كبرى النقابات الفرنسيّة : حشد وتعبئة لايقاف اليمين المتطرف وضغط على الحكومة القادمة للاستجابة إلى مطالبها الاجتماعيّة
الشعب نيوز / خليفة شوشان - لم تكن النقابات العمالية الفرنسيّة بمنأى عن الزلزال السياسي الذي شهدته الساحة السياسية الفرنسية، وشكّل الصعود المفاجئ لأحزاب أقصى اليمين وبالأخص «التجمع الوطني» وتصدره نتائج الدور الأول من انتخابات الجمعية العموميّة تحديا للحركة النقابية الفرنسيّة.
وهو ما دفع المنظمات العمالية الثمانية الرئيسية الى استنفار قواها والدخول في سجالات ومشاورات لتحديد موقفها من الدور الثاني للانتخابات التي شهدت منافسة شرسة بين كتل ثلاث مختلفة من حيث البرامج والتوجهات وخاصة فيما يتعلق بالملفات النقابية والحقوقية الأكثر الحاحا على الحركة النقابية الفرنسية والمتمثلة في الغاء قانون التقاعد، الدفاع عن التأمين ضد البطالة، زيادة القدرة الشرائية، دعم منح الطاقة، والزيادة في الأجور إلى جانب قانون الهجرة العنصري .
* بين المصالح القطاعيّة والمسؤولية الوطنية
تراوحت مواقف كبرى النقابات الفرنسيّة الثمانية (CFDT، وCGT، وFO، وCFE-CGC، وCFTC، وUNSA، وFSU، وSolidaires) الى جانب منظمة «MEDEF» بين التفكير من منظور قطاعي يدفعها الى الحياد والاكتفاء بالحرص على تأمين مكاسبها النقابية ومصالح منظوريها وعدم التورط في المعركة الحزبية وبين الاستجابة للواجب والمسؤولية الوطنية والاسهام في تفادي انتكاسة سياسية تعصف بالديمقراطية الفرنسية وبالمتحقق من الجمهورية الخامسة نهائيا وبين التردد والخشية من تورطها المباشر في معركة انتخابية غير محسومة النتائج والانتهاء بتوظيفها واستغلالها سياسيا من طرف الأحزاب.
تعقيدات الواقع السياسي وضبابيّة المشهد الانتخابي لم يمنع كبرى المنظمات النقابية من الخروج من حيادها وترددها اثر صدور نتائج الدول الاول التي أظهرت تقدما غير مسبوق لليمين المتطرف والكشف عن مواقفها السياسية من التصويت في الدور الثاني من الانتخابات وتحمل مسؤوليتها الوطنيّة بقطع الطريق أمام فوز تحالف «التجمع الوطني» سواء بتوجيه منظوريها من القوى العمالية للتصويت لأحد التحالفات السياسيّة بكلّ وضوح والتحرك نحو اليسار، أو بعدم التصويت لمرشحيه والابقاء على الخيار أمامهم في التصويت لبقية المرشحين سواء عن «الجبهة الشعبية الجديدة» أو «التحالف الرئاسي» تحت شعار «كل شيء الا اليمين المتطرف».
* لتجنب «السيناريو الكارثي»
اثر اعلان نتائج الدور الأول من الانتخابات أمضت خمسة نقابات فرنسية هي كل من CFDT وCGT وUNSA وFSU وSoliaires بيانا مشتركا دعت فيه «إلى وضع حاجز أمام اليمين المتطرف» في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة وأكدت على ضرورة ايجاد «جبهة ديمقراطية واجتماعية وجمهورية» واعتبرت التنظيمات الموقعة أن وصول الجبهة الوطنية إلى السلطة سيمثل انتكاسة تعصف بالحقوق والحريات سواء حرية الصحافة او حرية تكوين الجمعيات وتنتهك العدالة الاجتماعية.
كما أدانت التنظيمات النقابية الموقعة سياسات اليمين المتطرف التي تهاجم حقوق النساء و«تميز بين الرجال والنساء الفرنسيين وتقسمهم حسب أصولهم أو دينهم أو ميولهم الجنسية وتهدد تمثيلية العمال في الشركات والإدارات». ودعت المواطنين الفرنسيين الى «تجنب هذا السيناريو الكارثي وعرقلة اليمين المتطرف» من خلال اختيار «المرشحين الأفضل «للتغلب على الحزب الذي يقوده جوردان بارديلا»، وإلى التصويت «لأي مرشح سيواجه حزب الجبهة الوطنية في الجولة الثانية من الانتخابات».
