دولي

العنف السياسي جزء من تاريخ أمريكا، ودماء «ترامب» تعبّد طريق عودته إلى البيت الأبيض

الشعب نيوز / خليفة شوشان - وسط حراسة أمنية مشددة من الآلاف من عناصر الشرطة المنتشرين في الشوارع والمشكلين لسياج كبير يحرسه عناصر من جهاز الخدمة السرية وبحضور أكثر من 50 ألف مشارك من أنصار الحزب الجمهوري ،احتضنت مدينة «ميلووكي» كبرى مدن ولاية «ويسكنسن» الأمريكية و اختار النواب الجمهوريون في اليوم الأول للمؤتمر العام لحزبهم «دونالد ترامب» مرشحا رسمياً للجمهوريين للانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر 2024، كما تمّ القبول بمرشحه السيناتور «جيمس ديفيد فانس» لمنصب نائب الرئيس.

في انتظار أن يعلن «ترامب» القبول الرسمي لهذا التفويض بصفة رسمية يوم الخميس 18 جويلية 2024 .

* تفويض جمهوري 

التفويض الذي ناله «دونالد ترامب» يعتبره عديد المراقبين فاتحة قطاف ردود الفعل الايجابية التي تلت محاولة الاغتيال التي نجا منها بأعجوبة «هوليوديّة» يوم السبت 13 جويلية 2024 اثر تعرضه لإطلاق نار خلال تجمع انتخابي في ولاية «بنسلفانيا».

وللتذكير فإن الحادث أسفر عن إصابة «ترامب» برصاصة في أذنه «الجزء العلوي من أذنه اليمنى» وعن مقتل أحد الحاضرين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطرة إلى جانب مقتل منفذ عملية محاولة الاغتيال حسب ما أورده جهاز الخدمة السرية.

ليست هذه المرة الأولى التي يكون فيها «ترامب» على موعد مع محاولة اغتيال فاشلة لكن مرّة أخرى يخرج منها سالما ولا يتمكن مستهدفوه من إصابته.

تبقى مع ذلك المحاولة الأكثر جرأة والأخطر التي خلفت ردود فعل كبيرة على الساحة الأمريكية والدولية وطبعت المشهد الانتخابي بلطخة عنف سيكون لها تداعياتها.

* من يقف وراء العمليّة؟

أولى الأسئلة التي قفزت إلى الأذهان بعد إعلان محاولة اغتيال المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» هو التساؤل عن الجهة التي تقف وراءها وعن الطرف المستفيد من استبعاد «ترامب» من السباق الانتخابي.

بعد الكشف عن التقارير والتحقيقات الأولية حول منفذ العملية الذي تمّ قتله مباشرة. ذهب الكثير من المحللين الى أن العملية لا يمكن أن تكون مجرد  ردة فعل فرديّة من أحد الأشخاص المتعصبين أو المختلين ذهنيا -كما تعودت التحقيقات الأمنية الامريكية أن تصف مرتكبي الأعمال الارهابية- وأن المؤشرات تؤكد أن محاولة الاغتيال سبقه تخطيط دقيق تمثل في اعتماد القنص واختيار المكان والزمان المناسبين وأن المنفذ أصاب هدفه رغم أن الاصابة لم تكن قاتلة.

كما أن ما أفادت به التحقيقات الأولية حول العثور على مواد مُتفجرة بمنزل المنفذ وعبوات ناسفة في سيارته لا يدع مجالا للشكّ في إمكانية ارتباطه بجماعات متطرفة طالما ناصبت «ترامب» العداء وأعلنت عن عدم رغبتها في عودة «ترامب» إلى البيت الابيض.

لكن وبقطع النظر عن الجهة التي تقف وراء محاولة الاغتيال، فإن الحادثة في حدّ ذاتها تؤشر إلى أن منسوب الصراع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وصل حالة من الاستقطاب الشديد المفتوح على العنف السياسي في أكثر أشكاله تطرفا.

وعديد المراقبين يحذرون من أنه إذا كان الاستهداف هذه المرة من نصيب مرشّح الجمهوريين «ترامب» فليس من المستبعد أن تطول بقية الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين في ظل عنف الخطاب السياسي وشيطنة الخصوم.

