وطني

على هامش احتجاب "الشارع المغاربي" (1/3) : هل تتوقع الدولة ان تتمكن من صياغة وتفعيل منوال تنموي جديد دون اعلام حر وفاعل؟

الشعب نيوز/ متابعات – شكل اعلان توقف جريدة " الشارع المغاربي" الأسبوعية عن الصدور في نسختها الرقمية بعد توقف الطبعة الورقية صدمة جديدة للعاملين في القطاع من صحافيين وفنيين وارباب عمل ومن قراء ومتابعين. وقد استفزت الصدمة الزميل طارق السعيدي (أبو إبراهيم) فكتب في الغرض مقالا مطولا (قسمناه الى 3 أجزاء) حلل فيه العديد من الجوانب المحيطة بالموضوع خاصة وبقطاع الاعلام عموما بما فيه الصحافة المكتوبة والقطاع السمعي البصري.
في الجزء الأول، يتناول الزميل طارق السعيدي (أبو إبراهيم) جوانب ذات علاقة مباشرة بالصحافة المكتوبة ويحلل العلاقة بين السياسي والصحفي ويبرز الدور المفصلي للصحافة والاعلام عموما ومكانتهما في الشأن العام.

الصراع مع الاعلام يربك الثقة ويجعل المستثمرين يتراجعون عن كل إمكانات الدعم والتمويل 

