على هامش احتجاب "الشارع المغاربي"(2/3): ممارساتنا مع الاعلام التقليدي محل مساءلة واندثار بعض الصحف تمليه التقنية وسطوة العلم
الشعب نيوز/ متابعات – يتناول الزميل طارق السعيدي (أبو إبراهيم) في الجزء الثاني من المقال الذي كتبه على هامش احتجاب "الشارع المغاربي" ، يتناول المسألة التقنية وكيفية التعامل معها في صحفنا وبقية وسائل الاعلام وينبه الى خطورة النقلة النوعية التي تحدثها على نمط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية والى ان اندثار الصحافة المكتوبة قد يكون مقدمة لاندثار الاعلام بشكله التقليدي.
طارق السعيدي (أبو إبراهيم)
[ ان اسوء طريقة ممكنة للتعامل مع التقنية هي التعامل معها بوصفها شيئا حياديا (هيدغير) أي التعامل مع التقنية بوصفها مُحسّنا ومُطوّرا لكيفية الإنتاج دون الانتباه الى ما تحمله داخلها من خطورة النقلة النوعية التي تحدثها على نمط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية.
ونحن ننتقل بالتحليل الى المستوى الاجتماعي، لا بد ان ننتبه الى ان التقنية وتطوراتها الهائلة لا تكتفي بتطوير وسائل الإنتاج القائمة ورفع أدائها، بل تحدث بتدرج وعفوية نقلة في بنية الإنتاج وعلاقات الإنتاج المترتبة عنها.
ويبرز هذا الراي في مقولات ماركس حول دور التقنية في تطوير نمط الإنتاج وتثوير علاقات الإنتاج من اجل الانتقال من نمط انتاج الى اخر. فالتقنية ليست حدثا عرضيا بل هي حدث مهم له تأثيرات عميقة.
بمجرد
اعتماد التقنية الجديدة، تتشكل تقاليد وممارسة ثقافية جديدة.
وبصورة عامة، تساهم التطورات التقنية بشكل حاسم في بروز تشكيلات اجتماعية جديدة مرتبطة بتلك التقنية وتكتسب المهارة اللازمة لممارستها. وتسهم التقنية بعد ذلك في تراجع واضمحلال تشكيلات اجتماعية قديمة. وبالتزامن مع ذلك، تظهر مع التقنية ممارسات ثقافية جديدة فبمجرد اعتماد التقنية الجديدة، تتشكل تقاليد وممارسة ثقافية جديدة.
وقد برزت مع انتشار الهاتف الذكي ممارسات ثقافية جديدة وتحوّل السعي وراء اخر تقليعات الهواتف رهانا دائما وتحول الى مجال لاستهلاك تفاخري تسرب الى الجميع بما في ذلك الطبقات التي لا تمتلك عادة شروط الاستهلاك.
كما أصبح تجديد الرصيد بشكل دائم جزء من الثقافة الاستهلاكية وأصبح البحث عن مصدر للشحن هاجسا مقلقا وتم تدريجيا اختزال المشاعر والتفاعل الإنساني مع الاخرين في الصيغة الرقمية لأشكال التواصل الإنساني.
وتم استبدال الابتسامة برسوم جامدة وتهاني الأعياد بصور نمطية ركيكة ثم تحولت شبكة الانترنت ومختلف التطبيقات التي تحتويها من مادة للتواصل والتفاعل الى فضاء يضم المجتمع في نمطه الجديدة أي مجتمع الشبكة (كاستالز). وهو مجتمع تتم خلاله إدارة العلاقات الاجتماعية وإعادة انتاجها ضمن الشبكات القائمة على وسائل التواصل.
في هذا المجتمع الجديد تصبح تعاملاتنا القديمة وممارساتنا مع الاعلام التقليدي محل مساءلة ويكون اندثار بعض الصحف امرا تمليه التقنية وسطوة العلم.
التلفزيون
لن يكون قادرا على منافسة الثقافة الاستهلاكية الجامحة حتى في مجال الاسفاف.
ان اندثار الصحافة المكتوبة قد يكون مقدمة لاندثار الاعلام بشكله التقليدي. ان هذا الاندثار ليس افقا ممكنا بل هو حدث يحصل الان اماما اعيننا. لقد تحولت منصات مثل " شاهد" و "ناتفليكس " وغيرها الى بديل عن السنيما والتلفزيون في ان واحد وتقوم منصات البودكاست باجتياح مساحات واسعة من فضاء احتكرته البرامج الحوارية التي بدأت تصبح مملة.
حتى برامج التفاهة ومجاميع الاسفاف التي تملأ التلفزيونات تقع الان تحت تهديد المنافسة الشرسة، من مضامين الاسفاف والرداءة والبذاءة الواردة في محامل بديلة مثل التيك توك والانستغرام. فالتلفزيون لن يكون قادرا على منافسة الثقافة الاستهلاكية الجامحة لا في مجال الفعل الجاد ولا حتى في مجال الاسفاف.]
اقرأ ايضا:
-حقائق عن وضع الاعلام في تونس يكشفها توقف أسبوعية "الشارع المغاربي " عن الصدور