وطني

مشروع قانون المالية لسنة 2025 : نوايا تستوجب إجراءات أكثر عمقا

الشعب نيوز / وسائط - أصدرت الحكومة التونسية مشروع قانون المالية لسنة 2025 ونحن في شهر أكتوبر أي قبل أسابيع من اجال الصدور وهي في حد ذاتها بادرة جيدة تختلف عنما حصل من تعتيم وضبابية تعلقت بمشروع قانون المالية للسنة المنقضية.

ولعل هذا الابكار في النشر قد يفتح المجال امام الراي العام لمناقشة هذا القانون نقاشا عام بما قد يسهم في تحسين ما ورد به من إجراءات تبدو مفيدة او وقف ما جاء فيه من اجراءات قد لا تخدم المصلحة المشتركة للفاعلين الاقتصادين والاجتماعيين.

* نوايا حسنة

ان الطابع العام لقانون المالية الجديد هو اعلان النوايا الحسنة خاصة في ما يتعلق بتعزيز الدور الاجتماعي للدولة ودعم المقدرة الشرائية للمواطن. كما تضمن مشروع القانون جملة من لإجراءات تحت باب العدالة الجبائية. وتمثل مختلف هذه الشعارات عنوانا مشتركا لكافة الباحثين عن منوال تنموي عادل وهي ترتقي الى مستوى النوايا الحسنة التي تستجيب الى مطامح اكبر قدر من الفاعلين الاقتصاديين. ويمثل مشروع "احداث صندوق الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات يهدف إلى ضمان الحماية الاجتماعية لفائدتهن ضد مخاطر المرض وحوادث الشغل والأمراض المهنية بهدف المساهمة في إرساء نظام حماية اجتماعية فعلية لهن عبر ضمان التغطية الاجتماعية"، خطوة مهمة في اتجاه انصاف هذه الفئة

* إجراء عمالي مهم

تضمن قانون المالية احداث صندوق الـتأمين ضد فقدان مواطن الشغل وإرساء نظام للإحاطة الاجتماعية بالعمال المسرحين لأسباب اقتصادية من خلال تمويل تأمين العمال ضد فقدان مواطن الشغل وذلك للحد من تأثير التغيرات الاقتصادية على المؤسسات وإعادة إدماج العمال المسرحين في الدورة الاقتصادية ويمثل هذا الصندوق مطمحا عماليا نظرا لما عاناه العمال من مظالم ناتجة عن التسريح ومن قهر ناتج عن عدم التمكن من الحصول على الحقوق في حالة الطرد الناتج عن اساب اقتصادية. غير ان هذا الحدث "" المهم يستوجب ان يصاغ بشكل تشاركي من اجل تحديد مساهمات المتدخلين وبالتالي فان فتح حوار وطني في هذا المجال مطلوب للغاية. والحقيقة ان الأسباب الاقتصادية لن تكون العامل الوحيد الذي سيجبر المؤسسات على الاغلاق فما نشهده من تحولات احدثتها الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والتغيرات المناخية سيجعل عالم الشغل في تونس في حالة من الاضطراب الدائم الذي يستوجب استراتيجية متابعة تخفف من حدة الواقع. واذا كان من المحمود بالنسبة للدولة التفكير في هذا الامر فان تجنب الارتجال والتخبط يستوجب التحاور والتشاور مع النقابات بوصفها الفاعل الأكثر دراية بمصير العمال والأكثر اهتمام بدراسة تأثيرات تغيرات عالم الشغل على واقع العمال.