*الحثّ على الانسحابات
ولعل أكثر المواقف السياسية وضوحا تلك الصادرة عن أكبر المنظمات النقابية تمثيلا في فرنسا CGT وCFDT التي دعت الى عرقلة «التجمع الوطني» واعتبرته يمثّل «خطرا على الجمهورية» وحثت المترشحين في المراكز الثالثة والرابعة إلى القيام بانسحابات منهجية ضد اليمين المتطرف لعدم تشتيت الأصوات وحتى لا يستفيد من تشتيتها التجمع الوطني.
بل وصل الأمر بالأمينة العامة لـ «CGT» «صوفي بينيه» الى تشجيع الموظفين على الاقبال على التصويت العقابي ضد اليمين المتطرف لأنه بحسب رأيها «لن يكون هناك شيء أسوأ بالنسبة لعالم العمل من دخول اليمين المتطرف إلى ماتينيون (مقر عمل رئيس الحكومة الفرنسية منذ عام 1935)».
كما دعت كل من منظمتي CGT وFSU في تصريحات لقياداتها المواطنين الفرنسيين الى التصويت لمرشحي «الجبهة الشعبية الجديدة». بينما التزمت ثلاثة اتحادات قارية هي كلّ من CFE-CGC، وCFTC، وFO بالوقوف على مسافة من التصويت وخيرت البقاء على الحياد.
*بين القلق والحياد
من جهتها لم تتأخر كبرى النقابات الزراعية الفرنسية FNSEA في التعبير عن مواقفها حيث لم يخف «الاتحاد الوطني للمزارعين الفرنسيين «UTAP» قلقه من احتمال فوز «التجمع الوطني» في الدور الثاني.، في حين لم تكلّف «التنسيقية الريفية» نفسها مشقة مجرد التعبير عن القلق، وبدت أكثر اعتدالا في موقفها ولم تبد أي رغبة في إعطاء تعليمات للتصويت لأي من التحالفات الانتخابيّة. أما منظمة أرباب العمل الفرنسية MEDEF فاكتفت بالتحذير ممّا أسمته بتناقض وخطورة البرامج الاقتصادية لكلّ من تحالف أقصى اليمين «الجبهة الوطنية» وتحالف اليسار «الجبهة الشعبية الجديدة» وهو ما يؤشر إلى ميل هذه المنظمة للتحالف الرئاسي الحاكم.
*مواصلة الضغط
لم تتوقف تصريحات كبرى المنظمات النقابية الفرنسيّة عند حدود تحفيز وتعبئة الموظفين والمواطنين الفرنسيين للمشاركة الايجابية في حسم الدور الثاني للانتخابات لغير صالح اليمين المتطرف ومرشحي «التجمع الوطني» بل واصلت الضغط من أجل استثمار هذا الانتصار لابداء رأيها في تشكيل الحكومة وبرامجها المستقبلية. حيث طالبت نقابة CGT في بيان صحفي لها صادر اثر اعلان النتائج رئيس الجمهورية «إيمانويل ماكرون» باحترام اختيار صناديق الاقتراع، ودعته إلى «تشكيل حكومة جديدة حول برنامج الجبهة الشعبية الجديدة». كما طالبته بضرورة الاستماع إلى المطالب الاجتماعية وتطوير الخدمات العامة في جميع المناطق وتوفير شروط العمل اللائق. كما عبّرت عن أسفها «للتقدم المستمر لحزب «التجمع الوطني» الذي حصل على رقم قياسي من النواب».
من جهتها أعلنت نقابة CFDT مواصلتها التعبئة الى حدود تشكيل الحكومة الجديدة، وحذرت الحكومة المقبلة من مغبة عدم التعامل معها بجدية لأنها عازمة على إسماع صوت العمال في بناء السياسات المستقبلية.
وذكرت بدور الشركاء الاجتماعيين والمجتمع المدني المنظم في تهدئة العلاقات والاستماع والاستجابة لتوقعات المواطنين وتشريك النقابات في اتخاذ القرار. وأكدت أنها ستواصل القيام بدورها بكل تصميم إلى جانب كل من يرغب في العمل لتحقيق مصالح الجميع لا مصلحة البعض.