وطني

رأس المال ركن يكتبه طارق السعيدي: الشفافية في الدّم

رأس المال ركن يكتبه طارق السعيدي: الشفافية في الدّم

تستعمل كلمة الشّفافية في المعجم السّياسي التّونسي على أنها مرادف لنظافة اليد ‏ووضوح المعاملات. ويستدلّ بعبارة الشّفافية على حسن التّسيير عموما. وتكون ‏معرفة مدى التصاق المسؤول بالشّفافية، وبمعايير حسن التّسيير، واضحة من ‏خلال ما نعرفه - نحن المواطنين - من معلومات ومعطيات عامّة عموميّة سطحيّة ‏بسيطة وظاهرة حول الإدارة ومصاريفها وطرق تسييرها.

ولأننا نعرف القليل أو ‏ما أريد لنا أن نراه دون سواه من المال العامّ والمعاملات قليل هزيل وشفّاف فإننا، ‏أي أنا وأنت وذلك المواطن البسيط، لا نستطيع إلاّ التأكيد جازمين أن السيد الوزير ‏وجناب المدير، شفّافان.

فنحن نعرف أن ميزانية الوزارة قد حدّدت وفق قانون ‏المالية بعدد من المليارات موزّعة على عدة أبواب، ونعرف أيضا أن الأبواب ‏مبوّبة إلى عدة فروع وأقسام، و"يزّي فيه البركة" وكفى الله المواطنين شرّ ‏الحسابات وعلم المحاسبة.

وبما أنّ هذا العلم بجداوله المعقّدة عصيّ منيع على ‏عقولنا التي لا تستطيع أن تدرك أن الخزنة في جدول المحاسبة التونسية يرمز ‏إليها برقم 54 فقد أعفانا مسؤولونا، بارك الله فيهم، من مشقّة المحاسبة وأوكلوا ‏مهمّة التّدقيق إلى غيرنا من العارفين بأمور الجداول وخفاياها. صحيح أن ‏تقاريرهم تشير دائما إلى سلامة الأمور وتطابق المعايير غير أن هؤلاء العارفين، ‏والحمد لله أعفونا من التفاصيل وإرهاقنا بجداول لا تنتهي. ولأنهم يقومون بالمهمّة ‏لنا وبدلا عنا، ولأننا رضينا بذلك طوعا فإن أمورنا مع الشفافية في غاية الوضوح.

‏قلنا إذًا إن ما نعرفه قليل وإن هذا القليل العامّ لا يمكّننا علميّا من الجزم بصحّة ‏التفاصيل. فنحن نعرف أن الوزير يستقبل الوفود، وأن البعض منهم أجانب، ونعلم ‏يقينا أن إقامتهم كانت على حساب الدولة، وأن السيد المدير أو معالي الوزير "فرح ‏بيهم" وأطعمهم من المال العامّ، وقفْ.. انتهى الأمر...

أما تفاصيل الفواتير فتُردّ ‏إلى أهل الذكر، وهم أولئك العارفين الذين يتحملون مشقّة المحاسبة بدلا عنا. ‏ونحن نعرف أن نقل السيد الوالي وحضرة جناب المعتمد يحتسب من مال الدولة ‏غير أننا لا نعرف كم ينفق فعليّا وتحديدا على مصاريف التنقل.  

وبفضل ما نجهله ‏نحن عن المصاريف والمحاسبة، وبفضل من يحسنون التعامل بالتقارير ‏المحاسبتيّة، فإن المسؤولين في تونس والحمد لله "عندهم الشّفافية بزايد"، حتى أن ‏البعض منهم قد يصاب بالشّفافية في الدّم عافانا وعافاكم الله.‏