ثقافي

قراءة في كتاب "السياسي والديني في المجال الإسلامي" لشريف الفرجاني او عندما يتفجرالفكربحثا وتمحيصا ومراجعة

الشعب نيوز/ الهادي دحمان - عندما يصدر الشريف الفرجاني مقالا أو كتابا، تأكد أن عصارة فكره قد تفجرت بحثا وتمحيصا ومراجعة ومقارنة وأن إشكالية الإصدار إستفزت المؤلف الذي يجيد الجدل والمنازعة الفكرية في دور المثقف العضوي الملتزم بقضايا الإنسانية والوطن والطبقات الإجتماعية ذات الصلة ببحثه المتمادي في المراكمة والتنوع لغة ومضمونا ومحورا فكريا.   
ولقد دابت على تقديم كتب الشريف الفرجاني والتعليق عليها بجريدة الشعب التابعة للإتحاد العام التونسي للشغل حيث تناولت سابقا مؤلفه حول النيوليريالية والثورة المحافظة بالتقديم بحضور الكاتب ونشر مقال حوله نظرا لأهمية في علاقة ببعض الإصدارات التي تناولت مفاهيم الثورة / ثورة في علاقة بالمسار التاريخي والدلالات السياسية والثقافية والمواضيع الإجتماعية بعيدا عن القراءة المتحجرة والمتمترسة وراء حجاب الإيديولوجيا في معناها التوظيفي والبرجماني.

حدث فكري ومناظرة ملتزمة وغير محايدة
وحيث أن الشريف الفرجاني لا يكتب للمجاراة ولا تهمه النتائج والمخرجات بقدر ما يؤرقه السؤال فإن إصداره الحديث حول السياسي والديني في المجال الإسلامي الصادر موفى مارس 2023 في طبعته الأولى يعد في حد ذاته حدثا فكريا ومناظرة ملتزمة وغير محايدة على المستوى الأكاديمي والمرجعية السياسية التقدمية المنبثقة من الرصيد المعرفي أولا وزخم المرجعيات والتوثيق والإحالات ثانيا وتعمد الكاتب الجدل مع ما يروّج من إصدارات وأراء تصبغ الرأي العام الأكاديمي والثقافي نظرا لتماه مع مصالح وتموقعات خفية وغير بريئة بالمرة.
تمت ترجمة الكتاب في لحظة فارقة من الحياة السياسية في تونس والبلاد العربية كأني به يستجوب المستقبل إنطلاقا من نقد الماضي / الحاضر ناهيك انه يرجع إلى سنة 2008 في صيغته الفرنسية الأولى قبل المراجعة والتحيين بعد الكتابة الأولى سنة 2005 وفق إعتراف المؤلف بأنه جدّد رؤيته بفاعل الوقائع والأحداث والتطورات التي شهدتها بلداننا بعد الربيع العربي والإصدارات الجديدة والقراءة المتجددة لمفاهيم ومسارات التطورات المجتمعية وصلت إلى نزع السحر عن العالم (ماكس فيبر désenchantement du monde)

ما الفرق بين المجال الاسلامي والإسلام
الكتاب يشكل ثمرة مجهودات استغرقت سنوات طويلة ويتكّون من فصول انبثقت من مداخلات وندوات ومحاضرات في مجال الدراسات السياسية لكن لماذا الجمع بين السياسي والديني ؟ وما الفرق بين المجال الاسلامي والإسلام ؟ لماذا هذا التدقيق المعرفي والإيستولوجي الذي إعتمده الكاتب للتمايز عما أسماه بالمقاربات الماهوية التي تتعمد الإسهام بوجود إسلام أزلي لا مكان فيه للإختلاف ولا صلة له بالتاريخ ؟
الحديث عن إستثناء إسلامي يستفز الكاتب عبر مختلف فصوله وعناوينه التي أثثت حوالي 350 صفحة أثرتها بيليوغرافيا هامة تجاوزت 80 مرجعا عربيا (لغة) وحوالي 90 عنوانا باللغات الأوروبية. الكتاب ليس مبحثا في أصول الحكم (علي عبد الرزاق) ولا يدعي التأريخ لتطورمفهوم الدولة والمجتمع (عبد الباقي الهرماسي – هشام جعيط - طه حسين – محمد اركون- محمد الطالبي – ماكسيم رودسون ...) بل تجادل دلالات المفاهيم ومفارقاتها والإرداف الخلفي oxymores والجناس anaphore التي تشوب توصيف مراحل تطور المجتمع والقواسم المشتركة بين مختلف تجارب الحكم وتنوعاته الطائفية ذات المرجعية الدينية بتحديد نصيب الديني مقابل مناب السياسي في نشأة الدولة وتجارب الإسلام السياسي في مفارقة مع لغة السياسة في الإسلام (ص79) ومفاهيم الحكم بين التحكيم والأحكام والتحكم (الحكومة والحكمة) والخلافة والحكم التيوقراطي والولاء السياسي .

