آراء حرة

حماس ما بعد وقف إطلاق النار

 بقلم: صبري الرابحي 

لم يكن يخطر ببال المتابعين لحرب الـ470 يوماً أنها سوف تنتهي بالوجه الذي انتهت عليه، فحتّى اشدّ المنتصرين لحماس تبدّدت آمالهم في أن تملي الحركة شروطها وتخرج بوجه المنتصر في هذه الحرب التي خاضها الكيان الصهيوني بأقصى ما يستبطن من وحشية خاصة بعد اغتيال هنيّة في طهران بالذات واغتيال حسن نصر الله في بيروت ثم اغتيال يحي السنوار المُقدم في جبهة النار هاشاً بعصاه الموساوية فوق أرض مهد الأديان.

الانتصار العسكري:

راهنت القيادة الصهيونية على قدرتها على القضاء على حماس بأن وضع بنيامين نتانياهو هذا الهدف كهدفٍ مركزي للحرب.ففي حين كانت قواته تتقدم في محاور عدة من القطاع واجهت صلابة تنظيمية ولوجستية منقطعة النظير وغير متوقعة من فصائل المقاومة.

ففي الوقت الذي اعتمد فيه جيش الكيان على بناء اجتياحه من خلال غطاء سلاح الطيران، نجحت حماس في تحويل الحرب إلى حرب شوارع مستغلة تعقيدات البنية العمرانية للقطاع إضافة إلى الانفاق المتشعبة والمعقدة والتي رسمت من خلالها خريطة اخرى للمواجهة أقرّ العدوّ نفسه بتعقيدها.

إحدى مراحل الحرب وأكثرها تأثيراً على مجريات الصراع كانت مرحلة الاستهداف من "مسافة الصفر"، هذا المصطلح المبتدع والذي كسر وهم التفوق العسكري لجيش العدوّ واربك معنويات جنوده بأن جعل المواجهة غير متكافئة على قاعدة الارادة والعزيمة عوضاً عن التجهيز العسكري والعتاد وهو ما غير وجه الحرب وتوازناتها على قاعدة قوة الجيش الصهيوني في نظر منتسبيه وداعميه لتصبح خسائره واضحة ومعلومة لا يمكن اخفائها أو دحض اهميتها او التقليل من شأنها.

الانتصار السياسي:

بدا واضحاً في مراحل متقدمة من الحرب نجاح عملية طوفان الأقصى في خلق زلزال سياسي داخل الكيان، جملة الخلافات داخل الحكومة، ضغط المعارضة ومن ورائها عائلات الأسرى شكلت جميعها تهديداً مهماً لحكومة نتانياهو.في الجانب الآخر حافظت حماس على ثقة وسطاء المفاوضات الذين لم ينقطع خيط التواصل معهم حتى في اشدّ لحظات العدوان إرباكاً وحتى بعد استهداف القيادات التنظيمية وتعاظم مخاوف توسّع النزاع.

حماس شكلت في الآن نفسه واجهة سياسية للشعب الفلسطيني في غزة وفي نفس الوقت الواجهة السياسية لداعميها وحلفائها سواء من الدول أو التنظيمات التي لم تتخلف عن إسنادها عملياتياً.

وبالتالي فإن الوجه السياسي لحماس الذي دأبت على إظهاره تحوّل إلى المزيد من التوسع خارج حتى مجالات الحرب ونجحت في كسر معطى مهم وهو وصمها بالارهاب عندما خاضت حرب المفاوضات أيضاً بشرف وقامت بتعرية محاولات نتنياهو تأبيد الصراع على اشدّه من خلال تعطيل إبرام الاتفاق على حساب سلامة مواطنيه في الأسر.

النجاح الاعلامي:

كان واضحاً منذ البداية أن الحرب الاعلامية سوف تكون محدّدة في إدارة الصراع، لذلك عملت حماس من خلال إعلامها العسكري على نقل الحقيقة كما هي قبل تزييفها وإستبقت التضييق عليها عبر المنصات التابعة، لذلك شكّلت وسائل عديدة أهمها "منصة تلغرام" قناتها إلى العالم التي نقلت المواجهة منذ الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى.

أحد أهم المشاهد أيضاً في هذه الحرب التي لم تنته بوقف إطلاق النار هي رسالة حماس للعالم من خلال ما نقلته من مشاهد مهيبة لتسليم الدفعة الاولى من الأسرى.

هذه الصور أبرزت إعداداً مميزاً للموكب، تنظيمياً وخاصة كميّا بالمقارنة مع جيوش نظامية لا يمكنها أن تظهر بالصورة التي ظهر عليها مقاتلو حماس بعد حرب طويلة الأمد من حيث الجاهزية والتنظيم ممّا أسقط ما كانت تروّجه وسائل إعلام العدوّ وأحرجت مصداقيته حول هزيمة حماس والقضاء عليها مما طرح سؤالاً مهماً دون التجرأ على الإجابة عليه: "من كنّا نقاتل؟".

إجابته أنه لا فناء لثائر، ببساطة.