كتب طارق السعيدي (أبو ابراهيم)                                                   
[ أعلنت الزميلة كوثر زنطور بكل اسف عن توقف صدور " الشارع المغاربي" في افتتاحية أتت من خلالها على جل الأسباب التي راتها مؤثرة في مصير الجريدة الأسبوعية والعاملين فيها وعائلاتهم. والحقيقة ان توقف الشارع المغاربي عن الصدور ليس الحدث الأول بعد ان توقف صدور عدة صحف أخرى وهو ما يضعنا امام تساؤل عميق حول افق الصحافة المكتوبة والاعلام التقليدي بشكل عام في سياق التطور المتسارع وغير المسبوق للتقنية وتأثيراتها على صياغات وانماط الإنتاج الصحفي وثقافات استهلاك المنتجات الاعلامية. 
السياسي والمهني
ان سبب كتابتي لهذا المقال عن جريدة " الشارع المغاربي" تحديدا يعود لما اتسمت به الجريدة من جدية وحرفية. ورغم أنى لا ازعم أنى متابع وفيّ لها الا انها فرضت علينا نفسها من خلال زوايا النظر المتعددة وتحاليلها وتناولها للأخبار بصيغ وطرق جادة ومفيدة. ما جعلني اكتب أيضا هو شعوري بالألم على مصير زملائي، سواء الذين اختاروا التقاضي او الذين اختاروا التراضي. 
ما كان لهذا الوضع ان يحصل وما كان يجب ان تبلغ الأوضاع هذه الدرجة من السوء وأنا ادعو بالمناسبة الى حل عادل وعاجل للزملاء الذين قضوا سنوات العمر يلهثون وراء الخبر ويجتهدون في انارة الراي العام.
ان محاولة فهم توقف الصحف عن الصدور يستوجب أكثر من مستوى تحليل. فعلى المستوى السياسي، بمعنى استراتيجيات الدولة ومختلف الفاعليين السياسيين، نلاحظ ان علاقات الفاعلين في الحقل السياسي بالإعلام لم تخرج عن محاولات الهيمنة والتوظيف. فنحن نذكر كيف امسك الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بمصدح زميلتنا نعيمة عبد الله احتجاجا على ما تبثه التلفزة الوطنية، ونذكر اعتصام وتجمهر متشددين امام مقر قناة نسمة ثم الاعتصام امام مقر التلفزة الوطنية وتعدد وكثرة الاعتداءات على الصحفيين والتضييق عليهم في سياق عام من التخويف ومحاولة فرض نمط مجتمعي جديد. 
لجام المرسوم 54
ونحن نشاهد الان استراتيجية جديدة قائمة على الإهمال والتجاهل مع نزعات نحو تحجيم الدور. وقد ساهم المرسوم 54 في الحد من اندفاع الاعلام وحرمانه من الحق في الخطأ، وألجم بذلك دوره في الرقابة وفي كشف الفساد والتجاوزات وتعرية الخروقات التي قد يقوم بها الفاعلون السياسيون والاقتصاديون وغيرهم، وذلك من خلال عرضها على الراي العام وتحويل الانحراف بالسلطة وسوء استغلالها الى شان وطني يستوجب المتابعة وهذا بالذات دور الاعلام الجماهيري. 
ولا يمكن في هذا الصدد انكار ما قام به الاعلام بوصفه جماهيريا في مواجهة الإرهاب وفي مواجهة شبكات الفساد وهو ما أسهم بشكل كبير في اجهاض مشاريع مجتمعية تستهدف النمط المجتمعي المتعارف عليه. 
وبشكل عام فان العلاقة بين الفاعلين، السياسي والاعلام، تجعل من كل افق للتعاون والدعم في مواجهة الرهانات الكبرى المشتركة امرا مستبعدا. وساهم سوء العلاقة بين الفاعل السياسي والفاعل الإعلامي في ضرب قطاع الاعلام ومحاصرته واخراجه تدريجيا من دائرة الفاعل الاجتماعي التنموي. 
ان دخول الفاعلين السياسيين في صراع مع الاعلام يربك ثقة المستثمرين في القطاع ويجعلهم يتراجعون عن كل إمكانات الدعم والاستثمار فتوتر العلاقة بين السياسي والإعلامي ليس خاصا بهما، بل له استتباعاته المهنية والمالية ونتائجه الاجتماعية الكارثية وهو ما يبرز كل مرة مع توقف جريدة عن الصدور او بيع مؤسسة إعلامية او اندثارها.
في ضرورة الترتيبات الجديدة
ستقولون إني منحاز الى الاعلام بوصفي صحفيا غير ان الامر ليس كذلك فنحن نعلم جميعا ان حقل الاعلام ليس متجانسا وتشقه الكثير من التناقضات والصراعات ومنها مثلا الصراع بين التفاهة ومحاولات تقديم اعلام هادف وجدي، والصراع بين بعض ارباب العمل من الوصوليين وصحفيين يتم استغلالهم حد الاستنزاف. 
وهناك صراع بين ارباب العمل أنفسهم، وهناك صراع بين الأجيال وامام كل ما ذكر فاني لا اتحدث عن الاعلام بوصفه حالة من التجانس او حالة من النقاء الثوري بل بوصفه فاعلا اجتماعيا له دوره المركزي في التنمية وفي خلق التمثلات الاجتماعية والتأثير على أفعال الفاعلين. وهو ما يستوجب علاقات تضامن عضوية مع بقية الحقول وخاصة الحقل السياسي والحقل الاقتصادي.
لست من دعاة الصفقات وترتيبات ما تحت الطاولة كما حصل في عدة حكومات سابقة لان الترتيبات تنتهي بانتهاء موجباتها وقد حصل ان دعت الحكومة عددا من الصحفيين وأصحاب القرار في الشأن الإعلامي وتعشوا ومرحوا وتحدثوا غير ان عشاءهم الأخير لم يؤدّ الى اعادة ترتيب العلاقات وانتهى بهم الامر الى الترقب المتبادل. 
ما ادعو اليه حقا هو فهم مشترك لمجالات التضامن ضمن سياق خدمة التنمية والحداثة. وهذا الامر لا يكون الا من خلال تقدم الدولة اولا الى مهامها في الدعم والتضامن دون انتظار مقابل من الاعلام.
 فهل من المعقول مثلا ان تبقى الدولة تتأمل الغرق التدريجي للصحافة المكتوبة دون ان تتدخل؟ اليس من الواجب وضع استراتيجية لإنقاذ الاعلام في ظل سياقات لم يخترها؟ وهل تتوقع الدولة مثلا ان تتمكن من صياغة وتفعيل منوال تنموي جديد دون اعلام حر وفاعل؟
الا تعرف الدولة مثلا ان البديل الموضوعي للإعلام التقليدي هو الاعلام "البديل" او اعلام الشبكة الذي نلاحظ جميعا اثاره وخصائصه. 
لا يخفى على أحد انه اعلام الاثارة و"الجامات" وما يتبعها من مكاسب مادية شخصية وخاصة وفردانية. وهو اعلام الفرد المفرد بما يختزنه ذلك من غايات انانية خالصة ومن مزاجية وعفوية وجموح، بما يتناقض مع شروط العقلانية. ان هذا البديل الذي يطرح نفسه بقوة لن يتأخر في الهيمنة ولن يتوقف عن خلق تمثلات جديدة قد لا تخدم أي مشروع تنموي مشترك.]

* عدد كبير من الصحف المثبتة في الصورة قد اختفت بعد.