هوس أو هلوسة المقاربات الثقافوية الماهوية
مقاربة محمد الشريف الفرجاني لا تتقيد بالقراءة الماركسية التقليدية ولا تستهين بالمفاهيم الخلدونية حيث يوظف الكاتب مرجعياته المتنوعة بخصوص الأنساق السياسية في مأمن من هوس أو هلوسة المقاربات الثقافوية الماهوية في تنسيبه للتماثلات التي قد توحد بين مختلف الأمصار والبلدان.
يطوف بنا المؤلف بين ثنايا مختلف النظريات السياسية التي تقوم على الحاكمية والشرعية والإحتكام إلى الإمام الأعلى (القرآن) في تماه وإختلاف بين فرق الشيعة والسنة والملل والنحل، الإباضية وأهل التقية المعتزلة والخوارج والتصوف وتتراوح التأويلات بين لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ومن إشتدت وطأته وجبت طاعته في تمثل مع بدايات الإسلام السياسي المناهض لمفهوم الدولة أو المدنية والعلمنة بمفهومها النسبي حيث السيادة للشرع لا للشعب وأن الشريعة الإسلامية شاملة كاملة لجميع نواحي الحياة وهي شريعة الإنسان في كل زمان وكل مكان في مقابل المبدأ اللائكي القائم على الدين لله والوطن للجميع وما يستوجب من فصل الدين عن الدولة ومسألة العلمانية التي يفردها المؤلف بجزء هام من الفصل الأخير الذي خصصه للشريعة والقانون وحقوق الإنسان.

وتتنزل مقاربة الشريف الفرجاني في مقارعة أطروحة الإستثناء الإسلامي وفق تعريفات الخصوصية الغربية والتي تهم مفارقة التوافق الممكن بين الإسلام والعلمانية بالإعتماد على الدراسات المقارنة والإنطلاق أحيانا من مقولة إستحالة العلمنة في المجتمعات الإسلامية، ولئن يعتبر المؤلف أن الحركات الإصلاحية والتي سعت إلى زعزعة ما فرضته المنظومات الفقهية العقائدية من إنغلاق، شكلا من أشكال العلمنة.

لا وجود لخصوصية إسلامية
وهكذا يخلص الكاتب إلى أنه سواء تعلق الأمر بالعلمانية أو بغيرها من القضايا فإنه لا وجود لخصوصية إسلامية حيث أن العلاقات بين السياسي والديني مطبوعة بثقل
التاريخ والصلات القديمة التي تربط الدولة بالمؤسسات الدينية (صفحة 323) ولعل كنه الكتاب يكمن في مراجعته الجديدة حيث يتوجه رأسا إلى كتابات حمادي الرديسي وعبد الوهاب المؤدب وبارونات أقسام الحضارة بالجامعة التونسية الذين ظلوا يراوحون مكانهم من حيث علاقاتهم بالمسألة الدينية والديمقراطية حسب ميزان القوى مع تيارات الإسلام السياسي الذي برهن عن عدم قدرته على ملاءمة مفاهيمه ومرجعياته مع مقتضيات التعصير والعلمنة وفق المبادئ الكونية لحقوق الإنسان حقيقة لا شعارات تبناها نفر من اليسار التونسي بتطرف ومغالاة غيبت المسالة الأساسية في مسار التحديث واللائكية في علاقة بالمسائل الإجتماعية ووفق رؤية تاريخية متجددة دون إنغلاق وتكلس فكري او مماهاة للأخر خارج الخصوصيات والتحديات.
ولأن الشريف الفرجاني يكتب للمعرفة والبحث والسجال فإني لم أجده محايدا فيما قرأت بل أنه يعمل بمستوى مفاهيمي قائم على المراجعة والنقد وفك الإرتباط مع
القوالب والمتاريس المرجعية التي أرهقت العديد من الذين أصدروا كتبا ينمقون فيها مساراتهم وسيرهم الذاتية ومكثوا حيث بدأوا تجاربهم الأولى في التنظيم السياسي
الطلابي دون مشروع فكر/ سياسة.