* شعارات تستوجب التدقيق

ان اهم شعار يستوجب التدقيق في راي هو شعار العدالة الجبائية لان تعزيز موارد الدولة من خلال الضريبة التصاعدية لا يؤدي اليا الى العدالة الجبائية. ومن وجهة نظر علمية هناك مقاربتان نظريتان من اجل تعزيز موارد الدولة الجبائية وهما اما مزيد الضغط الجبائي على الفاعلين المعنيين بالضريبة او توسيع دائرة الضريبة لجر فاعلين جدد الى مجال المساهمة الضريبية. ولا ييتم الخيار الأول الا في صورة الرخاء او الطفرة الاقتصادية الناتجة عن نمو متواصل وبالتالي فان الحكومة تفكر في إعادة التوزيع ودعم قدرات الاقتصاد عبر رفع حجم الضرائب من اجل تعزيز المحركات الأساسية للنمو وهذا الامر غير مطابق للحالة التونسية. ويتم اعتماد الخيار الثاني في حال وجود تهرب ضريبي كبير وتفصي الفاعلين من واجباتهم. وحيث ان كل الأرقام تجمع على وجود اقتصاد موازي يستحوذ على نسبة لا تقل عن 40 بالمائة الاقتصاد التونسي فان الخيار الأنسب للعدالة الجبائية هو توسيع دائرة الضريبة واعتماد استراتجية لتقنين النشاط الخارج عن القانون. وبالتالي فان المطلوب هو سياسة جبائية جديدة لا ترهق القائمين بواجباتهم فعلا بل تضيف الى المشهد فاعلين جدد والحقيقة ان لا امل لاي اقتصاد بالتطور والازدهار في ظل وجود شلل كامن اسمه التهرب الجبائي والاقتصادي الموازي وه الحرب الأبرز في تقديرنا.

ومن زاوية نظر اقتصادية يمثل اعتماد الضريبة التصاعدية شكلا من اشكال إعادة هيكلة المساهمة في الضريبة القائمة فعلا والتي يقع تجميعها وبالتالي فان حظوظ توفير موارد جديدة إضافية للدولة ستقل الا بمقدار ما وجد من شطط في رفع نسبة الضرائب.  ولا ينكر احد ان التغييرات الحاصلة على الضريبة على الافراد تخدم مصلحة أصحاب الدخل المحدود الذي يقل عن 5000 دينار سنويا كما سيمكن الجدول المقترح من طرف الحكومة من خفض الضريبة على من يقل دخلهم عن 4000 دينار سنويا بمقدار يتراوح ما بين 02 الى 06 بالمائة وهو امر مهم غير انها ستخفض من موارد الموظفين الحاصلين على اجر يفوق 40 الف دينار بنسبة 05 بالمائة وفق الضريبة الجديدة.

ان إيجاد نوع من التوازن في العبء الضريبي للأجراء والافراد مهم جدا غير ان هذا الاجراء يضر بديناميكية محرك النمو الاقتصادي الأبرز وهو الاستهلاك.  كما ان هناك غموضا كبيرا حول مصير أصحاب الدخل الذي يفوق 5000 دينار بقليل فلنقل مثلا 6500 دينار. وهذا الغموض يضر كثيرا بالعمال من ناحية وبموارد الدولة من ناحية أخرى. ويرفض الكثير من العمال الحصول على زيادات في الأجور وعلى ترقياتهم خوفا من تجاوز الاجر 5000 دينار سنويا وعلى قانون المالية ان يدقق هذه المسالة. وقد يكون اعفاء 5000 الاف دينار على كل الشرائح حلا مثاليا وبالتالي فان مان يحصل على اجر سنوي يساوي 6500 دينار سيجد انه استفاد من وضعه كصاحب دخل محدود كما ساهم في دعم خزينة الدولة بما اكتسبه من موارد إضافية جديدة.

* خطوات محتشمة

لا شك في الكثير من الفصول حمل وعيا بواقع عديد القطاعات ومن ذلك مثلا الوعي بواقع مربي الابقار وبواقع المستثمرين الجدد ولذلك نجد فصلا خاصا بتيسير نفاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة والمؤسسات الناشئة إلى مصادر التمويل غير ان احداث خطي تمويل بمجموع 17 مليون دينار يعتبر جدها هزيلا.  ويعتبر "تخصيص مبلغ 5 مليون دينار على موارد صندوق تنمية القدرة التنافسية في قطاع الفالحة والصيد البحري تصرف في شكل منحة استثنائية لدعم الأموال الذاتية لصغار مربي الأبقار"، اجراءا هزيلا امام ضعف القطيع من ناحية وامام الازمة الهيكلية التي يعاني منها مربو الابقار والمرتبطة بالعلف والتلاقيح وهو ما يؤثر على مردودية القطاع فالمطلوب ليس فقط توفير القطيع بل توفير مقومات ديمومته وبالتالي فان الاجراء المتعلق بمربي الابقار يستوجب التوسع حتى يكون مفيدا.