لمن تدق الطبول؟
الشعب نيوز / محمد الكيلاني - تونس في 17 أوت 2024 - طالعتنا منذ أيام صفحات التواصل الاجتماعي بفيديو روجه شاب مكشوف الوجه، توجّه فيه بخطاب لرئيس الدولة، وهو "يتربج بيه" يقول له فيه: "يا قيسون سكر المطارات، سكر المطارات، وما تخليهمش يهربو" "خلينا معاهم راس راس" "راهم خوافة وجبناء وطح..."... "حتى كان هربو، يخلو وراهم نساهم يعوضوهم"..."يخلو وراهم زقيتة..." و"رب العزة لما نغتصبوهم...ونغتصبو بناتهم ونساهم..."، "...ما هم يحبو ع البراني ...خليهم تو نتفاهمو معاهم..."، و"رب العزّة لما نحرقولكم دياركم.. لما نشعلو فيكم النار..."، "يا شعب فهمت الميساج متاع الرئيس"، "اتهنى يا قيسون فهمنا الميساج"...إلخ.
وبعد أيام ظهرت سيّدة تهدد صندوق الاقتراع، بأن "يكون الدم للركايب" لو تمكن "واحد من هاك المارك ... باش يتعدى ويحب يرجعنا لنقطة البداية" وأضافت "احنا عندنا ثقة في السيد الرئيس، وقت اللي قال ما نسلم تونس إلا لمن يصونها".
وبطبيعة الحال واكب الجيش الأزرق الواقف وراء الرئيس النشرتين بحملة ترويج واسعة وتعليقات ما أتى بها الله من سلطان، تهديدا ووعيدا واعتداء على حرمات الناس. وهو سلوك لم يكن صادرا فقط عن الفرق المتطرفة، بل موجة عارمة تأخذ أنصار "قيسون"، اعتبارا وأنهم يعتقدون جازم الاعتقاد بأنهم "في حرب تحرير وطنية"، وبالتالي فإن كل ما تأتيه ضد المعارضين لقيس سعيد هو عمل موجه ضد "العملاء للخارج"، وهو دون شك جزء لا ينفصل عن "حرب التحرير الوطنية"، وهم على استعداد "باش يكون الدم للركايب".
والخطير في العملية أنهم أصبحوا يتبجحون بذلك، للتأكيد بأنهم مستعدون للمضي قدما في المرور بتهديداتهم إلى مستوى التنفيذ. وهي دعوات تظهر من حين لآخر، فقد سبق هذين الخطابين، خطاب آخر لسّيد أكد فيه استعداده لتصفية "ها الكمشة من العملاء" و"يقضي عليهم في ضربة وحدة"، "ويرتح منهم البلاد".
وأود الإشارة أن المواجهات التي قابلتنا بحزب الدستور وميليشياته، وكذلك الشأن بالنسبة للتجمع الدستوري، لم تصدر دعوات مثل التي نشهدها هذه الأيام. كما أن جهاز أمن الدولة والأجهزة الأمنية التي تولّت استنطاق مناضلي المجموعات العاملة في السرية، فعرّضتهم للتعذيب حتى الموت، وعرّض بعض النساء للاعتداء الجنسي، فقلّ وندر أن تعرّض رجل أو شاب للاغتصاب. وها أننا اليوم أمام دعوات تنبئ بالشرّ قد تحوّل بلدنا إلى لهب.
إنها دعوات تقطر حقدا ودما، فليوقفها الضمير الحيّ لهذا الوطن. إن طبول الحرب والتخويف والتخوين والترهيب تدقّ بكل قوّة لصالح من استولوا على السلطة وهم الذين يتحملون مسؤولية سير بلادنا سريعا إلى المنحدر. خاصة وأنهم يعلمون، إذا كان "السحل" والتهديد خطابا متداولا لدى أنصار الرئيس، فإن ما نشهده في الآونة الأخيرة بلغ مستويات غير مسبوقة، حيث أصبح التلويح بـ"حرق الديار" و"اغتصاب الرجال والنساء والأبناء والبنات" و"الدم للركايب"، سائدا، وهو يؤشر لدرجات عالية من الاحتقان والعداء والانهيار القيمي والأخلاقي التي أصبحت تحرّك هذه الجماعات، حتى أصبحت وكأنها عصابات "مجرمي حرب".
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو التالي: كيف وصلنا إلى الدرك؟ ما من شك في أن للتطورات التي شهدتها البلاد منذ 25 جويلية 2021 لها تأثير مباشر على المزاج العام للنّاس وعلى التوتر الشديد في الحياة السياسية، ولعب الخطاب الشعبوي للرئيس قيس سعيد دورا خطيرا في هذا التحوّل، خاصة وأنه لم يكفّ عن التشديد بـ"أننا في حرب تحرير وطنية" وأن "الهم" "ممن باعوا وطنهم" ويمدون اليد للخارج ويطلبون دعمه، يحيكون المؤامرات في الغرف...إلخ، ناهيكم "أن دستور 2014 أملي من الخارج وحاكته الصهيونية" ولما لا الماسونية "لتفكيك الدولة من الداخل".
وبما أنه كما يقال "بأن الناس على دين ملوكهم"، يكون كل ما يقوله الرئيس تأثير بالغ على شرائح واسعة من الناس، وبصورة خاصة على "الأتباع"، لأنهم يعتقدون أن الرئيس "يوجه لهم في ميساجات"، وهم الذين يفكون رموزها.