مكامن علة فشل الفكر الإصلاحي

وإكتشفت الشريف الفرجاني بمناسبة تقديم كتابيه في مجالات وفضاءات متعددة فوجدته منسجما مع فكره يجيد السماع ويتوثب للدفاع عن رؤية للوطن والكون بحماس تلقائي دون نبذ الآخر أو شخصنة وحيث إلتقينا في علاقتنا بمدينة ليون / فرنسا فقد توفرت لي فرصة الإطلاع على كتاب قيم للأستاذ الهواري عدي LAHOUARI ADDI بعنوان أزمة الخطاب الديني الإسلامي في مقاربة سوسيولوجية ضمن سلسلة إصدارات في العلوم الإجتماعية والسياسية.
ولعل مجال المقال لا يتسع لتناول مقارن للإصدارين الهامين في إختلاف من حيث لغة الكتابة وتعدد المرجعيات الخاصة بتناول المسائل ذات الصلة رغم التماهي في
مواصلة طرح الأسئلة المنهجية والإبسيمولوجية حول دلالات الخطابين الديني والسياسي في المجال الإسلامي حسب الشريف الفرجاني والإسلامي بصفة مباشرة لدى الهواري عدى الذي إخترق المجال الميتافيريقي الأفلاطوني ليصل إلى فكر" ايمانويل كانت" KANT وبدايات الجدلية التي صبغت العلوم الإجتماعية في العصر الحديث.
لكن اللافت هو تقاطع المستنتجات لدى الكاتبين من زاوية الأديان المقارنة وإستخلاص مكامن علة فشل الفكر الإصلاحي لدى النخب وعدم قدرتها على تجاوز
معوقات الأسس الثقافية للفقه بكل تنوعاته نتيجة أسباب كامنة في تركيبة الدين الإسلامي ذاته.

مقترحي الى هياكل الاتحاد
وحيث تتميز الجامعة التونسية بالغياب عن وظيفتها في إشاعة الفكر وتعميق المباحث ضمانا للدور الإجتماعي لها خارج مدارج الطلاب فإن مثل هذه الإصدارات تبقى فوق مجالات إهتمام ممتهني التدريس الجامعي وفق تعبير الأستاذ الطاهر بن لخضر في تقييمه لأداء الجامعة والجامعيين ضمن توصيف دقيق لوظيفة التعليم والتربية في الأزمنة الحديثة وتحديات التنمية المستدامة، أرفع مقترحا إلى هياكل الإتحاد العام التونسي للشغل وأساسا جامعة التعليم العالي بالتنسيق مع الأقسام ذات الصلة يقضي بتنظيم ندوة وطنية حول آفاق الجامعة تصل الأبعاد المعرفية والثقافية وإستشراف التحوّلات الكونية تكون قاطرة نوعية تؤسس للغد في مجالات لانمطية للعلوم السياسية والإجتماعية بعد تعديل عقارب ساعة الإهتمام الأكاديمي .

* نشر في ملحق منارات الفكري الصادر يوم الخميس 4 جويلية 2024 ص 10 و11. العناوين من وضع التحرير.