المركّبات الفلاحية بصفاقس: الاتحاد سبّاق في ايجاد الحلول العملية لحمايتها و ضمان عموميتها وديمومتها وازدهارها
الشعب نيوز/ المحرر - على خلفية ملفّ هنشير"الشعّال" الكائن بولاية صفاقس،أعدّ الزميل صبري الزغيدي لجريدة الشعب الورقية، الصادرة الخميس 07 نوفمبر 2024، ملفا حول وضعية القطاع الفلاحي العمومي وابرز كيف أنّ "الاتحاد بحّ صوته منذ سنوات منبها الى غياب استراتيجية فلاحية ناجعة للنهوض بمركبّات " الشعّال وبئر علي والسلامة وبوزويتة" مؤكّدا على لسان نقابي جهة صفاقس "نريد محاسبة واصلاح حقيقيين وليس مجرّد ذرّ الرماد على العيون، والأهم فتح حوار من أجل تطوير حقيقي وعلمي للضيعات الفلاحية يراعي مصلحة الدولة والعمال.
كتب صبري الزغيدي:
جميل ان تلتفت الدولة الى ما تعانيه اراضي الدولة والمركّبات الفلاحية في تونس منذ سنوات طويلة من تهميش وتفقير ومن محاولات التربص بها والنهش من ثرواتها وخيراتها، التي من المفروض ان تكون رافعة للاقتصاد الوطني وفضاء خصب لتشغيل الشباب المعطل عن العمل.
ولكن أيضا، من المؤسف ان تقتصر اجراءات الدولة على مجرد ايقاف فلان أو تتبع علّان، على اهمية ذلك، دون أن يصطحب ذلك خطة فلاحية واستراتيجية واضحة للنهوض بالضيعات الفلاحية لوضع حدّ للاوضاع المرتدية والصعية التي تعيشها من أجل حمايتها من المتربصين بها ومن أجل ضمان عموميتها وديمومتها والعمل على ازدهارها ، وحتى لا تكون تلك الاجراءات مجرد حلول ظرفية بافلوفية وذرّ الرماد على الاعين.
وفي هذا المستوى، وجب التنويه وبكل تواضع، بأن الاتحاد العام التونسي للشغل كان سبّاقا منذ سنوات في ايجاد الحلول العلمية لحماية المركّبات الفلاحية بجهة صفاقس وغيرها من الجهات من المرتبصين بها وفي ضمان عموميتها وديمومتها والبحث عن ازدهارها، كما بحّ صوته من اجل الكشف عن المؤامرات التي تحاك حولها لتحافظ على دورها الريادي في دعم الانتاج الوطني الفلاحي وتعديل الاسعار وتطوير البحوث وتوفير المعدات والتجهيزات اللازمة وصيانتها وتشغيل الاطارات والاعوان.
وضع متردٍّ بالإمكان تجاوزه
أفادنا الأخ يوسف العوادني الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس بأن هياكل المنظمة الشغيلة، من الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس والفرع الجامعي للفلاحة والنقابات الاساسية للمركّبات الفلاحية وبالتنسيق مع الجامعة للفلاحة قد نظمت منذ سنوات مئات الاجتماعات العامة بالعمال ونفذت العشرات من الإضرابات والتجمعات الاحتجاجية دفاعا عن تلك المكاسب الوطنية الفلاحية، حتى أن المركزية النقابية رفقة أعضاء من الهيئة الادارية الوطنية والاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس والفرع الجامعي للفلاحة والجامعة العامة للفلاحة وعشرات النقابيين نظموا قافلة نقابية سنة 2019 في اتجاه ضيعات الشعال وبوزويتة والسلامة وبن علي للوقوف على اوضاعها المتردية واوضاع عاملاتها وعمالها.
