ثقافي

ديوان وجعلتني شاعرا لتوفيق حيوني، وتقديم الراحل حكيم المرزوقي

الشعب نيوز/ متابعات - ليس للشعر هدف ولا منطلق، وليس للشعر عمر ولا عقيدة أيديولوجية كانت أم دينية كما أنه ليس له قوالب جاهزة أو مرجعيات ثابتة. هذا ما أدركه توفيق حيوني في كتابه " "وجعلتني شاعرا"، والذي يشيء من عنوانه بمف هوم الشعر الذي يبحث بدوره، عن مفهوم مع كل تجربة إبداعية تزعم التتفرد وتكسر القالب بعد اكتمالها. نصوص تهتدي في غالبيتها إلى سحر العشق بداية ونهاية، ولا تغفل عن إعلان الأنا بصوت عال، دون مواربة أو ذوبان في غبار الجماعة ووهم الأيديولوجيا أو بهرجة الصراخ السياسي.

ديدنه الحب كما الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، في قوله "لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني. لغة الحيوني في هذا الكتابة بسيطة، دون سذاجة وعميقة دون تعقيدات، كما أنها تنضح شاعرية، وتنئ مفتوحة لكل التأويلات والقراءات كما يتضح من العنوان الذي يبدو كأنه مقتطف من سياق حديث طويل فالواو التي استهل بها العنوان تبقى محيرة بين العطف والمعية والاستئناف وغيرها من معاني العشق المتعرشة التي ضمها الكتاب.

تجربة جديرة بالقراءة والاهتمام والتوقف ععندها، كحلقة تتبعها حلقات نتوقع أن تأخذنا إلى إنتاج أكثر إدهاشا في المستقبل القريب. توفيق حيوني في هذا الكتاب يعلن عن نفسه شاعرا من حيث لا يقصد، وذلك عبر رفضه لكل الوصفات الجاهزة وكسره للقوالب المستهلكة والأشكال المألوفة.. أليس الشعر هو ذاك الذي يعيد تعريف نفسه بنفسه عند كل تجربة كتابية؟ كلام يبدو "بسيطا كالماء، وواضحا كطلقة مسدس" على حد قول أمير قصيدة النثر، الشاعر السوري الراحل رياض صالح الحسين. ما فعله توفيق حيوني بالكتابة الشعرية، على هذه الأوراق يشبه أولئك البحارة المجانين والرحالة المغامرين الذين اكتشفوا جزرا وخلجانا، وحتى أقواما وشعوبا وثقافات من حيث لا يدرون ولا يتقصدون.. كل ما في الأمر أنهم كانوا أطفالا يرفضون اللعب في أحيائهم وأمام عيون أهلهم. عاطفة عصية على التدجين وتمضي حافية، غاضبة ومندفعة غير آبهة بحفر الطريق ولا إشارات المرور.

لغة أنيقة دون تكلف، لا ترتدي السموكن، ولا تكتب نفسها بحبر وردي، لكنها تخاطب الذات والحبيب والكون بهمس يشبه الصراخ فينصت إليها كل قارئ وكأنها تعنيه بشكل شخصي. تأملات في الوجود والعدم تكشف عنها حالة عشق بلغ حد الوله، لكنها صيغت بطريقة بعيدة عن الحذلقة وادعاء الحكمة والتصوف اللغوي. "وجعلتني شاعرا" كتاب ينبه إلى أن الحب مازال يصنع الدهشة ويعيد النظر في التاريخ والجغرافيا وما بينهما من أساطير كما يتضح في الكثير من الاستدعاءات. لعل أهم ما يميز هذا الكتاب هو كسر النمطية حتى في ادعاء "كسر النمطية".