ولعل الذاكرة السياسية الأمريكية لا تزال تحتفظ بحوادث الاغتيال التي استهدفت الرؤساء والوزراء والنواب والفاعلين السياسيين والمدنيين على امتداد عقود، هذا التفويض الذي ناله «دونالد ترامب» يعتبره عديد المراقبين أول قطاف ردود الفعل الإيجابية التي تلت محاولة الاغتيال التي نجا منها يوم السبت 13 جويلية 2024 إثر تعرضه لإطلاق نار خلال تجمع انتخابي له في ولاية «بنسلفانيا». 

* تاريخ حافل بالاغتيالات السياسية

لكن وبقطع النظر عن الجهة التي تقف وراء محاولة الاغتيال، فإن الحادثة في حدّ ذاتها تؤشر إلى أن منسوب الصراع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وصل حالة من الاستقطاب الشديد المفتوح على العنف السياسي في أكثر أشكاله تطرفا.

وعديد المراقبين يحذرون من أنه إذا كان الاستهداف هذه المرة من نصيب مرشّح الجمهوريين «ترامب» فليس من المستبعد أن تطول بقية الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين في ظل عنف الخطاب السياسي وسعار الحملة الانتخابية وشيطنة الخصوم.

ولعل الذاكرة السياسية الأمريكية لا تزال تحتفظ بحوادث الاغتيال التي استهدفت الرؤساء والوزراء والنواب والفاعلين السياسيين والمدنيين على امتداد عقود، وحسب وثيقة صادرة عن الكونغرس، فقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكية اعتداءات مباشرة على رؤساء ورؤساء منتخبين ومرشحين في 15 مناسبة منفصلة، ما أسفر عن مقتل 5 منهم، ونجاة 10 منهم من محاولات الاغتيال. ولعل أشهر هذه الاغتيالات تلك التي ذهب ضحيتها «ابراهام لينكولن» الرئيس الـ16 للولايات المتحدة عام 1865، الرئيس العشرون «جايمس غارفيلد» عام 1881، الرئيس الخامس والعشرون «ويليام ماكينلي» في عام 1901، وتبقى أشهر عملية اغتيال تلك التي استهدفت الرئيس الـ35 «جون إف كيندي» نوفمبر 1963.

في حين نجا كل من «جيرالد فورد» الرئيس الـ38 عام 1975، «رونالد ريغان» الرئيس الـ40 عام 1981، «جورج بوش الأب» الرئيس الـ43 عام 2005.

كما واجه كل من «بيل كلينتون» و«جورج بوش الابن» و«باراك أوباما» و«جو بايدن» محاولات اغتيال جرى إحباطها. في حين نجحت محاولات اغتيال المرشح للرئاسة السيناتور «روبرت إف كيندي» شقيق «جون كندي» عام 1968 وانتهى الأمر بالمرشح «جورج والاس» عام 1972 مُقْعَدًا ومصابا بالشّلل التام إثر تعرضه لمحاولة اغتيال لإطلاق نار.

* تنديد ودعوة لوحدة الأمّة

رغم سخونة الحملات الانتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين وحالة الاستقطاب الثنائي العنيفة بينهما والتي لم تخْلُ من الشيطنة والتخوين والتحريض فإن محاولة الاغتيال شكلت صدمة عنيفة لعموم المجتمع الأمريكي وخاصة الفاعلين السياسيين وقد عكست ذلك ردود الفعل السريعة المدينة والشاجبة للجريمة التي اعتبروها تهديدا جديا «للأمن القومي الأمريكي» واستهدافا للوحدة الوطنيّة أول الإدانات جاءت من الرئيس الأمريكي والمنافس الأول لترامب «جو بايدن» الذى أوقفت حملته الانتخابية نشاطها وأعلنت أنها ستوقف جميع الإعلانات التلفزيونية مؤقتاً في الوقت الحال.

في حين أكد في تصريح صحفي أنه «لا مكان لهذا النوع من العنف في أمريكا» ودعا إلى «توحد الأمة على إدانته»، كما قطع عطلته لنهاية الاسبوع وعاد الى البيت الابيض واتصل «بترامب» وتحدث اليه هاتفيا. من جهته طالب رئيس مجلس النواب «مايك جونسون» بمزيد من الإجراءات الأمنية استدعى رئيس الخدمة السرية ومدير مكتب التحقيقات.

ولم يخْفِ وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن» شعورة بالصدمة والحزن، ولم يتأخر كل من وزير العدل الأمريكي «ميريك غارلاند» في التأكيد على أنه «لا تسامح مع العنف من أي نوع»، ووزير الدفاع الأمريكي «لويد أوستن» في إدانة العنف مؤكدا «لا مكان له على الإطلاق في ديمقراطيتنا».