وأضاف الأخ يوسف العوادني أن عاملات وعمال المركبات الفلاحية والعمال الفلاحيين بجهة صفاقس كانوا أعلنوا رفضهم القطعي التفريط في المؤسسات العمومية وأكدت استعدادها للتصدي لكل المشاريع الرامية لحلّها والتي تخدم أجندات ومصالح ولوبيات معينة تحت غطاء الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وهذا النضال لم يأت من فراغ، حسب قول الأخ العوادني٬ بل كان من زاوية القناعة النقابية للدفاع عن المؤسسات العمومية التي تؤمّن القوت اليومي والامن الغذائي للشعب التونسي، في الوقت الذي صمّت السلطات اذانها امام المطالب بفتح مفاوضات جدية للنظر في صيغ دعم ديوان الاراضي الدولية وتجاوز الصعوبات التي يمرّ بها وخاصة المركبات الفلاحية بالجهة والوضعية المتردية التي باتت عليها.
ومعلوم أن دور هذه المركّبات الفلاحية يقوم على تعديل الاسعار والمساهمة في ضمان الامن الغذائي للتونسيين، كما لها دور اجتماعي باعتباره يمثّل المتنفّس والمشغّل الوحيد تقريبا لعديد الجهات المحرومة والمهمّشة التي تتمركز بها.
ولكن، تعاني هذه المركّبات من عديد الصعوبات التي تَعُوق الانتاج على غرار تهرّم غراسات الزياتين التي تمثّل العمود الفقري للديوان وتراجع حجم المساحات بالنسبة إلى الاشجار المثمرة وتآكل وتقادم جهاز الانتاج ووسائل العمل كالمداجن وتجهيزات المناطق السقوية والاستبلاط والالات ووحدات التحويل والخزن الخ...
وأمام تلك الصعوبات، عبّر عمال المركّبات الفلاحية بصفاقس وهياكلهم النقابية منذ زمن بعيد، عبّروا عن وعيهم بضرورة رسم اهداف بغية تجاوز ذلك الوضع وتجاوز ضعف الانتاج خلال سنوات الجفاف وضمان ديمومة الانتاج سنويا والمحافظة على الموازنة المالية الايجابية علاوة على خلق مواطن شغل اضافية لاستقطاب أكثر عدد ممكن من الشباب المعطلّ عن العمل بتلك الجهات المحرومة والزيادة في الانتاج والانتاجية.
ولتحقيق هذه الاهداف، فقد طالب الطرف النقابي بتخصيص نسبة مائوية من المداخيل المتأتية من الموارد الذاتية للمركّبات الفلاحية وتطبيق كل ما يصادق عليه في المخطط الموسمي من أجل احداث استثمارات.
حلول ممكنة وبرنامج واقعي
من الاجراءات التي يراها الطرف النقابي كمخرج للاوضاع الصعبة التي تعيشها المركّبات الفلاحية، فمن الضروري احداث ابار ارتوازية لسقي جزء من الزياتين المنتجة ومضاعفة عدد الزياتين من خلال غراسات جديدة بين الاشجار المنتجة ما يمكّن من غرس أنواعا أخرى من الاشجار المثمرة كاللوز والخوخ والتفاح.. وبذلك يمكن تجاوز ضعف الانتاج وخلق مواطن شغل اضافية والزيادة في الانتاج والانتاجية.
كما يؤكد الجانب النقابي وجوب احداث مناطق سقوية لزيادة انتاج الزراعات العلفية لتغطية الحاجيات من الاعلاف وتركيز وحدة لتعليب زيت الزيتون خاصة أن البنية التحتية متوفرة علاوة على بعث وحدة لتثمين مادة «الفيتورة» واستغلالها كأعلاف، علما أن عديد التجارب المماثلة تمت مع معهد الزيتونة في مركّب الشعال.
ويطالب العمال ونقاباتهم أيضا باحداث منبتا للاشجار المثمرة خاصة الزيتون والفستق علما وان الجهة ككل تفتقر لمثل تلك البرامج، فضلا عن ضرورة دعم ورشات النجارة والحدادة والصناعة بتلك المركّبات للايفاء بمتطلبات الانتاج والمستلزمات من اليات لخدمة الارض وغيرها، من ذلك صنع الامحاش ومجرورات لنقل صابة الزيتون وصهاريج السقي وصنع السلالم الخ... لكل المركّبات التابعة للديوان مع المطالبة بإعادة نشاط معمل الزربية ومعمل الصابون بمركّب الشعال وتمكين المركّبات من الجرارات والسيارات والشاحنات وربط مقر الضيعات بالنور الكهربائي.
