ثقافي

الكاتب المناضل محمد المختار العرباوي .. وداعا

الشعب نيوز/ وسائط - كتب الأستاذ محمد الشحري في موقع "عُمان" مقالة  توديعية للكاتب والنقابي الراحل مختار العرباوي ننقلها الى قرّاء الشعب نيوز :
 
 " لا نملك إلا الكتابة أمام رحيل الأصدقاء والكتاب والباحثين، نعزي أنفسنا والكلمة الحرة الصادقة ومواقف النضال الوطني الشريف. فمنذ يومين تداولت وسائل التواصل الاجتماعي في تونس رحيل الباحث والكاتب محمد المختار العرباوي (1937-2024) أصيل مدينة تالة الواقعة غرب تونس، تلقى دروسه الأولى في تونس ثم واصل دراسته في جامعة القاهرة ونال شهادة الإجازة في اللغة العربية.

وفي مصر برز الشاب التونسي ككاتب وناشط عروبي في صفوف الطلبة العرب، مصر التي كانت قِبلة للمثقفين ولحركات التحرر الوطنية. وفي القاهرة بدأ نشاطه الكتابي إذ نشر في مجلة الثقافة، التي يرأس تحريرها محمد فريد أبوحديد، مقالا في عدد يوليو 1965 بعنوان «ظاهرة التفكك في قواعد اللغة ودواعيها».

عاد إلى تونس أستاذا للغة العربية في معهد رادس، وبقي في المعهد إلى تقاعده في نهاية التسعينيات، وخلال مزاولته لمهنة التدريس ناضل ضمن صفوف الاتحاد التونسي للشغل. عُرف نقابيا عنيدا في سبيل المطالبة بحقوق العمال وتحسين ظروف العاملين في المجال التعليمي، كما خاض نضالات ثقافية وسياسية أبرزها دفاعه عن عروبة تونس ودول المغرب العربي، ولذلك كان من الطبيعي أن يتم تصنيفه ضمن الحركة اليوسفية؛ نسبة إلى المناضل والقيادي التونسي صالح بن يوسف (1907-1961) أحد أبرز رجالات الحركة الوطنية التونسية، وأحد جناحي الحزب الدستوري، وأشد خصوم الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة ( 1903- 2000).

تعرض العرباوي أثناء مسيرته الحياتية إلى الاعتقال والسجن والإقامة الجبرية. دافع عن القضايا العربية ليس ابتداء من القضية الفلسطينية وليس انتهاء بالتضامن مع الشعب العراقي لرفع الحصار الجائر، وجمع المساعدات الطبية وإرسالها إلى العراق.

لم تثنِ المضايقات الأمنية التي تعرض لها العرباوي عن الكتابة والنشر والتدوين، والدفاع بالموقف والكلمة عن اللغة والثقافة، حين وجد أن الحركات المتربصة بالأوطان تستهدف المجتمعات وتسعى لزعزعة الاستقرار الاجتماعي واختلاق إشكاليات وأزمات بين أبناء المجتمع المغاربي، وفي سبيل ذلك أصدر العديد من الكتب والدراسات والمقالات في الدفاع عن عروبة شمال إفريقيا منها كتاب «في مواجهة النزعة البربرية وأخطارها الانقسامية»، صدر سنة 2002م، وكتاب «البربر عرب قدامى»، صدر سنة 1993م، و«الكتابة البربرية: اللوبية ــ التيفيناق ما حقيقتها؟» الصادر سنة 1999م، ثم كتاب «اللغة البربرية: لغة عربية قديمة» الصادر سنة 2012م.

كان أول لقاء لي بالأستاذ العرباوي في نوفمبر 2005م، إذ أرسل له الصديق الكاتب سعيد الدارودي بعض المؤلفات، وبعدها أصبحنا نلتقي بين الفينة والأخرى في العديد من المناسبات الثقافية أو في الجلسات في مقاهي شارع الحبيب بورقيبة، لقاءات جمعتنا بالكتاب والمناضلين النقابيين. في كل لقاء يصر العرباوي على الفطور في أحد المطاعم في نهج القاهرة بالعاصمة تونس، معتذرا عن استضافتنا في بيته في رادس.

وكان آخر لقاء بيننا في طرابلس الغرب في صيف 2010م، أثناء انعقاد ملتقى ثقافي من تنظيم أكاديمية الدراسات الليبية، ولحسن الحظ فقد التقيت بالدبلوماسي والباحث الجزائري عثمان سعدي (1930-2022) صاحب كتاب «الأمازيغ عرب عاربة» صدر الكتاب سنة 1996م، وجرّ عليه الكثير من القضايا والمحاكمات، وخرج منها بالبراءة من التهم التي رفعت ضده. كما تعرفت في الملتقى بالأكاديمي والباحث الجزائري أحمد بن نعمان المنضوي تحت مشروع الدفاع عن الثقافة العربية في الدول المغاربية.

رحل الكاتب والمناضل محمد المختار العرباوي في صمت، بعد حياة حافلة بالنضالات في عدة مجالات وميادين، عاش في نكران للذات رغم التجارب القاسية التي مارستها بحقه الأنظمة السياسية في تونس قبل سنة 2011م. لذلك نأمل من رفاقه في الاتحاد العام التونسي للشغل إطلاق اسم العرباوي على أحد مقار الاتحاد، أو تسمية إحدى المكتبات العامة في تونس باسمه."

*صدر في النسخة الرقمية من جريدة عُمان يوم 19 أوت 2024 حسب الرابط التالي: الكاتب المناضل محمد المختار العرباوي.. وداعا - الموقع الرسمي لجريدة عمان (omandaily.om)