كيف تحوّل الصراع العربي الصهيوني إلى شأن فلسطيني بحت ؟
الشعب نيوز / صبري الرابحي - خلال أكثر من تسع أشهر من حرب اللا هوادة مازال الشعب الفلسطيني صامداً في مواجهة أعتى موجة من حرب الابادة الجماعية التي يمارسها الكيان الصهيوني في العصر الحديث.
هذه الحرب وبالرغم من تمردها على كل أشكال الصراع السابق وتفجّرها في المحيط الاقليمي وتنامي التضامن مع الشعب الفلسطيني في كل العواصم تقريبًا، إلا أنها برهنت أكثر من أي وقت مضى على أنها تخصّ الفلسطينيين دون سواهم بالرغم من تداخل الأدوار والمساهمات في خياري الحرب والسلام.
فكيف تحوّل الصراع من صراع عربي صهيوني إلى شأن فلسطيني بحت؟
إعتاد الفلسطينيون خوض حربهم وحدهم منذ أن إنحصر مفهوم الصراع العربي الصهيوني في صراع الفلسطينين بمفردهم مع الصهيونية ووكلائها ومن ورائهم من القوى الامبريالية، وتحول مفهوم الصراع عند بقية الدول العربية إلى مجرد الإلتزام باتفاقيات السلام والشرعية الدولية أساساً في معطى الحدود الاقليمية حتى ذاب مفهوم الصراع وأصبح من التاريخ وتم إعتياد التعايش مع قومية دخيلة عن وطن تاريخي للفلسطينيين وكل العرب.
* التطبيع مع وجود العدو
لا يمكن إنكار حقيقة نجاح العدو في ممارسة "الإقناع بالقوة" كنهج ديبلوماسي في فرض وجوده في المنطقة، غير أن هذا التفصيل المهم يحيل إلى توفر الأرضية السياسية الملائمة لذلك وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أفول الزعامتية القومية لدى الدول العربية التي إنبنت عليها تطلعات الجماهير لرمي هذا الكيان في البحر قد ساهمت بشكل كبير في التراجع عن هذا الهدف الكبير للصراع، وبالتالي صارت المعادلة واضحة وهي أن وجود هذه الزعامات يلغي وجود هذا الكيان، فكان العدوّ حاسماً في هذه المسألة ونجح في إزاحة هذه الرموز وتمييع شعاراتها لتثبيت أقدامه في المنطقة والنجاح في التطبيع مع فكرة وجوده.
* التطبيع الديبلوماسي
لم يكن وارداً في العشرية ما قبل الأخيرة على الأقل أن يحلم الصهاينة بأن تحط طائراتهم في العواصم العربية. كما لم يكن وارداً تصديق أن المستقبل يحمل في طياته التعامل مع هذا الكيان وتدعيم تمثيلياته الديبلوماسية والدفع بعلاقات التعاون نحو آفاق تحجب الخصومة التاريخية وتجبّ فكرة إنكار الوجود لتخلص إلى أحقية الوجود، وهو مكر التاريخ.
فاليوم أصبح وجود هذا الكيان مكوناً رئيسياً لتحالفات عربية ترفض مصطلح الخيانة وتدفع به نحو مصطلح الأمر الواقع أو المصالح المشتركة.
* الخلاص الفردي للفلسطينيين
أمام تصحيح المفاهيم وغياب المبدئية في الحفاظ على الصراع قائماً والدفع نحو حلّه بإنهاء وجود هذا الكيان، خلص الفلسطينيون إلى أن الحل الوحيد يكمن في الخلاص الفردي وأن مفهوم الصراع لا يعني أحد غيرهم، لذلك تتالت محطات المواجهة لتبلغ ذروتها في عملية طوفان الأقصى.
هذه الحرب الأخيرة برهنت على أن الفلسطينيون وحدهم يحملون لواء تحرير الأرض وأن معركتهم تخاض على إنفراد لا ينصاع إلى موازين القوى ويستوجب أن تخلق مقاوماته المختلفة توازناً للردع مستجداً يتجاوز رد الفعل إلى الفعل نفسه.
ما يؤكد هذه الاستنتاجات هو إنسحاب القوى العربية الوازنة من المشهد وتخليها حتى عن دورها التعديلي الذي لازمها لسنوات وخاصة خروجها الآمن من دائرة الصراع لينحصر فقط في إقليميته الأصلية وترك الفلسطينيون يخوضون "صراعهم" بمفردهم.
* ما بعد طوفان الأقصى
يبدو المشهد اليوم واضحاً أكثر من أي وقت مضى من حيث تهيؤ الأسباب الموضوعية لتخلي الجميع عن إسناد المقاومة الفلسطينية والاكتفاء بقيادة المفاوضات، غير أن رغبة الكيان الصهيوني في إجتثاث المقاومة وطريق اللاعودة الذي اتخذته الحرب ينبئ بأن تنتهي كل أدوار المساهمين في إدارة الصراع وأن يصبح الشأن الفلسطيني هو المحدد الوحيد لما ستفرزه هذه الحرب.
أو بمعنى أصح سوف تنهي عملية طوفان الأقصى مرحلة الأدوار الثانوية للدول العربية وتحولها إلى مجرد ديكورات ثابتة تجاوزتها اللحظة التاريخية مما يجعل المواجهة المباشرة خياراً إستراتيجيا للفلسطينيين يبدو أنه أثبت نجاعته أكثر من كل الخيارات المتاحة لسنوات دون نتيجة تذكر سوى حصر أدوار المقاومة في رد الفعل وعدم إقدامها على تحويل الردع إلى رعب مستدام مثلما فعل طوفان الأقصى.