بين التضليل والحقيقة: من السبب في تراجع ترتيب تونس في مجال الحوار الاجتماعي حسب المؤشّر العالمي للحقوق
تضليل:
تراجع الاتحاد العام التونسي للشغل عن دوره في المفاوضات وتنازل عن حقوق الشغالين مثلما ساهم من موقعه في اجهاض الحوار الاجتماعي من خلال جملة من التحركات العشوائية.
الحقيقة:
تعرض الحوار الاجتماعي الى الضرب مرتين، كانت الأولى في شكل مقنّع وذلك باعتماد الحوار والتّوافق كأداة لاحتواء الآخر بغاية التّمكين والالتفاف والتّموقع السّياسوي وتفكيك الدّولة ووضع مصالحها الاستراتيجية العليا على المحكّ والبحث المفضوح عن المصالح الفئوية الضّيقة على حساب المصلحة الوطنية،
أمّا الثّانية فقد كانت في نسف الحوار الاجتماعي شكلا ومضمونا وإلغاء دور المنظّمات الوطنية والمجتمع المدني وكلّ الهئيات التّعديلية وتجميد المجلس الوطني للحوار الاجتماعي خدمة مرّة أخرى لمشروع سياسي غامض بدأت تتّضح معالمه شيئا فشيئا خاصّة من خلال الانزلاق نحو تقويض النّموذج الديمقراطي والمضيّ عبر سياسة الأمر الواقع نحو الحكم فردي. فاليوم، تبدّدت الآمال في القطع مع ويلات الماضي والتّطلّع إلى تصحيح المسار لاسيما مع ما تواجهه تونس اليوم من مخاطر مسّت الحريات الفردية والجماعية ونالت من الحقوق المدنية والسّياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لا ضمان للحقوق
ولهذا السبب، تراجع ترتيب تونس حسب المؤشّر العالمي للحقوق لاتحاد النقابات العالمي (CSI) من الفئة 4 "الانتهاكات الممنهجة للحقوق" عام 2021 إلى الفئة 5 عام 2022 و2023 أي "لا ضمان للحقوق"، كما وقع تصنيف تونس سنة 2023 لأوّل مرّة في قائمة أسوأ عشر (10) دول في العالم للعمّال، ووفقًا لتقرير المنظّمة ذاتها فقد تمّ إضعاف الديمقراطية وتوطيد السّلطة إلى حدّ كبير وتعريض الحريات المدنية للعمال للخطر الشّديد بالتّوازي مع مراقبة حكومية شديدة على المفاوضة الجماعية في تونس بموجب المنشور عدد 20 لسنة 2021 و 21 لسنة 2022 بالتّوازي مع هرسلة النّقابيين والتّنكيل بهم واعتماد سياسة الوعيد والتّهديد والعديد من الإيقافات والإعفاءات دون توجيه تهم واضحة أو بتلفيقها أو باختلاقها أو بالتّعلّل بأسباب واهية ومضلّلة كما تمّ مع الإخوة أنيس الكعبي والصّنكي الأسودي والطّاهر البرباري والعديد من المناضلين النّقابيين، والالتفاف على الحقّ في المفاوضة الجماعية وتجاهل دعوات الحوار والتّفاوض والتّنصّل من الالتزامات الموثّقة، والحرمان من الحقّ في التّضامن النّقابي الدولي بلغ حدّ مطالبة الرفيقة ايستار لينش رئيسة الاتحاد الاوروبي للنقابات بمغادرة التّراب الوطني وأنّها شخص غير مرغوب فيه والإعادة القسرية لممثّل النّقابات الأوروبية من مطار تونس-قرطاج.
استهداف كلّ نفس تقدّمي حقوقي ومواطني
كما دخل مسار الضّرب الممنهج للحوار الاجتماعي وإلغاء دور كلّ التّنظيمات الوسيطة المواطنية وإقصاء الجميع منعرجا جديدا وشديد الخطورة تمثّل في إطلاق العنان لحملات غير مسبوقة ضربت عرض الحائط كلّ المبادئ الكونية وكلّ المواثيق والمعاهدات الدّولية وتجاوزت كلّ النّصوص التّشريعية والإجراءات المستوجبة بغاية التّضييق المفضوح على الحريات والحقوق اعتمادا على المرسوم عدد 54 لسنة 2022 وذلك باستهداف كلّ نفس تقدّمي حقوقي ومواطني وكلّ وشخص حامل لرأي مخالف من المعارضين السّياسيين أو المترشّحين المحتملين للسّباق الانتخابي والحقوقيين والمحامين وناشطي المجتمع المدني والمدوّنين والفضاءات والمؤسّسات المحتضنة لأيّ نقاش أو فكر نقدي بما يعكس أوّلا رغبة واضحة في ضرب أهمّ مكسبين لثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي وهما حريّة التّعبير والحوار الاجتماعي وثانيا بداية الانتكاس الدّيمقراطي وثالثا التّنكّر للاستحقاقات الفعلية التّي رفعها التّونسيون والمتمثّلة في التّشغيل والتّنمية والرّقي والحرية والكرامة الوطنية.