رحل في غفلة : عبد العزيز بروحي يصنع من المنع والترحيل قصصا صحفية أكثر نفاذا من تغطيات الاحداث
كتب محمد العروسي بن صالح:
غيب الموت هذا الأسبوع الصحافي الالمعي عبد العزيز بروحي، أحد ابرز الصحفيين التونسيين الذين عملوا في مجلة " افريقيا الفتية " ( Jeune Afrique ) لصاحبها الراحل البشير بن يحمد. فرحل في غفلة من الجميع، رحمه الله واسكنه فراديس جنانه ورزق عائلته واصدقاءه جميل الصبر والسلوان.
عبد العزيز بروحي او بن حسونة كما يعرفه أبناء بلدته جبنيانة، رجل مثقف الى ابعد حد، يتقن العديد من اللغات في مقدمتها الفرنسية والانقليزية. يقرأ كثيرا ويلتهم الكتب التهاما. كتب للعديد من الصحف في العالم وخاصة لفائدة مجلة افريقيا الفتية التي تصدر من باريس.
" القراية " القراية "
سي عبد العزيز – هكذا كنا، أنا ومن هم في سني – نناديه لا فقط لانه يكبرنا بعدة سنوات ولكن بالخصوص بالنظر الى أخلاقه العالية وحسن أدبه وتربيته كما قال عنه والدي الذي لقيني ذات مرة وانا جالس اليه في أحد مقاهي العاصمة. هو من سن المناضل صالح الزغيدي وربما اكبر ومن سن الأستاذين يوسف علوان وعلي المحجوبي وربما أيضا من سن الـ رم.ع فرج المحجوبي واحمد علوان وآخرين ممن يمكن القول انهم بواكير المتعلمين الذين نجحوا في "القراية " كما يصفها الزعيم الحبيب بورقيبة وارتقوا الى مناصب عليا في الجامعة والإدارة والمؤسسات العمومية والصحافة طبعا.
وهؤلاء جميعا هم من فتحوا او شجعوا على "القراية " أعداد كبيرة من الأجيال اللاحقة من المتعلمين الذين، من أجل نجاحهم، انفق الإباء ما يدخرون وباعوا ما يملكون.
حديثان مع رئيسين؟
سي عبد العزيز، الصحافي، اذن، كتب في الشأن التونسي وله اطلاع واسع عليه وعلاقات متشعبة مع مختلف الفاعلين فيه. من ذلك انه اجرى في أكتوبر 2011 حديثين مع استاذ الحقوق قيس سعيد حول المجلس التأسيسي ومع الراحل الباجي قايد السبسي حول مستقبله السياسي. ومن الصدف العجيبة ان الاثنين ارتقيا الى رئاسة الجمهورية.
لكنه كتب أكثر ونشر في الشأن الدولي بما فيه الافريقي أولا والعربي من بعده. يسافر كثيرا ويتنقل حيث الحدث جنوبا وشمالا، شرقا وغربا. وبحكم شهرته او بالأحرى شهرة قلمه الى جانب شهرة مجلة جون افريك، لم يكن مرحبا به وكانت كثير من السلط ولاسيما الدكتاتورية منها او التنظيمات المتطرفة ترفض دخوله الى بلدانها او مناطقها.
من ذلك، ان السلطات الليبية قامت بترحيله ومنعه من دخول ليبيا سنة 2005 رغم دعوته رسميا من طرف رئيس الاتحاد الافريقي لحضور مؤتمر يعقد في طرابلس ورغم قيامه بجميع إجراءات الاعتماد الضرورية. فما ان عبر الحاجز الأمني بعد تأشير الدخول على جوازه حتى جاءه ضابط ومد له ورقة وقلما طالبا منه الالتزام بان لا يكتب أي شيء عن ليبيا وعن مؤتمر الاتحاد الافريقي.
رفض سي عبد العزيز طبعا. ولكن منعه من دخول طرابلس ومنعه من العمل لم يمنعه من رواية هذه القصة في تقرير صحفي مبدع زاد في نرفزة المسؤولين الليبيين الذين تذكروا انه كتب ذات يوم " ان القذافي لم يعد ذلك الذي عرفناه قبل 20 سنة ".
في الصحراء
في مرة أخرى، أعيد عبد العزيز بروحي من حيث أتى في المغرب الأقصى وتحديدا من المنطقة الصحراوية. كان مطلوبا منه اجراء تحقيق عن أحد مراكز تدريب المقاتلين الصحراويين. وما ان شارف عليه حتى هجم عليه نحو 20 مقاتلا ملثمين ومدججين بالسلاح وألقوا عليه القبض بطريقة متهورة وعنيفة واقتادوه الى داخل المخيم حيث مثل أمام قاض ملثم هو الاخر اتهمه بالتجسس والخيانة. استعد عبد العزيز لاسوا السيناريوهات لكن، هكذا وبدون سبب ظاهر، تم الافراج عنه على شرط ان يغادر المغرب عبر الدار البيضاء حالا.
ابتسم عبد العزيز وربما ضحك او قهقه وهو يقاد الى الطائرة المغادرة لان المادة الصحفية التي توفرت له رغم تلك الظرف القاسية والتي ضمنها في مقال نشره بعد أيام كانت افضل مما كان يتوقع. فقد رأى كل شيء في المخيم بأم عينه حيث غطى محتجزوه وجوههم حتى لا يتعرف عليهم احد فيما بقي وجه عبد العزيز مكشوفا وعينيه مفتوحتين فسجل كل شيء في رأسه.
مخرب العراق
إشكالية أخرى حصلت له سنة 2007 في تونس هذه المرة لكن مع سفير الولايات المتحدة المعين آنذاك روبير قوداك. كتب عبد العزيز بروحي يسال لماذا جاء هذا الرجل الى تونس؟ ما المقصود بتعيينه هنا؟ وشرح ان الرجل كان مساعدا لأول حاكم مدني (بول بريمر) حكم العراق بعد اجتياحه سنة 2003 من طرف الجيش الأمريكي وانصاره من الأوروبيين والعرب. وأضاف ان ما جرى في ظل ذلك الحكم المدني لم يكن الا تخريبا ونهبا للعراق ومقدراته من نفط وغذاء واثار وكتب نفيسة الى جانب القتل والتدمير وخاصة التعذيب الذي اشتهر به معتقل أبو غريب.
كلام لم يعجب السفير فرد عبر جون افريك لكن سي عبد العزيزأفحمه بتفاصيل أخرى مقرفة عن اعماله في العراق وعما قد يكون جاء من اجله الى تونس.
المرء حديث من بعده.
* صورة عبد العزيز بروحي بعدسة احمد سلامة