الأمنية خاصة تسليح المقاومة وتحويل القطاع إلى منطقة حكم ذاتي منزوعة السلاح تمهيداً لبسط النفوذ عليها في ساعة الصفر والإستفادة من الإنفصال السياسي بين إدارة رام الله وسلطة حماس على غزة.
هذا الهدف أصبح اليوم ضرورياً بالنسبة للكيان الصهيوني بعد تأكده بعد عملية طوفان الأقصى أنه لم يحقق أهداف الإنفصال وعزلة القطاع بالشكل الذي يخوله الإطمئنان على قدرات المقاومة وتحميل المسؤولية لمصر دون سواها.
* إحراج النظام الرسمي العربي
لم يكن الموقف الرسمي العربي بعيداً عن تمشي المهادنة التاريخية والتمسك بالشرعية الدولية تحت مقتضيات حل السلام الحذر.هذه المرة تفاجئت العواصم العربية بخروج مواطنيها بشكل غير مسبوق للتنديد بالهجوم الوحشي على قطاع غزة في ظل الصمت العربي الذي زاد في إحراجه خروج مظاهرات عدة في عواصم مختلفة فضلاً عن المواقف النوعية لدول أمريكا اللاتينية وخاصة موقف دولة جنوب إفريقيا التي علّت سقف الممانعة والموقف وإستعملت العدالة الدولية كأحد أجنحة الشرعية الدولية لإدانة الكيان.
هذه التحولات التاريخية جعلت من النظام الرسمي العربي في وضعية ما بين مواصلة الصمت أو التنديد أو استخدام ما يتوفر من وسائل رمزية لمناصرة الحق الفلسطيني في فرصة مهمة ومفصلية من تاريخ الصراع العربي الصهيوني.
* تحويل وجهة الموقف نحو قيادة المفاوضات
في نفس إطار التعامل مع مجريات الأحداث أخذت بعض الدول العربية زمام المبادرة لقيادة مفاوضات وقف إطلاق النار ونقصد هنا كلا من قطر ومصر وهو توجه منقوص ما لم يفضي إلى سلام دائم وليس إلى إستراحة محدودة لإدارة الصراع مثلما حصل في الهدنة الماضية.
هذه المساعي بالرغم من أنها تقوم على تأبيد الوضع كما هو من حيث حثّ الكيان الصهيوني على إيقاف مجازره وفي نفس الوقت الحفاظ على قدرات الردع لدى حماس وسلطتها على القطاع وهو ما يبدو أنه يتعارض راديكالياً مع تعاطي الكيان الصهيوني مع مفاجأة طوفان الأقصى بما هي تحوّل نوعي في الصراع نحو آفاق الندّية والردع المستدام وخاصة بسط شروط التفاوض وفقاً لرغبة المقاومة في تحرير غزة وهو ما يعد منطلقاً لتحرير كل الأرض.
يبدو أن الأيام القادمة ستكون أكثر إحراجا للنظام الرسمي العربي الذي أضاع مثالية الحفاظ على السلام ولم يعد قادراً على الإقناع بها كما لم يقنع يوماً بجديته في حسم الصراع التاريخي.