كما غرّد الرئيس السابق «باراك أوباما» مندّدا بالحادثة ومخاطبا الأمريكيين «يجب أن نشعر جميعاً بارتياح لأنّ الرئيس السابق ترامب لم يُصب بجروح بالغة وأن نستغل هذه اللحظة لتجديد التزامنا بإظهار التحضُّر والاحترام في السياسة».

كما لم يتأخر رؤساء كبرى الشركات الأمريكية من رجال الأعمال عن دعمهم «لترامب» والدعوة الى «وحدة الأمة الامريكية ضد العنف». الإدانة لم تتوقف في حدود الداخل الأمريكي بل توسعت لتشمل أغلب رؤساء وزعماء الدول الكبرى في العالم الأمريكية والأوروبية والآسيوية الذين عبروا عن قلقهم وصدمتهم من الحادثة وعن إدانتهم لمحاولة الاغتيال وعن رفضهم للعنف السياسي وضرورة التصدي «لخطاب الكراهية» وتمنوا الشفاء العاجل للمرشح «ترامب».

* «ترامب» يحصد التضامن

يقول المثل «الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك» في حالة المرشح ترامب يصح القول «الرصاصة التي لا تقتلك تقوّي رصيدك الانتخابي».

لم يتأخر ترامب البراغماتي وملك البروباغاندا السياسيّة التي ينعتها البعض بالشعبوية في استثمار لحظة النجاة من الموت البيولوجي وتحويلها الى لحظة ولادة ثانية سياسية ترفع في رصيده الانتخابي وتخلق حولة حالة تضامن وتعاطف شعبية، بل لعله أضفى على هذا التعاطف الانساني مسحة من التراجيديا وهي تستثمر حالة الرعب التي خلقتها محاولة الاغتيال ليظهر بطولة أسطورية وهو يقف منتصبا على المنصة بعد المحاولة رافعا قبْضته الى الاعلى صارخا يصرخ «قاتلوا من أجل الولايات المتحدة الامريكيّة» مشهد هو أكثر من يعرف أنه ينفذ الى وجدان الجمهور الأمريكي ويخاطب فيهم مخيالهم الذي ترسبت فيه صور البطولة والأبطال الخارقين الذين يقهرون الموت، وقادرون على الولادة المتجددة. ولا شكّ في أن هذه المشهدية الهوليوديّة لم تتأخر في طرح قطافها الانتخابي لصالحه، وفي وجه خصومه السياسيين وخاصة من الديمقراطيين الذين طالما خاطبهم «بقوى الشرّ» ودعا الامريكيين إلى الوحدة خلفه لمنع «انتصار قوى الشرّ».

* بين خياري الجنون والخرف

بعيدا عن حسابات الربح والخسارة الانتخابية يبقى من المؤكد أن وصول حالة التجييش والتحريض والشيطنة السياسيّة والاستقطاب الانتخابي الى درجة العنف المباشر ومحاولة اغتيال مرشح رئاسي وبقطع النظر عن انتمائه السياسي وبرنامجه الانتخابي وتخندقه جمهوريا أو ديمقراطيا تحولا خطيرا في المشهد السياسي الأمريكي عموما والانتخابي على وجه الخصوص. يؤكد وصول الأزمة السياسية في أمريكا إلى أكثر درجاتها انغلاقا، وتراجع قدرة النظام السياسي الأمريكي الأكثر ديمقراطية على إغراء جمهور الأمريكيين في التعبير عن اتجاهاتهم السياسية وتصوراتهم لمستقبل أمريكا ولا يدع مجالا للشك في أن الأشهر القليلة القادمة ستكون حاسمة في الخروج من الأزمة أو الدخول في موجة عنف منفلتة طالما كانت جزءًا من الإرث السياسي الامريكي لتنفيس حالات الاحتقان المجتمعي وإعادة توزيع الادوار والمصالح بين مراكز القوى.

انتخابات انطلقت منذ سنوات وقبل أوانها بتراشق بالمحاكمات والتهم ومرت الى الشيطنة والاستقطاب الانتخابي الثنائي الحادّ ثم الى أكبر تجليات العنف السياسي بمحاولة اغتيال أحد المترشحين وستضع الجمهور الامريكي بين خيارين أحلاهما مرّ إمّا الجنون الترامبي وإما الخرف البايدني.