حول الوضع الاجتماعي المتوتّر
من خلال ما رصدناه من خلال ريبورتاجاتنا في جريدة الشعب، فالوضع الاجتماعي في المركّبات يشهد توترا واحتقانا على عديد المستويات، لذلك فالجانب النقابي يؤكد ضرورة الإسراع بالتدخّل لفضّ المشاكل وذلك عبر تسوية وضعية الاعوان الفنيين والاداريين الذين يتقاضون الأجر الادنى المضمون وبتسوية وضعية العملة الفلاحيين العرضيين والذين يعملون بمواقع عمل قارة ويتقاضون الاجر الادنى المضمون وتمكينهم من جميع مستحقاتهم، علاوة على اصدار الهيكل التنظيمي للديوان وعدم المساس بالحقوق المكتسبة وتشغيل المعطلين عن العمل.
ماذا عن ديواني الحبوب والزيت؟
ديوان الحبوب بدوره يشهد تحديات عديدة، وفي هذا الصدد يرفض العمال ونقاباتهم يرفض اعادة تنظيم الديوان بأي شكل من الاشكال عبر التخلص عن انشطته الاساسية أو البعض منها لفائدة القطاع الخاص، لأن ذلك اذا تم فان منظومة الدعم ستُرفع عن التونسيين، وبالتالي فقد تمت المطالبة باعطاء الديوان الاهمية القصوى واللازمة للنهوض به وتطويره وعصرنته.
كما يطالب الطرف النقابي بالتحكم أكثر في عملية النقل والتخلي عن كراء الشاحنات الخاصة والتراجع عن كراء مخازن الشفار وسيدي صالح وسيدي عبيد علما وان هاته العملية بلغت مصاريفها 2 مليار سنويا بالرغم من وجود خزانات على ملك الديوان لا ينقصها الا التأهيل علاوة على امكانية بناء خزان اخر.
أما في ما يخص ديوان الزيت، فهو مؤسسة لها اشعاع على كامل تراب الجمهورية ويعتبر قاطرة لقطاع الزياتين وخاصة المركز الجهوي للجنوب بصفاقس، فالديوان على عاتقه تأمين شراء زيت الزيتون عند الانتاج وتصديره، ولكن ومنذ سنة 1994 اصبح الديوان يصدّر ما يعادل 10 بالمئة من الصابة وحتى اقل من ذلك أحيانا.
كما يؤمّن الديوان نشاط تزويد السوق بالزيوت النباتية المدعّمة بجميع مراحله لفائدة الدولة، ذلك ان نسبة 95 بالمائة من عمليات التوريد للزيت النباتي تتم بميناء صفاقس، فضلا عن ذلك يؤمّن الديوان تكوين اليد العاملة المختصة في تقليم الزياتين ودعم عملية التسميد الازوطي واقتناء التجهيزات الفلاحية الميكانيكية وبيع الغراسات، والتدخل لفائدة القطاع بتنظيم وانجاز الحملات الوطنية لمكافحة الافات الضارة بالزياتين.
لكن، رغم كل هذه الادوار، فقد كانت هناك نية لتخلّي الدولة عن الزيت النباتي وهو ما سيؤدي الى رفع منظومة الدعم على التونسيين وبالتالي سيرتفع سعر اللتر الواحد من الزيت النباتي من 900 الى 3000 ميليم وهذا ما سيؤدي الى مزيد تفقير الكادحين والمعوزين واصحاب الدخل الضعيف.
لا مجال للتنازل عن الارض ولا صمت مع المتآمرين
أكد الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس ومن خلال مختلف انشطته ولوائح الاجتماعات العامة لعمال المركّبات الفلاحية وا برقيات التنبيه بالاضراب او من خلال التجمعات الاحتجاجية العمالية، اكد دعم الهياكل الجهوية لعمال تلك الضيعات والتصدي لكل من يسعى الى الاستيلاء على قطعة الارض او التحيل على تجهيزاتها، وان الاتحاد لن يفرّط في املاك الشعب ولن يسكت على المتآمرين على خيراته وعن القطاع العام.
