ثقافي

الفن والسلطة والحداثة (1): الى أي مدى كان الفن الية لإعادة تشكيل البنية الثقافية في تونس ما بعد 1956؟

* ثلاثة من أبرز الفاعلين الثقافيين في دولة ما بعد 1956: على بن عياد الممثل، الحبيب بوالاعراس الكاتب وزبير التركي النحات.

 [تعيش تونس على وقع أيام قرطاج المسرحية وقبلها بأسبوع عاشت على وقع المهرجان الوطني للمسرح التونسي. وبعد أسبوعين أو أكثر، تنتظم الدورة الجديدة لايام قرطاج السينمائية. زخم أثار فضول الزميل طارق السعيدي فأنتج مادة دسمة تحت عنوان " الفن والسلطة والحداثة" (ننشرها على 4 حلقات) يحاول من خلالها الإجابة الملائمة عن سؤال مفصلي: هل يجب ان يكون للدولة مشروع ثقافي؟]
الشعب نيوز/ طارق السعيدي – من خلال متابعتي لعدد من تصريحات المنتمين الى الحقل الفني وخاصة المسرحيين بمناسبة الحراك الثقافي في بعده الإبداعي، استرعت انتباهي حالة من السطحية في كلام جزء غير يسير من المنتمين الى حقل الفن. في المقابل أذهلني تنبه عدد من المبدعين الى السياقات العامة للفن في تونس ما بعد الحديثة. 
ولقد اثار لدي تنبه وانتباه المسرحيين، الى تحفز السلطة للمسرح ومراهنتها عليه، تساؤلا حول السلطة والفن والحداثة في تونس والى أي مدى كان الفن بمختلف اشكاله والمسرح والسينما خصوصا الية لإعادة تشكيل البنية الثقافية في تونس ما بعد 1956. واي مشروع ثقافي للدولة؟
الحداثة والبنى الصلبة
لقد مثل مشروع النخبة الماسكة بالسلطة في الدولة ما بعد الاستعمارية، المشروع التحديثي الأكثر وضوحا وعمقا من حيث الأهداف والاستراتيجيات والاليات وبذلك كان المشروع التحديثي البورقيبي الأكثر تأثيرا في التاريخ التونسي المعاصر رغم ضرورة الاقرار بإسهامات سياقات التحديث الأولى في عهد البايات او سياقات التحديث الثانية في العهد الاستعماري رغم كل المأخذ عليها نتيجة طابعها الكولونيالي. 

* ود كبير بين الشاذلي القليبيي الذي ينسب له المشروع الثقافي لدولة ما بعد 1956 مع الرئيس الحبيب بورقيبة
ويبدو ان الرئيس الحبيب بورقيبة قد تنبه مبكرا الى ان الموروث الثقافي التقليدي سيكون هو العائق الأبرز امام مشروع التحديث الذي يحمله. ولم يخف هذا الامر من خلال مهاجمته لمرتكزات الموروث الثقافي التقليدي من خلال تأييده لموقف الطاهر الحداد وانحيازه الى تحرير المرأة من قيود سلطة مجتمع الرجل غير ان كل الأمور لم تكن كافية فقد كان في حاجة الى اليات جديدة مبتكرة.
اعتقد انه من الضروري الانتباه الى ان سياقات الحداثة في تونس كانت بالأساس حداثة الدولة او الحداثة المدولنة أي تلك الحداثة التي تقوم فيها الدولة بدور حاسم من اجل الانتقال من حالة اجتماعية الى أخرى. 
وبشكل عام يمكن ملاحظة استقرار التشكيلات الاجتماعية والممارسات الثقافية فيما يسمى المجتمعات الراكدة (علي الوردي)، ولذلك فان التغيير الاجتماعي البطيء نسبيا استوجب تدخل الدولة لتسريعه وتسهيل التغيير في اتجاه الحداثة. 
النظام المخامسي
ويمثل نظام الإنتاج المخامسي الذي اكتشفه وأبرز خصائصه الدكتور الهادي التيمومي أحد الأدلة على بطء التغيير الاجتماعي وعطالته ضمن المجتمعات الراكدة. فهذا النظام المخامسي التونسي يقوم على نظام اقطاعي منغلق لا افق له في الانتقال الى النظام الرأسمالي وبذلك تعطلت علاقات الإنتاج عند نظام اجتماعي مغلق. 
طبعا لا نحتاج الى التذكير بان التغيير الاجتماعي الأبرز ان لم نقل الوحيد الذي عرفته تونس الحديثة هو نقل العائلة التونسية من العائلة الممتدة الى العائلة النواة من خلال قرار سياسي وقانون. 
فمع اصدار مجلة الأحوال الشخصية، تم منع تعدد الزوجات وأصبحت بذلك العائلة متكونة من زوجين وأبنائهما. ومع بروز المدرسة وتطوير النسيج الصناعي استقلت العائلة في صيغتها الجديدة عن ارتباطاتها برواسب العائلة الممتدة. 

* من أول وابرز الاصلاحات التي باشرتها دولة ما بعد 1956 مجلة الاحوال الشخصية
وبالتالي فان نخبة السلطة في تونس ما بعد الاستعمارية كانت تباشر الفعل الاجتماعي في مجتمع بناه الثقافية صلبة حد الركود من خلال استراتيجية تدخلية مباشرة أوجبها تأثّر النخب الحاكمة في الفترة ما بعد الاستعمارية بما يحصل من سياقات حداثية على صعيد العالم.