ثقافي

تقديم كتاب: "روح الأنوار" لـ"تزيفيتان تودوروف"

الشعب نيوز/ عبدالباسط بن حلول الشريف -  نتابع تقديم مجموعة من الكتب تفضّل الأستاذ عبد الباسط الشريف المتفقّد العام في الفلسفة تمكين الشعب نيوز من نشرها، مشكورا

 تقديم كتاب: "روح الأنوار" لـ"تزيفيتان تودوروف" تعريب حافظ قويعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مات الإله وانهارت الطوباويات ولا مناص من البحث عن الإطار المفهومي المنظّم لفكرنا ولسلوكنا. على هذه الارض يتأسّس السؤال عن الأنوار وعن روحها بماهي أفكار ومفاهيم موجّهة لا لفكرنا فحسب بل وأيضا لتصرّفاتنا.

      حين نستعيد روح الأنوار لا نستعيد فقط الحقبة التاريخية المقدّرة تقريبا بثلاثة أرباع القرن السابقة للثورة الفرنسية والتي تشكّلت فيها المفاهيم الأساسية للأنوار وشكّلت المنعطف الأهم في تشكيل الهويّة الأوروبية ذات البعد الكونيّ، بل نستعيد مشروعا. وحين نستعيد ما كتبه مفكّرو وفلاسفة وحقوقيو أوروبا في تلك الحقبة لا نأمل في أن تكون تلك الاستعادة قادرة على حلّ المشكلات التي استجدت بعد عصرهم. لكن فهم فكرهم على نحو أعمق يساعد على تمثّل ذلك المنعطف والاستفادة منه في مواجهة حاضرنا. لهذا اختار تودوروف العودة على المفاهيم الكبرى والخطوط العريضة للأنوار.

    يقف الكاتب على الصعوبات التي تعترض تحديد مشروع الأنوار والتي تعود إلى أن عصر الأنوار يجد إرهاصاته وأسسه في عصر سبقه (يسائل تودوروف فكرة القطيعة وإن لم ترتق مساءلته إلى جذرية "جيلسبي" في كتابه "الجذور اللاهوتية للحداثة" الذي كنّا قدّمناه سابقا) وإلى الطابع السجالي لفكر الأنوار، ففكرها لم يقم على الاجماع بل على النقاش.

       يمسك تودوروف بثلاثة أفكار أساسية موجّهة للمشروع ويتابع تحليلها واستخلاص نتائجها وهذه الأفكار هي: الاستقلالية والغائية والإنسانية.

      لا يغفل وهو يفكك الأفكار الكبرى للمشروع ويواجه كيفيّات تجديدها في مواجهة التحوّلات الكبرى لعالمنا المعاصر( مثلاً ما تمثّله العولمة الاقتصادية والإرهاب من إشكالات لفكرة الاستقلالية)، لا يغفل عن استعادة أشكال النقد للأنوار والتي يعود بعضها إلى فهم "كاريكاتوري" للأنوار وبعضها الآخر إلى سوء توظيف الدول الغربية للأنوار وإلى مسؤولية التوجّهات الاستعمارية لتلك الدول، ويضعنا أمام ورطة "كوندوروسيه" وسوء نيّة "بول لوروي بوليو" وحصافة ونباهة "مونتيسكيو"، وهو ما يحيلنا على التوجّهات المختلفة في الفكر السياسي الفرنسي في القرن التاسع عشر حيث كنّا في مواجهة ثلاث "مدارس" للأنوار: "الأنوار" الاستعمارية التي مثّلها "جول فيري" "الأنوار" الديمقراطية التي عبّر عنها "غومبيتا" و"الأنوار" الاجتماعية التي ارساها "جون جوراس" واستلهم أصولها من اليعاقبة والمونتيارد والسون كيلوت رواد تيار ثورة 1789 ( هذا التقسيم لم يقمه تودوروف على نحو صريح ).

 تودوروف لا يخفي نزعته الإنسيّة، ومشروعه لا يبتعد عن الفهم القائل بأن الأنوار مشروع لم يكتمل ولم يستنفد كلّ ممكناته.