كما تبرز مختلف النضالات النقابية الجهوية في تلك الضيعات الاستعداد الدائم للنضال من أجل ديمومتها وعموميتها، وانه لا حياد في معركتهم من اجل الدفاع عن ارضهم والتصدي للسماسرة بخيرات تعود الى الاف السنين تم بناؤها بسواعد الكادحين على مرّ الاجيال.
الشعال: الضيعة المنسية
المركب الفلاحي والصناعي الشعال، يُعتبر ثاني غابة زيتون في العالم وركيزة أساسية من ركائز ديوان الاراضي الدولية
هناك، كانت للعاملات وللعمال وهياكلهم النقابية صولات وجولات نضالية دفاعا تمسكا بعمومية مؤسستهم وبضرورة النهوض بها وتطويرها، بعد ما شيدته سواعد عمال مركب الشعال ومنهم المرحوم حسين الكعوي، والذين يستحقون الكثير من الاهتمام لرفع التهميش عنهم وعن مؤسستهم وهم الذين يضمنون الامن الغذائي للشعب التونسي، كما يستحقون كل الاحترام والخشوع لاخلاصهم للاتحاد ولرواده ولهم علاقة وطيدة بالزعيم النقابي الحبيب عاشور.
ولقد انكب الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس منذ سنوات على تدارس كل مشاكل المركّب الى جانب مركبات بئر علي وبوزويتة والسلامة ومداجن «نقطة»، ولديه ما يقول حول ملف التشغيل والتنمية في تلك المناطق من أجل رفع التهميش عنه وضمان حقهم في تنمية عادلة ودرعا لحماية الاراضي الدولية ودعم القطاع الفلاحي والمحافظة عليه.
هذا الامر يتطلب فتح حوار جدي للنهوض بالمركبات الفلاحية والدفاع عن عموميتها ودعمها وتشغيل الشباب فيها، باعتبار دورها الاستراتيجي في تلبية احتياجات التونسيات والتونسيين وضمان امنهم الغذائي، فضلا عن ضرورة التنبّه للمخططات الهادفة الى التفويت في البعض منها تحت غطاء ما يسمى باطلا الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفي ضيعة الشعال ايضا، تعمل المرأة الفلاحية في ظروف قاسية وتناضل في بيتها في ظروف صعبة من أجل تحصيل لقمة العيش واعالة ابنائها في الوقت نفسه، جنبا الى جنب مع زوجها العامل، وهاته المعاناة القديمة والمتجددة جعلت من الهياكل النقابية تتبنى مشاكلهم وتؤطر نضالاتهم من اجل الكرامة وضد السماسرة في القطاع العام.
فالشعال ثروة حقيقية سعت جميع الحكومات المتعاقبة الى التفويت فيها، وثروتها الزيتية في تونس اضحت ضحية للاستعمار الاقتصادي واملاءات القوي على الضعيف وتحت فكّ العصابات التي تنهش البلاد، في ظل مركّبات فلاحية تعاني غياب الاستراتيجيات الفلاحية الحقيقية للنهوض بها وانعدام التجهيزات وتقادمها والنقص في الموارد البشرية وسوء التصرف، ورغم ذلك فعمالها يقدمون التضحيات ويقومون بمجهودات جبارة في العمل رغم ضعف أجورهم وفقرهم المدقع وغياب المرافق الصحية وضعف جرايات المتقاعدين، لذلك فإن الاتحاد العام التونسي للشغل مع اصلاح حقيقي واعادة هيكلة على أسس سليمة وعلمية لتطوير تلك المؤسسات، ومع تحقيق المطالب المهنية والاجتماعية العالقة لعمال المركب وتطبيق الاتفاقات، وليس مع مجرد اصلاحات ظرفية وكأنها ذرّ الرماد على الأعين.